يتكرر إغلاق المعابر النهرية الواصلة بين مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بمناطق سيطرة النظام في دير الزور، متسببًا بإرباك وضرر يعود على الأهالي، حسب وصف عدد من ابناء المنطقة ممن التقتهم عنب بلدي، وينسحب الضرر على الحركة التجارية، ما يتسبب بارتفاع أسعار السلع.
وتختلف أهمية ونوعية هذه المعابر، فبعضها متخصص بنقل المدنيين بين ضفتي النهر، عبر زوارق صغيرة، يحمل كل واحد منها بضعة أشخاص، إذ يعبر من خلالها طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية لمناطق سيطرة النظام لتقديم الامتحانات، والمرضى، ومن له أقارب في إحدى المنطقتين.
وتشكل المعابر النهرية أهمية في دير الزور، إذ تحرك النشاط التجاري في الجانبين، بالإضافة إلى تهريب مادة المازوت لمناطق سيطرة النظام.
وبعض المعابر مخصصة لعبّارات كبيرة تحمل على متنها سيارات، وتستخدم في نقل البضائع والمحروقات بين الضفتين.
آخرها “البريد”
في 10 من تشرين الأول، أُغلق معبر “البريد” بعد استئناف نشاطه لمدة سبعة أيام.
ويصل معبر البريد مدينة الميادين الواقعة تحت سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية مع حوايج ذيبان الواقعة تحت سيطرة “قسد”.
ونقلت شبكة “عين الفرات” المحلية عن مصادر خاصة، أن إيقاف المعبر جاء من قبل الأطراف المسيطرة عليه على ضفتي الفرات.
وأضافت المصادر ذاتها، أن عمل المعبر بات يقتصر على نقل بعض الحالات الطارئة مثل المرضى أو نقل جثامين المتوفين، مع دفع إتاوات للأطراف المسيطرة.
إغلاق المعبر “البريد” دون توضيح الأسباب من قبل “قسد”، وصفه بعض سكان بلدة ذيبان شرقي دير الزور، ممن التقتهم عنب بلدي، بالقرار “التعسفي”، لأن المتضرر هم الطلاب، خاصة طلاب الشهادتين (التاسع والبكالوريا)، إضافة للمرضى وأصحاب الحالات الإنسانية.
في حين تخوف آخرون من أن تكون للقرار تبعات “سلبية” على الحياة المعيشية والاقتصادية، إذ سيؤدي إلى رفع أسعار المواد الأساسية والخضروات، بحسب قولهم.
وعبر آخرون عن اعتقادهم بأن القرار جاء لمنع دخول مقاتلي العشائر من الضفة التابعة للنظام، مقللين من أهمية إغلاق المعبر لأنه لن يؤثر على حركة قوات العشائر، فيما وصفه آخرون بـ”الفاشل”.
اقرأ أيضًا: بين متضرر ومعارض.. توتر عقب عزم “قسد” افتتاح معبر مع النظام
إعاقة حركة الأهالي
يُعد إغلاق المعابر مسألة متكررة، إذ تعلن “قسد” عن افتتاح معبر وبعد أيام تعود لتعلن عن إغلاقه، وخاصة معبري “الشحيل” و”الحوايج”، اللذين شهدا حملات أمنية مركزة من قبل “قسد” والتحالف.
وتنشط على هذين المعبرين حركة نقل البضائع وتهريب المحروقات من مناطق “قسد” إلى مناطق النظام، إضافة إلى إدخال مواد البناء والغذائيات من الأخيرة.
وأفاد مراسل عنب بلدي في دير الزور، أن “قسد” قامت بحفر خندق ووضع سواتر ترابية لمنع السيارات والمدنيين بالريف الغربي (بلدات محيميدة والجنينة والحصان) من العبور للضفة المقابلة والعكس.
أثر هذا على تنقل الأهالي بين المنطقتين، إذ للمدنيين أقرباء على الطرف الآخر يسعون لزيارتهم، ويرون أن المعابر النهرية هي الأسهل للتنقل، على الرغم من “الإتاوات التي تفرضها حواجز النظام”.
خولة، وهي عجوز في الـ72 من العمر، تسكن في مدينة دير الزور، بينما يسكن ولداها في مناطق سيطرة “قسد”.
تضطر خولة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها حفاظًا على سلامة ولديها، للعبور عبر قارب إلى محيميدة، حيث يستقبلها ابنها ويستقلان سيارة إلى مدينة الطبقة.
قالت السيدة العجوز لعنب بلدي، إن أغلب من تعرفهم يسلكون طريق محيميدة والحصان أو طريق الميادين، وهي اختارت هذا الطريق بدلًا عن طريق الرقة، لكون الحواجز في الرقة لا تسمح بدخولها دون وجود كفالة، أو أن تكون من مواليد الرقة أو الطبقة أو الحسكة.
من جهة أخرى، لا تشترط الجهات المسيطرة في مناطق ريف دير الزور وجود كفالة، ويسمح بمرورها رفقة ولدها، وفق قولها.
تهريب المازوت
يعد معبر “الشحيل” من أهم معابر تهريب النفط الخام والمفروز إلى مناطق النظام، مقابل الأسمنت والمواد الصناعية والغذائية، واستهدف من قبل التحالف الدولي عدة مرات خلال السنوات الماضية، بينما بات اليوم مغلقًا أمام عمليات التهريب تمامًا.
جاء الإغلاق بعد فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على نظام الأسد وكل من يتعامل معه، من بينهم شركة “القاطرجي” النفطية، التي تتعاون مع “قسد”، وقبله تنظيم “الدولة الإسلامية” لتزويد النظام بشاحنات النفط.
واستهدفت “قسد” صهريج محروقات، في 12 من تشرين الأول، ما أدى لاحتراقه دون إصابات، حسب مراسل عنب بلدي، كما أغلقت خطوطًا لتهريب المازوت من مدينة الشحيل وبلدة ابريهة والصبحة، ما تسبب بخسارة “تجار المحروقات” الذين يسيطرون على هذه الخطوط، بحسب ما قاله تجار لمراسل عنب بلدي.
أحد التجار ذكر أنهم كانوا يدفعون إتاوات لقادة “المجلس العسكري” قبل أن تحله “قسد” بسبب ما يسمى انتفاضة العشائر.
وبدأت “قسد” بتحويل طريق عبور الشاحنات النفطية من خطوط التهريب غير الرسمية إلى الخطوط التي تقع تحت سيطرتها.
“خسائر فادحة”
رائد، تحفظ على ذكر اسمه بالكامل لأسباب أمنية، وهو تاجر مواد تموينية في ريف دير الزور الشرقي، قال لعنب بلدي، إن إغلاق المعابر أدى لارتفاع أسعار الكثير من المواد “بشكل كبير”، وعلى رأسها المنظفات، والزيوت والأجبان التي تأتي من مناطق سيطرة النظام.
يمكن تعويض هذه المواد بمواد مستوردة من تركيا، ولكن فرق العملة وارتفاع الدولار يزيد من سعرها، والأسواق بحاجة لهذه المواد، لكون الطلب يزداد عليها في ظل الحصار الذي فرضته “قسد” على المنطقة، بحسب رائد.
من جهته ذكر تاجر الأحذية يحيى لعنب بلدي، أن تجارته تأثرت بسبب إغلاق المعابر، ما اضطره لدفع مبالغ إضافية “طائلة” لشراء طرود الأحذية من تركيا، وانعكس هذا في رفع أسعار بضاعته ليحقق مكسبًا، بحسب ما قاله.
وأضاف أن تجارة الأحذية مرتبطة بعوامل المناخ والمناسبات، وتأخر وصول البضائع قد يتسبب “بخسائر فادحة”، منها ركود البضائع بسبب انتهاء موسمها.
الباغوز بلا معبر
“يقسم نهر الفرات محافظة دير الزور إلى قسمين، الجزيرة (تحت سيطرة “قسد”) والشامية (تحت سيطرة النظام)، وترتبط الضفتان مع بعضها بعدة جسور موزعة على طول المنطقة وهي جسر الميادين، جسر العشارة، و جسر البوكمال الذي تقابله على ضفة الجزيرة قرية الباغوز.
يقول عبد الله، وهو مدرس قديم يسكن في قرية الشعفة، إن الجسور انقطعت أثناء محاربة “داعش”، وبعد تحرير المنطقة انقطع التواصل بين الضفتين، وأصبحت المعابر هي من تنقل البشر عبر سفن صغيرة، إذ توجد معابر تصل بمدينة دير الزور ومناطق ومدن أخرى مثل الميادين والعشارة، ولكن ليس هناك معبر يوصل إلى الباغوز.
النظام السوري يقول إنه ليس لديه ما يمنع فتح معبر في الباغوز، ولكن “قسد” لم تعط جوابًا شافيًا، واكتفت بقطع الوعود لأهالي القرى، الذين رفعوا مذكرة يطالبون بمعبر يصلهم بمدينة البوكمال، وفق عبد الله.
يرى عبد الله أن المعبر “ضرورة ملحة”، لأن كل مجموعة عشائرية تتمركز على ضفتي نهر الفرات، وفتح المعابر يمكّن الأهالي من التواصل مع بعضهم.
وتابع أن السجلات المدنية من قرى أبو حمام إلى الباغوز (15 قرية)، والمعاملات الورقية واستخراج جوازات السفر، إضافة إلى امتحانات طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية مركزها مدينة البوكمال.
ويضطر أهالي القرى إلى السفر إلى مدينة دير الزور للعودة إلى البوكمال، فيتحمل الأهالي تكاليف مادية مرهقة تزيد عليها مسافة الطريق، وهو ما يمكن اختصاره بعبور النهر إلى الضفة الأخرى.
يقول عبد الله، “لا نتوقع أن تعود الجسور لتسهيل عبور المواطنين كما كان سابقًا، ولكن كل ما نطلبه فتح معبر ينقل المدنيين عبر السفن”، فإغلاق المعابر فتح المجال للمهربين بتهريب المدنيين مقابل مبالغ “طائلة”، وبنفس الوقت قد تعرضهم لخطر الغرق.