“الانتفاضة القبلية” بدير الزور.. مطالب عالقة وخيارات محدودة

  • 2023/10/18
  • 2:34 م
ممثلون عن قبائل عربية يجتمعون بأعضاء مجلس سوريا الديمقراطية في القامشلي شرقي الحسكة (تعديل عنب بلدي)

ممثلون عن قبائل عربية يجتمعون بأعضاء مجلس سوريا الديمقراطية في القامشلي شرقي الحسكة (تعديل عنب بلدي)

عادت الأوضاع الميدانية في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرقي دير الزور إلى شكلها الطبيعي، بعد اشتباكات تمددت بالمنطقة بينها وبين مقاتلين محليين ينحدرون من العشائر العربية من أبناء المنطقة، ولا يبدو واضحًا كيف ستتطور الأوضاع في قرى وبلدات دير الزور.

وفي ظل الوعود التي قدمها قائد “قسد”، مظلوم عبدي، خلال حديثه لوسائل إعلام أجنبية وعربية لعشائر المنطقة بتقديم “إصلاحات”، لم تلحظ أي تغييرات على أرض الواقع، إذ استمرت الحملات الأمنية والاعتقالات بحق أبنائها رغم مرور أكثر من شهر على انتهائها بشكل فعلي.

ومع مرور نحو شهرين على اندلاع المواجهات إثر اعتقال “قسد” قائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لها، أحمد الخبيل (أبو خولة)، في 28 من آب الماضي، لم تجرِ معالجة مطلب تمثيل المكون العربي في دير الزور، ولم ينسحب عناصر “العمال الكردستاني” من المنطقة، وهي مطالب أبناء ريف دير الزور بشكل رئيس.

مطالب عالقة

في 11 من تشرين الأول الحالي، أعلن إبراهيم الهفل، أحد شيوخ قبيلة “العكيدات” ووجوه الانتفاضة القبلية بدير الزور، عن أن الهدوء الذي ساد جبهات القتال في قرى وبلدات أرياف دير الزور، كان بسبب انتظار العشائر العربية مخرجات الاجتماع الذي عقد بمدينة أربيل في كردستان العراق.

وجاء حديث الهفل عبر بيان صوتي، أشار خلاله إلى أن “قسد” لا تزال تهدف إلى إخماد “الحراك العشائري” في المنطقة، لكنها لن تنجح “طالما أنها لا تشكل ثقلًا على الصعيد المحلي والدولي”.

ولم يشر الهفل إلى شكل المفاوضات، والمطالب التي طُرحت خلالها، لكنه في الوقت نفسه توعد بعودة الاستهدافات لعناصر “قسد” شرقي دير الزور، ما أوحى بفشل المفاوضات.

الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، قال لعنب بلدي، إن فترة التهدئة في المنطقة، وهي المدة التي تحدث عنها الهفل على أنها شهدت مفاوضات في أربيل، كانت مسرحًا لمحاولات “قسد” احتواء الموقف.

وحاولت “قسد” الاجتماع مع وجهاء وفاعلين من أبناء عشائر دير الزور خلال الفترة نفسها، وشهدت هذه الاجتماعات نوعًا من “الشفافية”، ومحاولة احتواء مشكلات أبناء المنطقة قدر الإمكان، عبر إشراف “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) على إدارة هذه الاجتماعات، بحسب الباحث.

“مسد” تجاهل الأحداث الدائرة في دير الزور خلال الأيام السبعة الأولى، بينما أصدر أول تعليق له عبر موقعه الرسمي متماشيًا مع رواية “قسد” عندما نظّم، في 6 من أيلول الماضي، اجتماعًا مع وجهاء عشائر وقبائل عربية بمختلف المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة “قسد”، باستثناء دير الزور التي شهدت المواجهات المسلحة.

ورغم تكرر الاجتماعات، لم تنعكس النتائج على مطالب القبائل العربية التي تعود لسنوات، واقتصرت مخرجات اجتماعات “مسد” على “إرساء الأمن والاستقرار، وتعزيز التشاركية في الإدارة، والعمل على تنمية المنطقة اقتصاديًا، وإعادة هيكلة المجلسَين المدني والعسكري لدير الزور”، وهو ما طرح خلال اجتماعات ممثلي القبائل مع “قسد” باجتماعات منفصلة، بحسب الباحث.

ومنذ سنوات، يتمثّل المكوّن العربي في مؤسسات “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ”قسد” شمال شرقي سوريا، بشخصيات عربية موالية للأخيرة، لم تحقق تطلّعات السكان من العشائر العربية على مدار سنوات سيطرة القوات الكردية على المنطقة.

خيارات “الانتفاضة القبلية”

بدأت المعارك في دير الزور في 28 من آب الماضي بين “قسد” و”مجلس دير الزور العسكري” (ذو طبيعة عشائرية)، وامتد هذا الخلاف ليشمل مناطق مختلفة من دير الزور، واستمر بصبغة عشائرية بعد أن غاب اسم “المجلس العسكري” عن الميدان خلال الأسبوع الأول للمواجهات.

وانحصرت اليوم الانتفاضة القبلية، التي اتهمتها “قسد” بأنها مدعومة من النظام السوري، بشخصية إبراهيم الهفل، الذي لاقى قبولًا جزئيًا من سكان المنطقة، وقدم نفسه كممثل يطالب بحقوق العشائر ولا ينتمي لأي جهة.

الباحث أسامة شيخ علي يرى أن خيارات مقاتلي العشائر كانت “ضيقة جدًا” منذ البداية، إذ اضطر عديد منهم لعبور نهر “الفرات” باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري، بعد خسارتهم السيطرة الجغرافية لحساب “قسد” شرقي دير الزور.

وأضاف أن تلقي مقاتلي العشائر العلاج في مستشفيات بمدينة الميادين شرقي دير الزور، ومناطق أخرى يسيطر عليها النظام والميليشيات المدعومة إيرانيًا، بتساهل من النظام السوري، قلل من الدعم المحلي للحركة العشائرية المسلحة ضد “قسد”.

شيخ علي اعتبر أن التحركات المناوئة لـ”قسد” في المنطقة قد تستمر لفترة كما هي الآن، على شكل هجمات عسكرية متفرقة، لكنها ستحافظ على محدوديتها، وفسر الباحث ذلك بأن شن أي هجمات كبيرة من قبل هذه المجموعات سيترك بصمات إيرانية واضحة.

ويرى الباحث أن أي تحرك أو انتفاضة عسكرية لا تتوازى مع استغلال سياسي للموقف، سيبقى محدود الأثر، ولا يمكن له أن يتوسع، وهو ما حدث في سياق الحركة العشائرية بدير الزور.

بصمات إيران تؤثر بموقف التحالف

منذ اللحظة الأولى للمواجهات العسكرية، قدّمت “قسد” الوضع على أنه حملة أمنية لملاحقة خلايا من تنظيم “الدولة الإسلامية”، وخارجين عن القانون، ثم عادت بعد أيام لإصدار بيان عبر موقعها الرسمي وصفت خلاله الهفل بـ”رأس الفتنة”، وذكرت أنه مطلوب لقواتها.

هذه الخطوة شكّلت تحولًا برواية “قسد” للأحداث، إذ بدأت بعدها بالترويج أن الهفل مدعوم من النظام وإيران، وأن المقاتلين الذين يستهدفون قواتها دخلوا من مناطق سيطرة النظام السوري على ضفة نهر “الفرات” الغربية.

الباحث أسامة شيخ علي اعتبر أن ظهور بصمات إيران خلال المواجهات التي شهدتها دير الزور، غيّر من موقف التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في سوريا، وهو الداعم الرئيس لـ”قسد” شمال شرقي سوريا.

وبعد أن كان الموقف الأمريكي ذا طابع محايد، يطالب بالتهدئة والحوار، تحول إلى دعم “قسد” في وجه ما أسماه “عدم الاستقرار” بالمنطقة.

وفي 27 من أيلول الماضي، قالت فرقة العمل المشتركة للعمليات الخاصة في بلاد الشام، التابعة لقوات التحالف الدولي، إنها تدعم “قسد” لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وأضافت في بيان أن “زعزعة الاستقرار” في المنطقة بسبب أعمال العنف الأخيرة أدت إلى “خسائر مأساوية، وغير ضرورية في الأرواح، ومن الضروري أن يقاوم القادة المحليون تأثير الجهات الفاعلة الخبيثة”.

ويرى الباحث أن نقطة التحول في موقف التحالف الدولي كانت الحديث عن أن المجموعات التي تحارب “قسد” مدعومة من إيران التي تتمركز على بعد بضعة كيلومترات على الضفة الغربية لنهر “الفرات”.

ارتدادات تنخفض تدريجيًا

منذ الأيام الأولى للمواجهات، خرجت بلدة ذيبان (مسقط رأس إبراهيم الهفل) عن سيطرة “قسد” تحت ضربات مسلحي العشائر من أبناء المنطقة، ومع استمرار المعارك وحالات الكر والفر التي شهدتها جغرافيا دير الزور، صارت البلدة التي كان يقيم فيها الهفل محاصرة، وبقيت على هذه الحال لبضعة أيام، حتى سيطرت “قسد” عليها بالكامل في 9 من أيلول الماضي.

وعقب سيطرة “قسد” على معظم مساحات بلدة ذيبان شرقي دير الزور، انسحب مقاتلو العشائر جنوبًا، وانتهت المعارك بخسارتهم للسيطرة الجغرافية الفعلية، واقتصرت عملياتهم على الهجمات المباغتة لحواجز ودوريات أمنية.

الباحث اعتبر أن ارتدادات المعارك التي شهدتها المنطقة لن تبقى طويلًا، وقد تستمر لمدة، وربما نشاهد استمرار الهجمات المباغتة والمتفرقة خلال الأيام المقبلة، لكنها في النهاية ستنخفض بشكل كبير، إثر التشديد الأمني الذي تفرضه “قسد” على خطوط التماس مع مناطق سيطرة النظام على ضفة نهر “الفرات” الغربية.

وبناء على التجارب السابقة، يرى الباحث أن “قسد” ليست مستعدة للتغيير من سياستها تجاه المنطقة، خصوصًا مع نقاط الخلاف الأساسية المتعلقة بإخراج كوادر “العمال الكردستاني” من دير الزور، وتسليم إدارة المنطقة لأبنائها، وإعادة هيكلة “مجلس دير الزور العسكري” بتركيبته العشائرية.

وفي ظل تعنت “قسد”، لم يستبعد شيخ علي أن تشهد المنطقة انتفاضات جديدة، طالما أن الأخيرة ترفض منح إدارة مدنية حقيقية للمناطق بعيدًا عن الكوادر الأجنبية من حزب “العمال الكردستاني”.

وفي 17 من أيار الماضي، قبل أشهر على اندلاع المواجهات، شهدت منطقة “دوار المدينة الصناعية” شمالي محافظة دير الزور استنفارًا كثيفًا لـ”قسد”، على خلفية دعوات أطلقها ناشطون للاحتجاج ضدها والمطالبة بمحاسبة مسؤولين فيها.

حينها قالت شبكة “نهر ميديا” المتخصصة بتغطية أخبار دير الزور بشكل رئيس، إن دعوات الناشطين طالبت بالخروج بمظاهرة أمام “مجلس دير الزور المدني” للمطالبة بمحاسبة مسؤوليه المعروفين في المنطقة باسم “الكادر باران” (من كوادر “العمال الكردستاني”) و”المستشار حمزة”.

مشكلة التمثيل العربي

مشكلة عدم وجود ممثل للمكون العربي في مناطق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ليست جديدة، إذ يجري الحديث عنها بين الحين والآخر، وتتركز تداعياتها في محافظة دير الزور، ذات الأغلبية العشائرية.

وحاولت “قسد” على مدار السنوات الماضية بسط سيطرتها على المنطقة عبر ممثل لها يدير المنطقة أمنيًا وخدميًا عرف باسم “باران”، وهو اسم حركي لشخص غير سوري في محافظة دير الزور.

ومؤخرًا، أرسلت “قسد” شخصًا أطلق عليه المواطنون اسم “المندوب السامي”، كممثل لها في محافظة دير الزور، التي تعاني التهميش الخدمي منذ سنوات، بحسب تسريبات صوتية لأحمد الخبيل، أبدى خلاله اعتراضه على سياسات “قسد” في المنطقة، ثم عاد لتبريرها على أنها “خلاف في وجهات النظر”.

ولا يكاد يمر يوم في دير الزور دون احتجاجات لمدنيين ضد “قسد”، للمطالبة بتحسين الأوضاع الخدمية، أو تحسين القطاع التعليمي، وأخرى متعلقة بتوزيع المحروقات التي يعاني سكان المنطقة النقص فيها.

اقرأ أيضًا: المكوّن العربي يبحث عن تمثيل مفقود تحت حكم “قسد”

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا