ما الأسباب؟
مسار إسباني يخالف الاتحاد الأوروبي حيال التصعيد في فلسطين
لم تكن إسبانيا ضمن الدول الموقعة على بيان مشترك لقادة أمريكا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، يؤكدون فيه دعمهم لإسرائيل و”حقها في الدفاع عن نفسها”، على الرغم من أنها واحدة من أبرز دول الاتحاد الأوروبي.
وحافظت الحكومة الإسبانية على توجه سياسي قريب من الاتحاد الأوروبي بشأن التصعيد الأحدث بين إسرائيل و”حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، إذ أدانت هجمات “حماس” “الإرهابية” كما وصفتها، لكنها في ذات الوقت أكدت ضرورة حماية المدنيين في غزة وتأمين المساعدات الإنسانية للسكان بشكل مستدام وكافٍ.
وعلى عكس معظم قادة البيان المشترك الذين زاروا إسرائيل أو عبروا عن تضامنهم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حضوريًا أو هاتفيًا بشكل مبكر عندما بدأت الأحداث في 7 من تشرين الأول، تحدث القائم بأعمال رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، أمس الأحد لأول مرة مع نتنياهو، قائلًا “يجب منع الصراع من الانتشار إلى بقية المنطقة”، مكررًا إدانته لهجمات “حماس الإرهابية”.
كما أعرب عن “قلقه العميق بشأن حماية جميع المدنيين والحاجة إلى وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة بطريقة كافية ومستدامة”، مشيرًا إلى ضرورة التوصل لحل نهائي نحو السلام، على أساس حل الدولتين.
وتتعاطى الحكومة الإسبانية مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بشكل متوازن في ظل هذه الأحداث، إذ التقى سانشيز، اليوم الاثنين 23 من تشرين الأول، بممثلي الطائفتين اليهودية والمسلمة وطلب منهم حشد كل الجهود لوقف دوامة العنف والعودة إلى الحل الدبلوماسي والسياسي.
وانعكس هذا الخطاب الهادئ للحكومة على الشارع، إذ شهدت إسبانيا، على خلاف دول الاتحاد الأوروبي، مظاهرات واسعة تضامنًا مع الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، ويتعرضون لضربات الجيش الإسرائيلي.
حساسية محلية
شهدت إسبانيا، في 28 من أيار الماضي، انتخابات برلمانية وبلدية أسفرت عن هزيمة الحزب الحاكم “حزب الاشتراكي العمالي” (يساري)، وفوز “الحزب الشعبي” (يميني محافظ)، بينما احتل حزب “فوكس” الإسباني (يميني متطرف) المرتبة الثالثة في الانتخابات.
بعد هذه النتيجة أعلن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، بالتشاور مع ملك إسبانيا حل البرلمان الإسباني والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في تموز الماضي.
ولم تسفر الانتخابات التشريعية عن فوز كامل لأي من الأطراف، فالكتل اليمينية مجتمعة حصلت على 169 مقعدًا، مقابل 153 للكتل اليسارية، وكلاهما بعيد عن الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة.
ومع عدم حصول منافسه المحافظ زعيم “الحزب الشعبي”، ألبرتو نونييس فيخو، على الأغلبية البرلمانية أو تشكيل تحالفات حزبية تضمن له الأغلبية، كلّف ملك إسبانيا، فيليبي السادس، مطلع الشهر الحالي، رئيس الوزراء اليساري المنتهية ولايته، بيدرو سانشيز، بتشكيل الحكومة، التي تتطلب الحصول على ثقة البرلمان.
ولدى سانشيز، الذي يترأس الحكومة منذ عام 2018، مهلة حتى 27 من تشرين الثاني المقبل للحصول على ثقة البرلمان.
ومنذ عام 2019، حكم سانشيز رئاسة الوزراء بعد تحالف اليسار بين “الحزب الاشتراكي العمالي” وحزب “بوديموس” (اليساري)، الذي لم يضمن له الأغلبية هذه الانتخابات، فيما يسعى لضم أحزاب أخرى لهذا التحالف وضمان الأغلبية البرلمانية.
مطلب بإحالة نتنياهو إلى “الجنايات الدولية”
طالبت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية في حكومة تصريف الأعمال برئاسة سانشيز، إيوني بيلارا، بتقديم نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب “جرائم حرب”.
واتهمت بلارا في رسالة مصورة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بـ”التواطؤ في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل” في قطاع غزة، حسبما نقلت صحيفة “إلموندو” الإسبانية.
وقالت بيلارا إن “دولة إسرائيل تنفذ إبادة جماعية ممنهجة في قطاع غزة”، منذ 7 من تشرين الأول، ما يمثل عقابًا جماعيًا، وانتهاكًا للقانون الدولي، كما أشارت إلى أن “هجمات حماس ضد المدنيين الإسرائيليين” لا يمكن أن تكون ذريعة “للجرائم” التي ترتكبها إسرائيل.
وتنتمي بيلارا لحزب “بوديموس” الحليف لحزب سانشيز، الذي لم يدن هذه التصريحات الصادرة عن أعضاء حكومته، بالرغم من أنها الأولى من نوعها ضد إسرائيل على مستوى حكومات الدول الأوروبية الكبرى.
وبعدما أثارت تصريحات بيلارا ردود فعل غاضبة من إسرائيل، أصدرت السفارة الإسرائيلية في مدريد، لتسوية النزاع الدبلوماسي مع إسبانيا، بيانًا انتقدت فيه “التصريحات المشينة” لحزب “بوديموس” متهمة أنها تشجع “معاداة السامية”.
حرية التظاهر
يواجه المتضامنون مع فلسطين في عدد من الدول الأوروبية قيودًا وحظرًا وتدخلًا من قبل قوى الأمن والسلطات لمنع التظاهرات والمسيرات، وصل إلى حد حصول اعتقالات وإيقافات.
وبينما لا توجد أي قيود أو حظر على المظاهرات المؤيدة لإسرائيل، نظمت المظاهرات المؤيدة لفلسطين في ظل حراسة مشددة من الشرطة وتدخل عنيف من قبلها.
في لندن، تجمّع عشرات الآلاف في 14 من تشرين الأول، أمام مقر هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” لإظهار التضامن مع فلسطين، والاحتجاج على موقف الحكومة البريطانية الصامت تجاه حقوق الفلسطينيين.
ورغم إعلان وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، في 11 من تشرين الأول، أن التلويح بالعلم الفلسطيني قد لا يكون قانونيًا في بعض الحالات في البلاد، فقد شوهد العديد من المتظاهرين وهم يحملون الأعلام الفلسطينية، لكن شرطة لندن اعتقلت 15 شخصًا في مسيرة التضامن مع فلسطين، بعد توتر بين الشرطة والمتظاهرين.
في الأيام الأولى من التصعيد الإسرائيلي- الفلسطيني، سمح بالمظاهرات المؤيدة لإسرائيل في مدينتي باريس وستراسبورغ الفرنسيتين، في حين تم حظر مظاهرات التضامن مع فلسطين بشكل متكرر من قبل السلطات المحلية في باريس وستراسبورغ وليون ومرسيليا بزعم أنها تشكل “خطر الإخلال بالنظام العام”.
واعتقل 13 شخصًا في ستراسبورغ، وأربعة أشخاص في مرسيليا، وشخص واحد في ليون، حيث نظمت مظاهرات تضامنية مع فلسطين رغم الحظر المفروض.
في ألمانيا لم يكن المشهد مختلفًا، إذ مع بدء التصعيد الإسرائيلي- الفلسطيني، منعت شرطة برلين مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين منذ 11 من تشرين الأول الحالي.
بالمقابل لم تمنع الحكومة الإسبانية أي تظاهرات داعمة للفلسطينيين، وقد شهدت برشلونة إحدى أكبر المظاهرات المؤيدة لفلسطين في أوروبا.
كما شهدت مباراة نادي أوساسونا الإسباني مع نادي غرناطة في الجولة العاشرة من الدوري الإسباني رفع عشاق الفريق علم فلسطين تضامنًا مع قطاع غزة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :