لم تصدق نهلة (37 عامًا)، موظفة حكومية، أن ابنها في الصف الثالث جاءها يبكي طالبًا أن تشتري له أقلامًا للكتابة على اللوح المدرسي، بعدما طلبت المعلمة من الطلاب أن يشتروها لأن المدرسة لا تستطيع تحمل تكاليف شرائها.
قالت نهلة لعنب بلدي، إنها شرحت لطفلها الذي يدرس بمدرسة في ريف اللاذقية، أن من الصعب عليها شراء تلك الأقلام، وأن من واجب المدرسة تأمينها، إلا أنه مجرد طفل لم يدرك ماهية الكلام الموجه إليه، فهو يريد فقط أن يفعل مثل زميلته التي لبت طلب المعلمة على الفور.
تواصلت نهلة مع المعلمة لتخبرها الأخيرة بأنها مجرد “عبد مأمور”، فالمدير طلب من المعلمات إخبار التلاميذ بإحضار الأقلام بشكل طوعي، لعدم الحصول على مخصصات المدرسة من تلك الأقلام من مديرية التربية نتيجة تراجع المخصصات المالية.
تدرك نهلة أنها وطفلها غير ملزمين بشراء تلك الاحتياجات، إلا أن “كسر خاطر” طفلها الصغير هو ما يزعجها، مضيفة، “المشكلة أنهم يعززون الطبقية بتلك الطريقة، سيحرج كل الأطفال الذين لا يستطيعون شراء تلك الأقلام أمام زملائهم الذين أحضروها، ويشعرون بالنقص تجاههم”.
ويتراوح ثمن القلم الخاص بالكتابة على اللوح المدرسي بين 3000 و7000 ليرة سورية، بحسب نوعيته، ومن المفترض أن تؤمّنه المدارس من حساب التربية، كون “التعليم مجانيًا” كما تقول الحكومة.
طباعة ورق المذاكرات أيضًا
رغم أن أحمد (39 عامًا) يعمل بالبناء وأعمال الزراعة الموسمية، ويحصل على النقود بشق الأنفس، على حد تعبيره، اضطر لدفع عشرة آلاف ليرة لطفله في الصف الخامس الابتدائي بإحدى مدارس ريف جبلة ثمنًا لأوراق المذاكرات.
وقال أحمد إنه لم يكن في جيبه حينها سوى 30 ألف ليرة، ولا يدري متى يستطيع العثور على عمل، ففي بداية الشتاء تتراجع أعمال البناء، وموسم الزيتون هذا العام قليل لا يحتاج إلى عمال وقد كان يعوّل عليه كثيرًا، كما أن موسم الحمضيات لن يبدأ بشكل فعلي حتى أواخر تشرين الأول.
يستغرب أحمد كيف للمدرسة أن تطلب ثمن أوراق المذاكرات، ولماذا لا تكتب الأسئلة على اللوح مباشرة ليحلّها الطالب على ورقة دفتر عادية، لمراعاة الظروف العامة حاليًا.
أسوأ ما واجهه أحمد كان تلميح مدير المدرسة التي يدرس فيها ابنه لأن يحضر لإصلاح صنابير المياه و”تعزيل” الباحة الخلفية بـ”بلاش” (مجانًا)، قائلًا، “تجاهلت الطلب تمامًا فأنا أعمل لآكل مع أطفالي، ولا يمكن أن أعمل ببلاش”.
ميزانية القرطاسية 35 ألف ليرة
قال معلم للمرحلة الابتدائية في مدرسة بريف جبلة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن ميزانية القرطاسية للمدرسة كلها التي تضم نحو 325 طالبًا، من الصف الأول حتى الرابع الابتدائي، لا تتجاوز 35 ألف ليرة سورية (دولاران ونصف تقريبًا)، مستغربًا من المبلغ بأنه قليل ولا يكفي.
وأضاف أنهم كمعلمين لا يستطيعون تحمل تكاليف شراء الأقلام وتصوير أوراق المذاكرات، لذا كان من الطبيعي، على حد تعبيره، أن يوزعوها على الطلاب، إذ إن الطالب حين يدفع ثمن أوراق امتحانه يكون أخف على المعلم من أن يدفع ثمن أوراق الامتحانات لأكثر من 30 طالبًا.
وذكر أن المعلمين أيضًا يعانون أزمة معيشية، وهم موظفون برواتب لا تكفي إطعام عائلاتهم سوى أيام قليلة، إذ صار الحد الأدنى للرواتب الحكومية 186 ألف ليرة تقريبًا (ما يعادل 13 دولارًا أمريكيًا)، بعد زيادتها 100% منتصف آب الماضي.
إنارة للمدرسة
العام الماضي، تلّقت ابتسام (34 عامًا) طلبًا غريبًا عبر مجموعة “واتساب” التي تضم معلمات المدرسة حيث تدرس ابنتها، إذ قالت معلمة في المجموعة إن الدوام المسائي في المدرسة التي تقع بمدينة اللاذقية لا يمكن أن يستمر دون وجود إنارة (ليدات وبطارية).
وقالت إن الكهرباء لا تأتي، وبعد الساعة الـ3 ظهرًا تكون القاعة غير صالحة للتعليم خصوصًا حين تغيب الشمس بسبب الأمطار الكثيفة.
واقترحت المعلمة حينها على الأهالي أن يتشاركوا جميعًا لشراء بطاريات و”ليدات” لإنارة الصفوف، لتدفع كل عائلة بين 20 و25 ألف ليرة، إلا أن طلبها قوبل بالرفض لعدم وجود الإمكانات المادية الكافية لدى معظم الأهالي.
وبدلًا عن الفكرة، جرى الاتفاق على أن يحضر الطلاب معهم شواحن للإنارة من منازلهم خلال الدوام المسائي، ثم يعيدونها معهم إلى المنزل.
ويواجه قطاع التعليم في سوريا عمومًا مشكلات كارثية، من نقص الكوادر التدريسية، إلى أعطال المقاعد التي تحتاج إلى صيانة دون أن تحصل عليها، إضافة إلى الضغوط النفسية التي يعيشها المعلمون والمعلمات، جراء الأوضاع المعيشية وتدني الدخل، ما يجعلهم يعزفون عن تدريس الطلاب بجدية ويلجؤون إلى الدروس الخصوصية.
وبدأ العام الدراسي مطلع أيلول الماضي وسط ظروف اقتصادية صعبة يعيشها السوريون، وبلغت تكلفة تجهيز طالب ابتدائي للمدرسة أكثر من 300 ألف ليرة في أسواق شعبية باللاذقية، من البضائع القليلة الجودة نسبيًا مقارنة ببقية أسواق المدينة، التي تزيد تكلفة التجهيز فيها على نصف مليون ليرة، وفق تقرير سابق أعدّته عنب بلدي.
ووزعت المدارس كتبًا تالفة وممزقة ومحلولة الأسئلة على الطلاب، ووضعت الأهالي أمام خيارين إما شراء كتب جديدة وإما تجليد الكتب القديمة وتزيينها بلواصق ألعاب محببة، وإزالة كل الحلول المكتوبة على الكتب المدوّرة.
–