رغم مخالفته القانون
سوريون يردون على رسوم الاتصالات بكسر “الأيمي”
اللاذقية – ليندا علي
توقف هاتف أكرم (36 عامًا) موظف حكومي، قبل نحو 20 يومًا، ليخبره صاحب محل صيانة “الموبايلات” بأن الهاتف لفظ أنفاسه الأخيرة ولا سبيل لإصلاحه أبدًا.
لم يستغرب الشاب الذي يعيش في ريف جبلة، فهو كان يستخدم هاتفه هذا منذ عام 2018، وبالتالي من الطبيعي أن يتوقف عن العمل بعد كل هذا الاستخدام.
بحث الشاب في خيارات الهواتف الموجودة، ليجد أن أقل “موبايل” سعره 2.5 مليون ليرة سورية (نحو 178 دولارًا أمريكيًا)، وبميزات غير مناسبة لعمله “أونلاين”.
صاحب محل الصيانة، وهو جار أكرم في القرية، نصحه بشراء جهاز غير مجمرك ومن ثم يكسر له معرفه الأساسي (IMEI) مقابل مبلغ متواضع، ليوافق على الفور ويشتري هاتفًا من نوع “تيكنو” بسعر 1.3 مليون ليرة، ثم دفع 100 ألف ليرة أجور كسر “الأيمي”.
يدرك الشاب أن ما فعله مخالف للقوانين، إلا أنه لا يمتلك أي خيار آخر، فحتى ثمن “الموبايل” استدانه من والده، الذي بدوره استدان المبلغ من أحد أقاربه واعدًا برده حين بيع محصول التبغ بعد نحو شهر.
ويقوم بعض أصحاب محال صيانة “الموبايلات” في اللاذقية وعموم المحافظات الأخرى بكسر “أيمي” الجهاز، ووضع “أيمي” جهاز آخر عليه ليصبح استخدامه ممكنًا لدى المعرفات السورية، في عملية يعاقب عليها القانون.
وانتشرت تلك العملية على نطاق واسع منذ فرض ضريبة جمركة على “الموبايلات” عام 2020، التي تعتبر مرتفعة جدًا، إذ إنها غالبًا ما تكون بين 40 و75% من ثمن الهاتف.
سري للغاية
في محله لصيانة أجهزة “الموبايل” وبيعها بريف اللاذقية، يعمل “أسعد” (27 عامًا) بهذه المهنة منذ نحو عامين، وقال إنها ساعدته في الحصول على دخل جيد، نتيجة ازدياد الطلب على كسر “الأيمي” جراء الرفع المستمر لأجور الجمركة.
يشرح “أسعد” (اسم مستعار) العملية قائلًا، إنه يستبدل “أيمي” الجهاز الجديد بـ”أيمي” جهاز آخر مجمرك بشكل قانوني، فيصبح الجهاز الجديد قابلًا للعمل في سوريا دون الحاجة إلى جمركته.
“IMEI” اختصار لـ”International Mobile Equipment Identifier” (الهوية الدولية للأجهزة المتنقلة)، وهو رمز مكون من 15 رقمًا، ويكون لدى كل جوال ذكي في العالم رقم خاص به، لا يمكن أن يتكرر في جوال آخر.
ويعد هذا الرقم بمنزلة “شهادة ميلاد” لكل جوال، ويمكن استخدامه لتعقب الجهاز، وتحديد مكانه واستعادته في حالة فقدانه أو سرقته. |
وذكر الشاب أن مدخوله الشهري من وراء كسر “الأيمي” يصل في بعض الأحيان إلى نحو 7 ملايين ليرة، وتتراوح أجور الكسر بين 100 ألف و800 ألف ليرة بحسب نوعية الجهاز وحداثته، مشيرًا إلى أن بعض الأجهزة الحديثة لا يمكن كسر “الأيمي” الخاص بها فورًا، وربما تحتاج إلى نحو خمسة أشهر بعد توفرها في الأسواق لتنجح العملية.
الحذر واجب
لا يعلن “أسعد” عن عمله بشكل واضح، ولا يقبل كسر “أيمي” هاتف أي عابر سبيل، إنما هناك طرق معينة لقبول الطلب.
قال الشاب إنه يجب أن يكون الشخص محل ثقة، أو أن يكون قادمًا عبر طرف شخص ما ثقة أيضًا، لأنه في حال اكتشاف الأمر يتعرض صاحب المحل للملاحقة القانونية والسجن.
وفي جوابه عن سؤال حول كيفية وصول الزبائن إليه قال، إنهم يأتون بطرق موثوقة، عن طريق الأهل والمعارف والأقرباء، مشيرًا إلى أنه يتعامل مع عدة أشخاص موثوقين لإحضار الزبائن، مقابل منحهم مبلغًا معينًا من المال.
الاتصالات تحذر
في تموز الماضي، أعلنت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد”، التابعة لوزارة الاتصالات بحكومة النظام السوري، عن إرسال رسائل نصية لأصحاب الهواتف الذكية المحمولة، التي عُدّل معرّفها (IMEI)، ومنحهم مدة شهر لإعادة المعرّف الأصلي، تجنبًا لإيقاف الجهاز على الشبكة الخلوية السورية، ومحاسبة مالكه قانونيًا.
وجاء في إعلان “الهيئة”، أن كسر “الأيمي” يعد جريمة يعاقب عليها القانون، ويحرم صاحب الهاتف المحمول من حقه بالمطالبة باستعادته في حال سرقته، وأن استخدام الهاتف بـ”أيمي مسروق” يعرّض صاحبه لأن يكون مشتبهًا بأي جريمة يرتكبها صاحب الهاتف ذي المعرّف الأصلي الخاص بجهازه.
بعد الإعلان، بدأت الرسائل تصل إلى كل الأجهزة التي تم كسر “الأيمي” الخاص بها، ما تسبب بأزمة حقيقية لأصحابها لتأمين النقود اللازمة لجمركة هواتفهم.
صفاء (21 عامًا) طالبة بقسم الهندسة المدنية في جامعة “تشرين”، كانت مهددة بخسارة هاتفها الذي تستخدمه في تأمين مصاريف دراستها الجامعية، عبر العمل بالتصميم مع إحدى الشركات الداخلية مقابل أجر زهيد لا يكفي أجور الجمركة.
الشابة التي تدرس في السنة الثالثة، قالت إن أجور جمركة “الموبايل” الخاص بها 2.1 مليون ليرة، بينما يبلغ ثمن جوالها نحو 2.5 مليون ليرة، لذلك لم تكن تملك أي بديل سوى الاستغناء عن هاتفها والعمل معًا.
علمت صفاء من زميلتها حيلة تعتمد على أن تحصل على “موبايل” قديم لا تستخدمه أبدًا، ومن ثم تكسر “الأيمي” من خلاله، وتقوم لاحقًا بإطفاء الجهاز القديم دون أن تشغله أبدًا، وبالفعل نجحت الحيلة.
قال “أسعد”، إن تجاوز تلك المسألة لم يكن صعبًا أبدًا، ومع وصول رسائل المطالبة بالتصريح عن الهواتف وجمركتها، بدأ الزبائن ينهالون عليه لتطبيق العملية ذاتها التي طبقتها صفاء.
وذكر أن بعضهم اشترى “موبايلات” منخفضة الثمن لاستخدامها عوضًا عن دفع الملايين لقاء الجمركة، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه بحال سُرق “الموبايل” لن يتم العثور عليه أبدًا.
فيما يخص مسألة ضياع الهاتف والخوف من عدم إيجاده، قالت صفاء ساخرة، “ليش إيمت ضاع جهاز والشرطة لقيتو أساسًا، إذا إنتوا سمعتوا أنا بنوب ما سمعت عن حدا ضيّع موبايل والشرطة ردتلو إياه”.
وعقب الزلزال المدمر في شباط الماضي، طالب مواطنون الاتصالات بإلغاء جمركة “الموبايلات” على الأقل لمدة شهر واحد، لمساعدة المتضررين من الزلزال بشراء “موبايلات” جديدة عوضًا عن تلك التي خسروها مع منازلهم.
وتداولت وسائل إعلام محلية أخبارًا تفيد بأن الاتصالات ستلغي الجمركة، إلا أن وزارة الاتصالات نفت الأمر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :