ما وراء تسليم سفارة اليمن في دمشق للحكومة الشرعية

  • 2023/10/17
  • 7:08 م
مبنى السفارة اليمنية بدمشق ترفع صورة المسؤول السياسي لجماعة "أنصار الله" صالح الصماد في ذكرى وفاته الرابعة- نيسان 2022 (رضوان الحيمي/ إكس)

مبنى السفارة اليمنية بدمشق ترفع صورة المسؤول السياسي لجماعة "أنصار الله" صالح الصماد في ذكرى وفاته الرابعة- نيسان 2022 (رضوان الحيمي/ إكس)

شكّل تحرك النظام السوري نحو تسليم سفارة اليمن في دمشق للحكومة الشرعية اليمنية، وإخراج جماعة “الحوثيين” منها، خطوة غير متوقعة، إذ تعد الأخيرة من الحلفاء البارزين لإيران، التي بدورها من أهم داعمي دمشق.

وجاءت الخطوة التي امتدت منذ عام 2016، بإخراج جماعة “أنصار الله” اليمنية (الحوثيون) كممثل لليمنيين، بطلب رسمي من الخارجية السورية، وفق ما قاله وزير الخارجية اليمني في الحكومة الشرعية، أحمد عوض بن مبارك.

وقال ابن مبارك لموقع “إندبندنت عربية”، في 11 من تشرين الأول الحالي، “أُبلغت رسميًا اليوم من وزير الخارجية السوري أنهم أخرجوا الحوثيين من مبنى السفارة اليمنية في دمشق”، مضيفًا أن “هذا الأمر جاء ثمرة لقاءاتنا الأخيرة مع الأشقاء السوريين في مصر والسعودية”.

وعن الإجراء الحكومي المنتظر، أكد الوزير اليمني أن حكومته “مستعدة فورًا لتعيين بعثة دبلوماسية هناك في الفترة المقبلة”.

وتدعم السعودية الحكومة الشرعية باليمن ضد جماعة “الحوثيين” المدعومة من إيران، والتي تسيطر على عدة مدن رئيسة مثل العاصمة صنعاء.

ونتيجة لفقدانهم “الشرعية الدولية”، امتلك “الحوثيون” تمثيلًا دبلوماسيًا خارجيًا فقط في إيران وسوريا.

واعترف المدير في وزارة المالية التابعة لـ”الحوثيين”، خالد العراسي، بإبلاغ السلطات السورية ممثلي الجماعة بإخلاء السفارة اليمنية في دمشق، معتبرًا ذلك “فشلًا في الاختبار الوحيد للتمثيل في العلاقات الدولية”.

وقال العراسي في منشور عبر صفحته في “فيس بوك“، في 10 من تشرين الأول الحالي، “قبل أربعة أيام أصدرت القيادة السورية قرارًا بإغلاق سفارتنا في دمشق، واليوم بعد انتهاء الحداد (في إشارة إلى هجوم حمص) أوصلوا القرار إلى سفارتنا”.

في المقابل، لم تعلن أي جهة حكومية سورية، أو من وسائل الإعلام المحلية، عن هذه الخطوة حتى لحظة نشر التقرير.

نتيجة للتوافقات العربية

التقى وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد، الوزير اليمني ابن مبارك على هامش اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، الذي انعقد بالقاهرة، في 6 من أيلول الماضي، واستعرض الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها، ومستجدات الأوضاع في المنطقة، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).

وكان اليمن ضمن الدول العربية التي قاطعت النظام السوري دبلوماسيًا، بعد عام 2011، فيما زادت حالة القطيعة بين البلدين عقب تدخل التحالف بقيادة السعودية باليمن في آذار 2015، بعد وقوف النظام مع “الحوثيين”، وإقامته علاقة دبلوماسية مع جماعة “أنصار الله” (الحوثيون)، التي عيّنت سفيرًا لليمن بدمشق، في آذار 2016.

في حين يأتي اللقاء بين المقداد ووزير الخارجية اليمني بعد عودة علاقات بعض الدول العربية مع النظام السوري عقب كارثة الزلزال في شباط الماضي، وهو ما اختتم بعودة استحواذه على مقعد سوريا في الجامعة العربية في أيار الماضي، وحضوره القمة العربية في جدة.

وسبق هذا التحول في العلاقات تحول آخر كشفت عنه الصين في آذار الماضي، باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بعد وساطة صينية.

الصحفي اليمني أحمد الصباحي قال لعنب بلدي، إن السبب الرئيس الذي نتجت عنه عودة السفارة اليمنية للحكومة الشرعية، هو عودة العلاقات بين دمشق والدول العربية.

ويرى أن خطوة إعادة السفارة تأتي من حكومة النظام كرسالة للسعودية بأنها على استعداد لإعادة العلاقات مع الحكومة الشرعية اليمنية، وإخراج “الحوثيين” من سوريا.

وسارع الاتفاق السعودي- الإيراني بالوصول إلى مرحلة إعادة السفارة للحكومة الشرعية، وفق الصباحي، الذي توقع بقاء أفراد من “الحوثيين” في الأراضي السورية، نتيجة العلاقة بين النظام وإيران.

الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نوار شعبان قال لعنب بلدي، في رده على سؤال حول الموقف الإيراني من خطوة دمشق، إن حجم الاستثمار السياسي الإيراني في “الحوثيين” تراجع بعد حصول الاتفاق السعودي- الإيراني، وإن اليمن والاستثمار الإيراني فيها يمر بفترة جديدة.

على الطرف الآخر، يشكل توجه النظام للحكومة الشرعية باليمن انسجامًا مع “الأهواء الحالية السياسية العربية”، وفق شعبان، الذي يرى أن النظام بعد “تجمد المبادرة العربية” لعدم تجاوبه، أصبح يعمل على “هوامش غير معلنة”، يمكن أن يكسب منها لاحقًا مع السعودية، بينما إيران، التي لم يعد يشكل “الحوثيون” أولوية لها حاليًا، أصبحت أيضًا تحقق أهدافها مع السعودية من ملفات ثانية.

ولا يعتقد الباحث أن إيران مستثمرة بالسياسة السورية الحالية بدرجة كبيرة، كونها “متغلغلة” داخل النظام على الصعيد الأمني والعسكري والسياسي والاجتماعي، عبر أدوات مختلفة، وهو ما يتيح لها التحكم بملفات خارجية في المستقبل دون الحاجة للعودة إلى النظام السوري، وفق شعبان.

وزير حقوق الإنسان اليمني السابق، محمد عسكر، صرح لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أن الإجراء السوري يأتي نتيجة للتوافقات على مستوى الجامعة العربية بشأن عودة سوريا للجامعة، وتنشيط علاقاتها الرسمية مع الدول العربية ومنها اليمن، لأن الوضع الطبيعي أن تكون العلاقة مع الحكومة الشرعية.

وأضاف أن عودة العلاقات العربية مع سوريا بعد سنوات من الانقطاع تتطلب تنشيط تلك العلاقات دبلوماسيًا، وتقديم التسهيلات اللازمة والبروتوكولية لتحقيق ذلك.

وأوضح أن “الوضع الجديد بين سوريا والجامعة العربية كان يتطلب بلا شك عودة السفارة اليمنية للحكومة الشرعية، لذا فإن مطالبة الحوثي بالإخلاء هو أمر طبيعي، فما حصل كان استثناء غير متعارف عليه ولا يرتب أي نتائج تذكر”.

وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك في لقاء على هامش اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد – 6 من أيلول 2023 (وكالة سبأ)

ما أسباب التجاهل

على غرار تجاهل حكومة النظام الإعلان عن لقاء يعد الأول من نوعه منذ 2011 بين المقداد وابن مبارك عبر معرفاتها الرسمية، وكذلك الحال بالنسبة لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) ووسائل الإعلام المحلية المقربة من النظام، تجاهلت أيضًا الحديث عن تسليم السفارة اليمنية للحكومة الشرعية.

وعن أسباب هذا التجاهل يرى الصحفي اليمني أحمد الصباحي أن دمشق لم تعترف رسميًا بـ”الحوثيين” ولم تعلن عن تمثيلهم بسفارة اليمن في البلاد، ولم تتسلم أوراق اعتمادهم بوزارة الخارجية، وكان يتم التعامل معهم كممثلية لجماعة “الحوثيين” فقط، وهو ما لا يستدعي الإعلان عند تغير الأوضاع للوضع الأصلي.

ويتوقع الصباحي أن يجري الإعلان قريبًا عن عودة العلاقات بين الطرفين قريبًا، وأن التأخر من الجانب السوري يتعلق بـ”إجراءات روتينية”، فيما سيكون إجراء تبادل السفراء بمنزلة الإعلان الرسمي عن عودة العلاقات بين البلدين.

وعيّنت جماعة “الحوثيين”، في آذار 2016، القيادي في حزب “البعث اليمني” (جناح سوريا)، نايف أحمد القانص، سفيرًا لها بدمشق، الذي شغل منصب نائب رئيس “اللجنة الثورية العليا”.

وفي تشرين الثاني 2020، أعلنت جماعة “الحوثيين” تعيين الإعلامي عبد الله علي صبري سفيرًا لها في دمشق خلفًا للقانص، لترد الحكومة اليمنية بإعلانها بدء ملاحقة ثلاثة من قيادات من الجماعة تتهمهم بـ”انتحال صفات دبلوماسية في إيران وسوريا”، منهم السفيران السابقان.

وقالت الخارجية اليمنية في بيان حينها، إن “السلطة القضائية شرعت باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإصدار مذكرات اعتقال قهرية ضد الثلاثة المذكورين عبر (الإنتربول)”.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا