عائلات المعتقلين والمفقودين.. تحديات قانونية ومعيشية وآثار نفسية اجتماعية
لا تقتصر تداعيات الاختفاء القسري على الضحايا فقط، بل تمتد إلى عائلاتهم، التي ترزح تحت وطأة الفقدان والعجز والانتظار الطويل، في ظل انعدام أية إجراءات قانونية يمكنهم اتباعها لمساعدة الضحية.
وتشكل أرقام المختفين قسريًا في سوريا واحدة من أكبر الأرقام المتداولة في منطقة الشرق الأوسط، ورغم أن الأجهزة الأمنية السورية دأبت على إخفاء عشرات آلاف السوريين بشكل قسري عقب الثورة في 2011، يعود تاريخ الاختفاء القسري في سوريا إلى عقود سابقة.
وتتزامن حالات الاختفاء مع تحديات عدة، تؤثر في الجوانب الحياتية كافة، على ذوي المعتقلين والمفقودين، بدءًا من الجانب النفسي المتمثل بعدم معرفة مصير أحبائهم، وكيفية التعامل مع معلومات غير مؤكّدة عنهم، وصولًا إلى التحديات الاقتصادية المعيشية الناجمة عن فقدان مصادر دخل العائلة أو بعضها.
تحت عنوان “عائلات المعتقلين والمفقودين.. تحديات قانونية ومعيشية وآثار نفسية اجتماعية” أصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة، الاثنين، 23 من تشرين الأول، دراسة للباحث طلال مصطفى بالتعاون مع مجموعة من الباحثين الميدانيين، تسلط الضوء على معاناة عائلات المعتقلين والمفقودين من أوضاع نفسية واجتماعية ومعيشية، وما يتعرضون له من ابتزاز للحصول على معلومات، أو خطر الاعتقال عند البحث عنهم.
وتهدف الدراسة إلى تحديد التحديات الأساسية التي تواجهها عائلات المعتقلين والمفقودين في سوريا وتوثيقها، مثل عدم التحقق من مصير أفرادها المعتقلين والمفقودين، وصعوبات الوصول إلى المعلومات، والتعرض للتهديد والعنف، وغيرها.
كما تهدف إلى تحليل التأثيرات الاجتماعية والنفسية التي تواجهها عائلات المعتقلين والمفقودين في حياتهم اليومية وحالتهم النفسية والعاطفية.
واعتمدت الدراسة منهج المسح الكمي والكيفي (المختلط)، من خلال نظام الاستبانة بوصفها أداة رئيسة لجمع البيانات، من خلال مقابلة 148 حالة من عائلات المعتقلين والمفقودين في مناطق سيطرة النظام السوري، من أجل التعرف إلى الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية المعيشية التي طرأت عليهم،
وإجراء 20 مقابلة معمقة مع العائلات السورية التي لديها أفراد معتقلون ومفقودون.
وتوصلت الدراسة الميدانية إلى مجموعة من النتائج، تتمثل في الصعوبات المالية والاقتصادية المعيشية الناتجة من غياب المعيل الرئيسي للعائلة، بسبب الاعتقال أو الاختفاء، أو فقدان مصدر دخلهم الوحيد، أو وجود صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية وتأمين المعيشة لهم.
وتواجه عائلات المعتقلين والمفقودين عقبات قانونية تمس جوانب أساسية من حياتهم اليومية، كالعجز عن الوصول إلى الممتلكات والوثائق المدنية والحسابات المصرفية وتقسيم الميراث والوصاية على الأطفال، بسبب غياب المختفي وعدم القدرة على إثبات وفاته في الدوائر الحكومية، ما يترك المعاملات والإجراءات القانونية المتعلقة بممتلكاته معلقة.
وتعرضت معظم عائلات المعتقلين والمفقودين للتهديد والعنف، من الجهات الأمنية الرسمية، بسبب البحث عن أفرادها المفقودين أو محاولة كشف حقائق الاعتقال.
فيما تعرض بعضهم للتعذيب أو الاعتقال التعسفي أو الاعتداءات الجسدية والابتزاز المالي، بعد محاولته الحصول على معلومات عن مصير حياة المعتقل.
بالإضافة إلى الضغوط النفسية والعاطفية التي تعيشها عائلات المعتقلين والمفقودين وما ينتج منها من مشكلات صحية واضطرابات نفسية لهم، مثل الشعور بالقلق والاكتئاب والتوتر، بسبب غموض مصير أحبائهم.
وأظهرت الدراسة انعكاسات اجتماعية تتعلق بانخفاض التواصل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية للعائلات، مع الأقارب والجيران والأصدقاء، وكذلك التعرض للتمييز والعزلة من المؤسسات المجتمعية الرسمية وغير الرسمية.
اقتراحات الدراسة
وتقترح الدراسة تصميم برامج خاصة بالدعم النفسي والاجتماعي، وتقديمها إلى أفراد عائلات المعتقلين والمفقودين، وبخاصة النساء والأطفال، من أجل التعامل مع التحديات النفسية والاجتماعية.
وتقترح تطوير حملات توعية تستهدف عائلات المعتقلين والمفقودين والمجتمع عمومًا.
ويمكن أن تقدم هذه الحملات المعلومات والوسائل التي يمكن من خلالها الوصول إلى معرفة مصير المعتقلين والمفقودين، والمصادر التي يمكن للعائلات اللجوء إليها للحصول على الدعم القانوني والإنساني.
وتدعو الدراسة عائلات المعتقلين كافة إلى توثيق حكاياتهم الحياتية اليومية، مع تجربة الاعتقال والفقد لأحد أفرادها،وإلى نقل تجاربهم التي يمكن أن تستخدم في زيادة الوعي العام وتوجيه الضوء إلى وضع المعتقلين والمفقودين في سوريا.
كما تدعو المنظمات الدولية المعنية بالاعتقال السياسي والإخفاء القسري إلى العمل بفاعلية، من أجل التوصل إلى حلول عملية لمعاناة العائلات المتأثرة.
وتقترح الدراسة تأسيس برامج دعم مالي موجهة للعائلات المتأثرة، يكون من ضمنها برامج الدعم في مجالات التعليم والتدريب لزيادة فرص العمل.
وضرورة تفعيل الضغط الدولي للتحقق من أوضاع الأفراد المفقودين والمعتقلين، والعمل على تحقيق العدالة والحقيقة.
وبحسب إحصائية “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” لا يزال نحو 13 ألف معتقل في سجون النظام السوري، منذ آذار 2011 حتى آب 2023 بينهم ثلاثة آلاف و 693 طفلًا.
وقرابة 112 ألف مختفٍ قسريًا، ونحو 85% منهم لدى قوات النظام السوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :