تنشط رحلات الانتقال من مناطق سيطرة النظام باتجاه محافظة إدلب شمال غربي سوريا، عبر طرق غير آمنة وبتكاليف باهظة، إلا أن عشرات الأشخاص يصلون أسبوعيًا للمنطقة، خوفًا من التجنيد الإجباري أو هربًا من تدهور الوضع المعيشي، بينما يسلك آخرون هذه الطريق آملًا بلم شمل العائلة أو الوصول لشريك حياتهم لا سيما السيدات.
“هجرة” داخل سوريا
يلجأ السكان المقيمون في مناطق النظام إلى طرقات تهريب غير آمنة لدخول إدلب وأرياف حلب، وبحسب أحد القائمين على هذه الطرقات فإن هناك طريقًا خاصًا بالمدنيين، تكون فيه آخر محطة هي محافظة حلب ضمن مناطق سيطرة النظام، وهي بتكلفة 200 دولار للشخص الواحد، ويمر من مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا ( وصولاً إلى جرابلس ضمن المناطق المحررة بريف حلب.
كما أن هناك طريقًا مخصصًا للتهريب، وهو للشبان أو السيدات الذين عليهم ملاحقات أمنية من قبل النظام، ويشمل المرور بحلب ثم منبج وصولًا إلى جرابلس وانتهاء بإدلب، بتكلفة 650 دولارًا للشخص الواحد، وتختلف التكاليف من مهرب لآخر، كما أن الأجور ترتفع في حال تصاعد التوتر بين المناطق مختلفة السيطرة، وتغلق أحيانًا عند اندلاع المعارك.
ولا تخلو الطرقات من ابتزاز للأهالي من قبل الحواجز العسكرية المنتشرة على الطرقات باختلاف تبعيتها، سواء النظام أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أو “الجيش الوطني”، وتتمثل بالتهديد بالاعتقال والمطالبة بإتاوات مالية أو مصادرة أغراض شخصية كهواتف أو ملابس وغيرها.
قد يستغرق الطريق البقاء من خمسة إلى سبعة أيام، والتنقل في باصات وسيارات خاصة ودراجات نارية لاجتياز أماكن عدة مختلفة على طول الجغرافيا السورية، حيث يمر الطريق عبر مناطق سيطرة ثلاث قوى متناوئة.
يعبر المسافرون من دمشق إلى حمص مرورًا بالطريق الدولي دمشق، ثم ينتقلون إلى حلب والتي ستحتاج لأيام عدة لاجتيازها، حيث يكون الطريق بالانتقال من حلب الواقعة تحت سيطرة النظام نحو منبج، ومنها إلى مناطق الشمال السوري، وفق عدة لقاءات أجرتها عنب بلدي مع أشخاص وصلوا إلى إدلب خلال الأشهر الماضية.
للم الشمل
بعد خطوبة استمرت لثلاثة أعوام، التقت إيمان (26 عامًا)، وهي من سكان ريف دمشق، بزوجها في منطقة إدلب منذ حوالي شهر.
قالت إيمان لعنب بلدي، إن خطوبتها وعقد قرانها على ابن عمها جرى عبر أحد وسائل التواصل الاجتماعي منذ ثلاثة سنوات، بعد أن قرر الشاب أن يخطبها وكان من ضمن أهدافه السفر إلى أوروبا عبر تركيا، إلا أنه طوال الفترة الماضية لم يتمكن من العبور إلى تركيا بسبب تشديد الحراسة من قبل الجنود الأتراك المنتشرين على تخوم إدلب.
تضيف السيدة أنها كانت طيلة الأعوام السابقة تعيش حلمها بالسفر وتنتظر التأشيرة التي ستنقلها إلى أوروبا، إلا أنها قررت مؤخرًا الانتقال للعيش مع زوجها في إدلب، بعد أن فقدا الأمل بالخروج من المنطقة، بحسب تعبيرها.
إيمان وغيرها العشرات من السيدات اللواتي انتقلن مؤخرًا للعيش في الشمال السوري بهدف الالتقاء بأزواجهم، عاشوا رحلة الطريق الطويلة دون معيل أو رفيق سفر، حيث ترتفع الأجور وتتسبب الرحلة بمتاعب كبيرة لا يمكن للكثير تحملها.
براء أبو عامر، مهجر من ريف دمشق ويقيم في إدلب، قال لعنب بلدي، إنه تمكن من نقل شقيقته من مكان إقامتها بأحد أحياء دمشق، وذلك بعد وفاة زوجها وبقائها وحيدة مع أطفالها، موضحًا أن انتقال أخته للعيش معه كان أفضل من بقائها لوحدها، رغم مخاطر الطريق “إلا أنها وصلت سالمة”، لافتًا إلى أنها لم تستطع أن تحمل أي متاع معها.
فرصة عمل
غسان أبو ياسر، من مدينة عربين بريف دمشق، الذي انتقل للعيش في إدلب مؤخرًا، قال لعنب بلدي، إن رحلته بدأت بعد أن عاد من لبنان إلى مدينته خلال العام الماضي، وذلك بعد أن خسر عمله وكفيله، ولم يستطع تجديد أوراق إقامته.
ويضيف غسان أنه لم يستطع أن يفتتح عملًا جديدًا في عربين حيث لا تزال المدينة تعاني من نقص في البنى التحتية ومضايقات أمنية، لذلك قرر الانتقال إلى إدلب.
انتقل غسان للعيش في إدلب لوحده بينما بقي زوجته وأطفال في منزلهم بريف دمشق، وأوضح قائلًا، “هنا أستطيع العمل مع توفر المواد وانفتاح السوق دون قيود، بينما لن تستطيع عائلتي العيش مع حالة عدم الاستقرار والقصف المتكرر”.
افتتح غسان محلًا لبيع البطاريات وألواح الطاقة وصيانتها، وقرر العمل وإرسال المال لعائلته لتأمين معيشتهم، محاولًا زيادة ساعة عمله لادخار بعض النقود التي ستنهي غربته عن العائلة.
ووفق رصد عنب بلدي، يصل يوميًا عشرات الشباب إلى الشمال السوري هربًا من الالتحاق بجيش النظام، وسط غياب خيارات السفر خارج سوريا لدى العديد منهم.