استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي، مطاري دمشق وحلب مرتين متتاليتين خلال أسبوع واحد، وأخرجهما عن الخدمة مؤقتًا، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري.
وليست المرة الأولى التي تستهدف إسرائيل المطارين السنوات الماضية وحتى تشرين الأول الحالي.
ويبدو الأمر مختلفًا هذه المرة، إذ تزامن القصف مع العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، والقصف المتبادل بينها وبين “حزب الله” في الجبهة الشمالية، بالإضافة إلى الموقف المعلن لإيران من المعارك الحالية في فلسطين المحتلة، والمخاوف الغربية من توسع الصراع ليشمل الجبهتين السورية واللبنانية أيضًا، باعتبارهما منطلقًا للقوات التابعة لإيران.
ويبدو أن إسرائيل وعبر القصف المتتالي لمطاري دمشق وحلب، تسعى لتحقيق غرضين، يتعلق الأول بمنع إمداد إيران لـ”حزب الله” بأي أسلحة، وبالتالي محاولة تعطيل الجبهة الشمالية، مع إعلان الحزب دخوله في الحرب رسميًا، وإن كانت ما زالت اشتباكاته مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفق قواعد الاشتباك.
أما الغرض الثاني، فيتعلق وفق محللين التقتهم عنب بلدي، بإيصال رسالة واضحة إلى إيران وحلفائها، عن “قدرة إسرائيل للوصول إلى أي مكان تريده”.
رسائل لاستهداف المطارين
استهدفت إسرائيل مطاري دمشق وحلب منذ مطلع 2023 وحتى تشرين الأول الحالي، 10 مرات، بما في ذلك الاستهدافان الأخيران.
وأدت الضربات إلى خسائر مادية وخروج المطارين عن الخدمة، بالإضافة لمقتل ثلاثة عسكريين وإصابة خمسة، ومدنيين اثنين.
أعلنت إسرائيل بالفعل عن الضربات الجوية التي وجهتها إلى مواقع عسكرية سورية، أو إيرانية داخل سوريا، ويعود السبب الرئيس لهذه الضربات إلى “وقف وصول الأسلحة إلى حزب الله والميليشيات الإيرانية”، وفق التصريحات الرسمية.
في 8 من تشرين الأول الحالي، أعلنت إسرائيل عن عملية “السيوف الحديدية”، وبدأت بقصف قطاع غزة في فلسطين المحتلة بشكل عنيف أوقع آلاف القتلى والجرحى، ردًا على عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها حركة “حماس” في 7 من الشهر نفسه.
سرعان ما باركت إيران عملية “حماس”، ثم دخل “حزب الله” على خط الاشتباكات، مع احتمالية اتساع مشاركته ليشمل قصف مناطق في العمق الإسرائيلي، ما يعني احتياجه لمزيد من الأسلحة والذخائر.
وفق المحلل العسكري، العقيد أحمد حمادة، فإن قصف إسرائيل في هذا الوقت تحديدًا مع تزامن عملياتها العسكرية ضد غزة، يأتي لأنها تريد إيصال رسالة إلى إيران مفادها أنها تراقب الأجواء وتستطيع تعطيل الطيران بالكامل، وقدرتها على الوصول إلى أي مكان.
من جهته، رأى المحلل العسكري، النقيب محمود حوراني، أن المطارين يمثلان الشريان الجوي الرئيسي للتحركات العسكرية الإيرانية وتعزيز نفوذها في سوريا، وأنه غير مسموح لإيران باستخدام أو تجهيز مطارات أخرى، بحكم وجود روسيا وإحكام سيطرتها على الأوضاع العسكرية.
تعطيل جبهة الشمال
عبر سنوات استهدفت إسرائيل شحنات أسلحة إيرانية إلى سوريا بشكل دوري، واليوم ومع المخاوف من توسع استهدافات “حزب الله” لأهداف في العمق الإسرائيلي، فإن الضربة الإسرائيلية للمطارين، يبدو أنها تهدف إلى تعطيل وصول أي إمدادات عسكرية إلى الحزب عبر المطارات السورية.
ونقلت إيران أسلحة وذخائر إلى الأراضي السورية، كما استغلت المعونات الإنسانية بعد زلزال 6 من شباط الماضي، لدعم أنظمتها للدفاعات الجوية، كما نقلت معدات اتصالات متقدمة وبطاريات رادارات، وفق ما ذكر تحقيق لوكالة “رويترز” في نيسان الماضي، وذلك عبر مطار حلب تحديدًا.
حتى لحظة تحرير هذا التقرير، اقتصر دور “حزب الله” في العمليات العسكرية الحالية ضد إسرائيل، على قصف أهداف عسكرية ضمن قواعد الاشتباك المعتمدة، وخسر 33 مقاتلًا، مع سقوط مصابين من الجنود الإسرائيليين، وتدمير أبراج مراقبة وآليات عسكرية وكاميرات مراقبة متطورة.
الهدف الإسرائيلي المتمثل بتعطيل الجبهة الشمالية لإسرائيل عبر استهداف المطارين، قبل بدء الاجتياح البري المتوقع لقطاع غزة، يراه المحلل العسكري، أحمد حمادة، محاولة لمنع وصول أي معدات أو أسلحة حديثة على عجل إلى “حزب الله” وأطراف أخرى، خوفًا من توسيع نطاق المعارك.
ويمثل المطاران حالة سريعة للنقل الجوي للمعدات الحديثة والأمور الحساسة، والتي يتم نقلها عبر الجو، وفق حمادة.
من جهته، يرى المحلل العسكري، النقيب محمود حوراني، أن إيران تقدم الدعم العسكري للنظام السوري منذ عشر سنوات، وهذا ما يعني أنها أنشأت بالفعل مستودعات أسلحة وذخائر، لذا فالإخراج المؤقت للمطارين لن يؤثر على العمليات القتالية في حال توسعت على الجبهة الشمالية لإسرائيل، إلا في حال طالت مدة المعركة، وما يمكن أن يصاحبها من إخراج متكرر للمطارين عن الخدمة، بحسب رأيه.
ويحتاج كل من الحزب وإيران للمطارين، خاصةً وأن الدول تلجأ عادة لوضع كافة المنشآت والبنى التحتية الهامة في خدمة الأعمال القتالية وتأمينها، كما أن هناك إمكانية لاستخدام المطارات المدنية كمطارات عسكرية عند الضرورة، أو كمستودعات للإمداد اللوجستي، وفق حوارني.
بدائل المطارات
بالإضافة إلى الطرق الجوية، لعبت الطرق البرية عبر الحدود مع العراق، دورًا هامًا في نقل الأسلحة والمقاتلين من إيران إلى سوريا، وبالتالي يبدو أن هذه الطرق البديل الأنسب لنقل المعدات العسكرية.
وفي هذا الصدد، أشار المحلل العسكري، العقيد أحمد حمادة إلى وجود طرق التهريب البرية التي استخدمتها إيران، وكذلك عبر البحر، لتأمين ما تحتاجه قواتها لبناء قواعد عسكرية قوية في سوريا على غرار لبنان.
الأمر نفسه أشار إليه المحلل العسكري، النقيب محمود حوراني، الذي يرى في حديثه لعنب بلدي، أن بدائل إيران لنقل الذخائر والإمداد إلى “حزب الله”، في حال توسع اشتباكات الجبهة الشمالية، يعتمد على الطرق البرية لتهريب السلاح، إذ قامت باستغلال الأزمات لزيادة حجم التهريب، أو السعي لإنشاء مزيد من المستودعات الخاصة بمنشآتها، واستثمار البنى التحتية التابعة للوحدات العسكرية للنظام السوري، لتأمين استمرار الأعمال اللوجستية.
وخلال سنوات الوجود الإيراني في سوريا، عملت طهران على إنشاء شبكة من الدفاع الجوي تمتد من العراق إلى سوريا ولبنان، لتطويق إسرائيل ودول عربية أخرى.
كما نقلت وفق تقرير نشرته صحيفة “Washington Post”، في أيار الماضي، ذخائر وطائرات من دون طيار، وسُلمت عبر قوافل سيارات من العراق، بتنسيق مع مجموعات مسلحة حليفة لإيران، بالإضافة إلى “فيلق القدس”.
وفي الشهر نفسه، أعلن وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني استعداد بلاده لبناء مصانع عسكرية في سوريا.
وقال آشتاني في تصريحات نقلتها وكالة “مهر” الإيرانية، إن طهران مستعدة للتعاون مع النظام السوري لإطلاق خطوط إنتاج المعدات الدفاعية الاستراتيجية.
واعتبر أن الأسلحة الإيرانية “تمكنت من لعب دور فعال في الميدان”.