خطيب بدلة
كان أحد اللصوص قد أصبح مديرًا لإحدى الشركات الإنتاجية الغذائية في إدلب، وقام بسرقة كمية كبيرة من زيت الزيتون، وحينما جاءه فريق من المفتشين، وقف يدافع عن نفسه أمامهم، قائلًا: أنا فلاح ابن فلاح، وأعرف أن الزيت لا يقبل جسمًا غريبًا، فكيف أغش الزيت أو أسرقه؟
لم يستطع ذلك المدير اللص، أن يقنع المفتشين بمغالطاته المنطقية، لأنهم أحصوا صفائح الزيت الداخلة إلى المستودع، والخارجة منه، وحددوا الكمية المسروقة، وأوصلتهم التحريات إلى أنه هو السارق، ولكن، وبينما هم منخرطون في عملهم، جاءهم “الرَصّ” من دمشق، قلب العروبة النابض، ومن الحزب القائد، ومن أحد الفروع الساهرة على أمن الوطن، والكل طلبوا منهم “لفلفة” الموضوع، لأن المدير المذكور مناضل ابن مناضل، ووقتها وقعوا في حيص بيص، وجلسوا يفكرون في أفضل الطرق التي تؤدي إلى الخروج من هذا المأزق، وفجأة، صاح أحدهم: وجدتُها، نكتب في التقرير أن الزيت لا يقبل الاختلاط بجسم آخر، وهذا يعني أن السرقة لم تحصل!
ولكن كلام ذلك اللص، وتقرير أولئك المفتشين، كاذبان، بدليل ما قاله الشاعر بشار بن بُرد، في وصف أفعال جاريته: ربابةُ ربةُ البيتْ، تصب الخل في الزيتْ، ما يعني أن الزيت يقبل الاختلاط بسوائل أخرى، وهذا يوصلنا إلى مثال أكثر وضوحًا، وهو أن عقول جماعات الإسلام السياسي، تشبه خلاطات “المولينكس”، فأنت، في الأحوال العادية، تحاول إقناع الواحد منهم بأن إيران دولة طيبة القلب، حبابة، خيرة، فيرفض، ويستنفر، وينفتح عليك مثل عش الدبابير، موضحًا أن إيران شيعية، تكرهنا نحن أهل السنة، وتسمينا “نواصب”، ومنذ أن صعدت جماعة الخميني إلى الحكم، وهم ينفثون حقدهم علينا، وكراهيتهم لنا، عبر الفضائيات، وحينما دقت ساعة الحقيقة، وقمنا لنأخذ السلطة من النصيريين، سارعت إلى إعلان موقفها معه، ضدنا، عينك عينك، وفي وضح النهار، ولم يكن ذلك مجرد موقف سياسي، بل أرفقته بإرسال قواتها، وميليشياتها، وحزب حسن زميرة، وراحوا يقتلوننا، ولا يزالون، عدا ما فعلوه في العراق، واليمن، وجنوبي لبنان.
هذا الكلام، بالمناسبة، صحيح، على الرغم من النفس الطائفي المتعصب الموجود فيه، ولكن، حينما قامت منظمة “حماس” بعمليتها الهجومية على إسرائيل، واتضح أن إيران تدعم “حماس”، دار الخلاط في عقله، ولم يكتفِ بصب الخل بالزيت، بل وأضاف إليه ما فتح الله ورزق من “الوَلْوِلين”، والسِيَان، وبقايا المقالع، وصار يتحدث عن إيران بوصفها دولة مجاهدة، تناصب الكيان العنصري الصهيوني اليهودي العداء، وتضع في مقدمة أولوياتها إزالته من الوجود، وإقامة دولة إسلامية، لتتحقق، بلا شك، نبوءة الأستاذ عبد الباري عطوان، الذي سئل، ذات مرة، عن احتمال تحرير القدس في يوم من الأيام، فقال إنه واثق من هذا الأمر، ولن يكون في زمان بعيد، بدليل أنه، عندما سيتلقى نبأ تحرير القدس، سيمتطي أول وسيلة نقل متاحة، طيارة، أو باخرة، أو حافلة، أو بعير، أو جحش، ويذهب إلى القدس، ويصلي في المسجد الأقصى، وليس له سوى شرط وحيد، وهو أن يكون الإمام الذي سيقتدي به: حسن زميرة!