يواصل الطيران الحربي الروسي منذ أربعة أيام شن غارات جوية على مناطق متفرقة شمال غربي سوريا، مستهدفًا خيامًا للنازحين ومحيط قرى وبلدات ريف إدلب الغربي.
ووصل عدد الغارات اليوم، الثلاثاء 17 من تشرين الأول، إلى 19 غارة في أقل من عشر ساعات، بعد تصعيد شنته قوات النظام وروسيا على الشمال السوري قبل أسبوع، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 53 شخصًا وإصابة 303 آخرين ونزوح 68 ألف شخص.
غارات تزيد خروقات اتفاق “خفض التصعيد”، وتنسف الحديث عن “هدنة وتهدئة” في وقت تحذر فيه منظمات محلية ودولية من موجات نزوح جديدة، وتندد بقصف ممنهج وصفته بأنه حرب على كل مقومات الحياة، وسياسة لنشر الرعب والموت في المنطقة.
استهداف مستمر
“المرصد 80” (أبو أمين)، المختص برصد التحركات العسكرية في المنطقة، قال إن الطيران الروسي شن 19 غارة جوية على محيط قرية القنيطرة بريف إدلب الغربي، تسع غارات منها فجرًا، وعشر غارات ظهر اليوم.
ووثق “الدفاع المدني السوري” إصابة امرأتين وطفلة بجروح، جراء غارات جوية روسية استهدفت مخيم “القشوة” على أطراف بلدة الشيخ يوسف في ريف إدلب الغربي، فجر اليوم.
وقال إن الغارات استهدفت مناطق جبلية ومقالع حجارة في المنطقة، وذكر أن جميع المهجّرين الذين يعيشون في المخيم نزحوا، وقدّر عددهم بنحو 30 عائلة.
وفي 13 من تشرين الأول الحالي، شن الطيران الروسي أكثر من 13 غارة على مناطق متفرقة، بالتزامن مع قصف مدفعي لقوات النظام السوري.
وصعّدت قوات النظام عسكريًا على شمال غربي سوريا، منذ 4 من تشرين الأول الحالي حتى 8 من الشهر نفسه، بعد تعرض الكلية الحربية بحمص لهجوم بطائرة مسيّرة.
وحتى 13 من تشرين الأول الحالي، قُتل شمال غربي سوريا ما لا يقل عن 53 شخصًا بينهم 11 امرأة و15 طفلًا، وأُصيب 303 آخرون، وأدى التصعيد إلى نزوح حوالي 68 ألف شخص، وطال القصف أكثر من 1400 موقع في جميع أنحاء إدلب وغربي حلب.
انتقام وتنكيل
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي قال لعنب بلدي، إن روسيا والنظام السوري ليسا بحاجة إلى مبرر أو سبب لشن أي عدوان على إدلب أو على أي منطقة بالشمال السوري، فالمبررات موجودة طالما أن بشار الأسد يعتبر جميع من ناهضه من السوريين “إرهابيين”، وبالتالي قتالهم مهمة وطنية.
واعتبر النيفي أن هذا لا يمنع أيضًا من أن يستغل النظام وحلفاؤه بعض الظروف الاستثنائية، كاستغلال الروس والنظام ما يجري في غزة وانشغال الرأي العام بهجوم الكيان الصهيوني، ليروعوا المدنيين ويرتكبوا مجازر جديدة.
ويرى النيفي أن بشار الأسد وحلفاءه يقتلون بدافع الانتقام والتنكيل، أي ممارسة الجريمة دون أي رادع قيمي أو قانوني، ولعل انحياز الغرب عمومًا إلى جانب إسرائيل في الحرب على غزة يوفر للأسد غطاء مناسبًا للاستمرار في عدوانه وتوحشه على السوريين.
خلال أيام تصعيد قوات النظام على الشمال، قال موالون ووسائل إعلام موالية، إن الضربات على مناطق إدلب “انتقام وأخذ بالثأر” بعد مقتل 89 جنديًا في صفوف قوات النظام وإصابة 277 آخرين، إثر تعرّض محيط الكلية الحربية بمدينة حمص وسط سوريا لهجوم بطائرة مسيرة.
سياسة “جز العشب”
الباحث في مركز “جسور للدراسات” والمحلل السياسي عبد الوهاب عاصي، اعتبر أن التصعيد هو استمرار لموجة القصف العنيف وغير المسبوق الذي لم تشهده منطقة إدلب منذ عام 2020، وهو يأتي بعد تهدئة قصيرة استمرت أيامًا إثر تفاهم بين روسيا وتركيا للعودة إلى خفض التوتر.
وقال عاصي لعنب بلدي، إن التصعيد بالأصل جاء للتغطية على الهجوم الذي استهدف الكلية الحربية في حمص، والذي اتهم النظام السوري فصائل المعارضة بالوقوف خلفه.
ويُلاحظ أن مشاركة روسيا في الاستهدافات تتركّز على منشآت عسكرية وأمنية، حيث استهدفت “السجن المركزي” والمحلج وغيرهما، بينما لم ينخرط سلاحها الجوي في قصف منشآت ذات طبيعة أخرى بخلاف ما هو معتاد.
ويبدو وفق الباحث أن الهدف من ذلك هو استثمار حالة التصعيد واتهام المعارضة بالوقوف خلف هجوم حمص لضرب قدرات “هيئة تحرير الشام” العسكرية، في أسلوب يُشبه إلى حد ما سياسة “جز العشب” التي تهدف إلى منع “الهيئة” وفصائل المعارضة من امتلاك النفَس بعد سلسلة الهجمات التي نفذتها خلال الأشهر الماضية، وقد تؤدي إلى قضم بطيء لخطوط التماس.
وتقوم سياسة “جز العشب” على ملاحقة الطرف الآخر واستهدافه بشكل حثيث ومتواصل دون توقف بحيث لا يسمح له بالتقاط الأنفاس.
وارتفعت مطلع العام الحالي وتيرة العمليات “الانغماسية” التي نفذتها “تحرير الشام” ضد قوات النظام السوري في أماكن متفرقة خلف خطوط التماس، وانخفضت خلال الأشهر الأربعة الماضية.
وفي 26 من آب الماضي، فجّر فصيل “أنصار التوحيد” العامل في إدلب نفقًا في تلة الملاجة جنوبي إدلب، مستهدفًا نقطة تمركز لقوات النظام، ومنذ التفجير يشهد محور الملاجة اشتباكات مستمرة، ويحاول النظام التقدم لاستعادة النقطة التي خسرها.
منطقة “خفض تصعيد”
تخضع منطقة شمال غربي سوريا لاتفاقية “موسكو” الموقعة بين روسيا وتركيا، وتوقفت العمليات العسكرية من معارك وفتح جبهات منذ توقيعها في 5 من آذار 2020، إلا أن هذه الاتفاقية تعرضت لخروقات متكررة.
وتنص اتفاقية “موسكو” على:
– وقف إطلاق النار على طول خط المواجهة بين النظام والمعارضة.
– إقامة ممر أمني على بعد ستة كيلومترات شمالي الطريق الدولي السريع الرئيس في إدلب (M4) وستة كيلومترات جنوبه، وهو الطريق الذي يربط المدن التي يسيطر عليها النظام السوري في حلب واللاذقية.
– نشر دوريات روسية- تركية مشتركة على طول الطريق “M4” ابتداء من 15 من آذار من العام نفسه.
سبق هذا اتفاق آخر وقعته روسيا وتركيا ضمن اتفاقية “أستانة” عام 2017 لـ”خفض التصعيد”، تبعته اتفاقية “سوتشي” في أيلول 2018، ونصت على وقف إطلاق النار في محيط إدلب، لكن النظام وروسيا ينتهكان الاتفاقيات هذه باستمرار.
–