اللاذقية – ليندا علي
كان عبد العزيز (45 عامًا) ينتظر بفارغ الصبر حوالة بقيمة ثلاثة ملايين و150 ألف ليرة سورية (223 دولارًا أمريكيًا)، تقدمها منظمة “الهلال الأحمر السوري” للمتضررين من الزلزال في اللاذقية، ليتفاجأ بأن الحوالة ناقصة مبلغ 35 ألف ليرة.
تسلم عبد العزيز رسالة من شركة “الفؤاد” للحوالات، أواخر أيلول الماضي، لتسلم المبلغ، وحين قبضه كانت أغلبيته من فئة الـ500 والـ1000 ليرة، ومليون ليرة فقط من فئة الـ2000 ليرة، ولم يعدّه.
كانت أولى محطات الشاب محل المواد الغذائية (بقالية) ليوفي دينه البالغ 325 ألف ليرة، وناول البائع ثلاث رزم كُتب عليها 100 ألف ليرة، ثم عدّ له 25 ألف ليرة.
وبدأ البائع بالعد ليكتشف أن رزمتين ينقص من كل منهما مبلغ 10 آلاف ليرة، والثالثة كانت تنقص 12 ألف ليرة.
وقال عبد العزيز، إنه عد المبلغ مرتين، وكان ناقصًا، وحين وصل إلى المنزل، اكتشف أن النقص يصل إلى 42 ألف ليرة.
كان الوقت قد تأخر في ذلك اليوم، حيث انتظر الرجل إلى صباح اليوم التالي، ليراجع فرع شركة “الفؤاد” في اللاذقية، وأخبره موظف هناك أنهم لا يستجيبون للشكاوى بمجرد خروج العميل من باب مكتبهم، ليتجاهل شكواه تمامًا.
عبد العزيز الذي خسر منزله ويقيم حاليًا في منزل مستأجر، كان بأمس الحاجة لكل ليرة في ذلك المبلغ، قائلًا بحسرة، “عوضنا على رب العالمين، يلي خسر بيتو بدون أمل برجعتو، مارح تفرق معو يخسر 42 ألف ليرة”.
ليس عبد العزيز وحده من يشتكي وجود نقص في المبالغ المستلمة، بل يشمل الأمر أغلبية المتضررين من الزلزال، لدرجة أنهم يحذرون أقرباءهم ألا يخرجوا من مكتب “الفؤاد” دون عد النقود بالكامل، حتى ولو كانت كلها من فئة الـ500 ليرة، وفق ما رصدته مراسلة عنب بلدي في اللاذقية.
هذا ما حدث مع سليمان (39 عامًا)، وهو ابن عم عبد العزيز، الذي اصطحب معه زوجته وشقيقته لعد المبلغ، واكتشف وجود نقص وصل إلى 35 ألف ليرة، ليراجعهم على الفور، ويعيدوا إليه المبلغ الناقص فورًا دون أي جدال، بحسب ما قاله سليمان.
ويرى سليمان الذي يعمل محاميًا، أن السبب الأساسي في هذه المشكلة هو تسليم المبلغ من فئات نقدية صغيرة، ما يتيح مجالًا أوسع للتلاعب والسرقة، مضيفًا أن أغلبية المتضررين من الناس البسطاء الذين قد لا ينتبهون للأمر، ويسلّمون بالأمر دون أن يراجعوا مكتب الحوالات، داعيًا الجميع للتأكد وعد النقود قبل الخروج من فرع مكتب التحويل.
لا آلية محددة
بدأت حوالات “الهلال الأحمر” بالوصول إلى متضرري الزلزال بعد أكثر من سبعة أشهر على وقوعه، فيما لا يزال كثير منهم بانتظار تسلمها، مع غياب كامل لأمل التعويض عن المنازل المهدّمة، أو مساعدة أصحاب المنازل التي تحتاج إلى ترميم.
ولا يزال أغلب المتضررين يقيمون في منازل بالإيجار، وربما يجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها في الشارع نتيجة استمرار ارتفاع إيجارات منازلهم، وتتراوح تبعًا للمنطقة بين 700 ألف و1.5 مليون ليرة.
وحين تسليم الحوالات للمتضررين أو أي مستفيدين آخرين، لا يتم عد الحوالة عبر آلة عد النقود الكهربائية أمام المستفيد، إنما يتم تسليمه رزمًا من المال يتم وضعها في كيس بلاستيكي مباشرة، بذريعة الضغط الكبير والزحام، وكي لا يأخذ الكثير من الوقت، رغم أن وقت الانتظار غالبًا ما يتجاوز الثلاث ساعات.
ولا توجد آلية واضحة لتحديد المستفيدين من المبالغ التي يقدمها “الهلال الأحمر”، إذ وصلت رسائل إلى أشخاص تضررت منازلهم جزئيًا وكليًا وأصحاب سيارات ومحال تجارية متضررة، ثم طلبت المنظمة “ورقة تضرر” يستخرجها الشخص من بلدية المنطقة.
ويُعرف “الهلال الأحمر” باعتباره الذراع الإغاثية للنظام السوري، ويرأسه خالد حبوباتي المقرب من النظام، وأحد المطالبين برفع العقوبات الغربية عنه.
ثمانية أشهر على الكارثة
في 6 من شباط الماضي، ضرب زلزال مدمر ولاية كهرمان مرعش جنوبي تركيا، وألقى بتأثيراته التي لا تزال واضحة حتى الآن على أربع محافظات سورية، موقعًا أكثر من 55 ألف قتيل في سوريا وتركيا.
وتجاوز عدد المتضررين في اللاذقية 142 ألف شخص، وسجلت في المحافظة 805 حالات وفاة، و1131 مصابًا، وعدد المباني المنهارة بشكل كامل وصل إلى 967، إضافة إلى 3833 بناء بحاجة إلى التدعيم والترميم.
وأعلنت حكومة النظام السوري، في تموز الماضي، عن تعويضات الزلزال، ونصت على منح كل من تهدم منزله ضمن المخططات التنظيمية مبلغ 160 مليون ليرة، على أن يتم صرفه على دفعتين لمن يباشر البناء خلال العام الحالي.
كذلك نص القرار على منح المتضررين الذين تحتاج منازلهم السكنية إلى تدعيم مبالغ تتراوح بين 25 مليونًا و75 مليون ليرة، بحسب تقارير نقابة المهندسين الفنية المعنية بتقدير حجم الضرر.
وتخوف متضررون كثر من “الفساد” في هذا الملف، استنادًا إلى التجربة السورية، وقياسًا بالواقع المعيشي اليوم مع انتشار الفساد والرشى، سواء بين الموظفين أو المديرين، لعدم كفاية الراتب، وعدم منح الحكومة العاملين في ملف الزلزال تعويضات كافية.
ولم يتضمن إعلان التعويضات ذكر المتضررين الذين خسروا سياراتهم ومحالهم التجارية، ولا يوجد أي بند لتعويضهم، ومعظم تلك الممتلكات تشكل مصدر دخلهم الرئيس.
اقرأ أيضًا: اللاذقية.. متضررو الزلزال يشتكون الإيجارات و”تخاذل” المسؤولين
–