إيقاف المعارك في غزة.. محاولة لمنع التوطين في سيناء
تستمر المحاولات المصرية لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، بالتوازي مع المخاوف المصرية من الضغوط الغربية لفتح الحدود ونقل الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.
الموقف المصري من عملية التوطين كان واضحًا مع تصريحات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، برفض عملية التوطين باعتبارها خطًا أحمر، يمس الأمن القومي المصري.
وبالتوازي مع الموقف المصري، تغير الموقف الأمريكي أيضًا، مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، في لقاء بثته قناة “العربية” السعودية في 16 من تشرين الأول، رفضه للخطوة الإسرائيلية.
ودعا المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ريتشارد هيشت، في 10 من تشرين الأول، سكان قطاع غزة بالتوجه إلى سيناء، وفق ما نقلت عنه وكالة “رويترز“.
كما نقلت الوكالة بعد يوم واحد من تصريحات هيشت، عن مصادر أمنية مصرية أن القاهرة تحركت لمنع تهجير الفلسطينيين، كما نفذت طائرات حربية مصرية طلعات جوية قرب معبر رفح الحدودي، واتخذ الجيش مواقع جديدة قرب الحدود وسيّر دوريات لمراقبة المنطقة.
لمقاومة إعادة التوطين
التحليلات والتقارير الصادرة عن مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام العالمية، أو المحلية المقربة من السلطات المصرية، أشارت إلى أن القاهرة تبنت موقفًا حازمًا تجاه الدعوات الإسرائيلية.
صحيفة “فاينانشال تايمز” الأمريكية، نقلت اليوم، الثلاثاء 17 من تشرين الأول، عن مسؤول أوروبي تهديدًا مبطنًا صدر عن مسؤول مصري بإرسال اللاجئين إلى أوروبا.
ووفق الصحيفة، قال الجانب المصري “هل تريد منا أن نأخذ مليون شخص؟ حسنًا، سأرسلهم إلى أوروبا. أنت تهتم بحقوق الإنسان كثيرًا”، وأضافت الصحيفة أن المسؤولين المصريين غاضبون للغاية من الضغوط التي يتعرضون لها.
وكلما طال أمد الصراع في غزة، ستزيد معاناة الفلسطينيين، وبالتالي ستواجه مصر ضغوطًا أكبر لقبول نقل الفلسطينيين إلى سيناء.
وضمن دراسة أعدها مجموعة من الباحثين ونشرها مركز “كارنيغي” للسلام العالمي، في 13 من تشرين الأول، قال السياسي والباحث المصري، عمرو حمزاوي، إن القاهرة لن تتسامح مع تدفق أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى أراضيها.
وأضاف أن مصر تحاول التوسط بين حركة “حماس” وإسرائيل، لإيقاف العمليات العسكرية، وتحركت وزارة الخارجية المصرية وأجهزة الاستخبارات التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كلا الطرفين لتحقيق هذا الأمر.
وعقد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اجتماعًا مع مجلس الأمن القومي المصري، الأحد، كما التقى بوزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، في لقاء بثت قناة “Ten” المصرية بعضًا من أجزاءه.
وقال السيسي إن اليهود لم يستهدفوا أو يتعرضوا للاضطهاد خلال حياتهم في مصر أو البلاد العربية، بعكس الدول الأوروبية، ورفض المساس بالمدنيين خلال الأعمال العسكرية وتيسير دخول المساعدات إلى القطاع.
وكانت في مصر جالية يهودية لا تزال معابدها الدينية موجودة حتى اليوم، إلا أنها هاجرت إلى إسرائيل ودول أوروبية بعد حرب 1948، وهزيمة 1967.
وسبق لمصر أن رفضت فتح معبر رفح، مع قطاع غزة، لخروج الرعايا الأجانب من القطاع، وربطت فتحه بدخول المساعدات، فيما أشار وزير الخارجية المصري، سامح شكري في تصريحات صحفية، إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ موقفًا يمكن من خلاله التحرك في هذا الملف.
وبرغم التصريحات الرسمية التي أصدرها المسؤولون المصريون، والمقالات التي نشرتها الصحف الرسمية، لا تزال المخاوف من قبول السلطات المصرية للمشروع الإسرائيلي تثير شخصيات عامة مصرية.
وأشار الكاتب والصحفي المصري بلال فضل، في تسجيل مصور بثه عبر قناته في منصة “يوتيوب“، أمس، إلى أن قضية السيناتور الأمريكي، روبرت مينديز، المتهم بتلقي رشاوى من مسؤولين مصريين رفيعي المستوى، تلقي بظلالها على القضية.
ويواجه مينديز اتهامات بالتجسس لصالح مصر، وتقديم معلومات حساسة خاصة بالحكومة الأمريكية، إلى الحكومة المصرية، وقبول أموال نقدية وذهبية ودفوعات مقابل رهن عقاري وسيارة فاخرة.
وأضاف فضل أن السيسي يسعى لتبرئة جهاز الاستخبارات المصري من قضية منديز، بالإضافة إلى مكاسب سياسية واقتصادية، فيما تسعى واشنطن للتخلص من “حماس” وإفراغ قطاع غزة، وهذه النقاط كلها ترتبط بما يسمى بـ”صفقة القرن” التي اقترحها الرئيس السابق، دونالد ترامب، في 2017، ووافق عليها السيسي، بحسب فضل.
ماذا يقول الإعلام المصري؟
الكاتب المصري عبد اللطيف المناوي نشر مقالًا في صحيفة “المصري اليوم“، اعتبر خلاله أن الاحتلال الإسرائيلي يضغط بشدة لتنفيذ مشروع إعادة التوطين، لإخلاء القطاع وتسليم إدارته لطرف آخر غير حركة “حماس”.
ويرى المناوي أن مصر تسعى للتهدئة وإطلاق عملية سلام حقيقية ضمن شروط مقبولة لجميع الأطراف، مشيرًا إلى رفض عدة رؤساء مصريين للمخطط الإسرائيلي، بحسب رأيه.
من جهته يرى الإعلامي محمد الشاذلي، في مقال نشرته صحيفة “الأهرام” الحكومية، أن مطالبة إسرائيل بفتح ممر إنساني باتجاه واحد من غزة إلى القاهرة، يعد الخطوة الأولى في مشروع التوطين، وهو ما رفضته القاهرة معتبرةً أنه انتهاك للقانون الدولي.
وفق الشاذلي، فإن مصر وعبر موقفها أنهت الاحتمال الذي تسعى إسرائيل إليه.
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، حسين هريدي، قال في لقاء تلفزيوني بثته قناة “إكسترا نيوز” المصرية، إن الخطة الإسرائيلية تهدف إلى توسعة قطاع غزة على حساب الحدود المصرية.
ووفق هريدي، تسعى إسرائيل لتوسعة قطاع غزة ليشمل مساحة 300 كيلومتر مربع إضافي من سيناء المصرية، في مقابل حصول القاهرة على أراض في صحراء النقب المحتلة.
وسبق أن قال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، داني أيلون، في تصريحات نقلتها قناة “الجزيرة” القطرية، إن على مصر الموافقة على “استيطان مؤقت” للفلسطينيين في سيناء، مع استعداد إسرائيلي لإعداد البنية التحتية اللازمة في الصحراء.
وبالتالي فإن المواقف المصرية المعلنة حتى اللحظة، قد لا ترتبط بالمخاوف من تصفية القضية الفلسطينية فقط، بقدر ما تتعلق بمحاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، حتى مع المخاطر التي قد تحملها هذه الصفقة.
رفض عربي ومخاوف من “حماس”
ويبدو أن القاهرة تلقت تأييدًا من عدة عواصم عربية، ظاهريًا ووفق البيانات الرسمية على الأقل، برفضها للخطوة الإسرائيلية.
وإضافة إلى البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومات العربية خلال الأسبوع الماضي، قالت وكالة “رويترز” في تقرير نشرته في 14 من تشرين الأول، إن الدعوات الإسرائيلية أثارت ردود فعل حادة.
ووفق الوكالة، لدى الدول العربية مخاوف عميقة من أن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع، ستحدث موجة نزوح دائم من الأراضي التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها.
وسبق للملك الأردني، عبدالله الثاني، أن رفض “أي محاولة لتهجير الفلسطينيين قسرًا من الأراضي الفلسطينية”، داعيًا لمنع امتداد الأزمة إلى دول الجوار.
ولا تتعلق المخاوف المصرية بتصفية القضية الفلسطينية فقط، بل كذلك بالميول إلى حركة “الإخوان المسلمون” لدى “حماس”، خاصةً مع الكم الكبير للمعارك العسكرية التي خاضتها القاهرة ضد “تنظيم الدولة” الإسلامية، وجماعات أخرى في سيناء.
وذكرت الوكالة أن القاهرة لديها مخاوفها من تسلل مسلحين من “حماس” إلى الأراضي المصرية.
وسبق للسلطات المصرية في خضم معاركها في سيناء عام 2013، أن شددت القيود على فتح المعبر، وقلصت الحركة خلاله وحظرت دخول الصحفيين ومنظمات الإغاثة، وفق صحيفة “الجارديان” البريطانية.
وأشار مقال نشره مركز “Responsible StarCraft“، في 13 من تشرين الأول، إلى أن الدعوات الإسرائيلية ليست وليدة اللحظة، وسبق أن تحدث عنها وزراء ينتمون إلى اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية.
المركز قال إن القاهرة تخلت لدى توقيعها لاتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1978 وتُعرف باسم اتفاقية “كامب ديفيد”، عن المطالبة بعودة قطاع غزة للإدارة المصرية، في مقابل إقامة حكم ذاتي فلسطيني.
كذلك فعل الأردن لدى توقيع اتفاقية “وادي عربة” في عام 1994، وتخلى عن المطالبة بالضفة الغربية.
ملوحًا باجتياح بري.. الجيش الإسرائيلي يطالب سكان غزة بالنزوح جنوبًا
وكانت الضفة الغربية تتبع إداريًا للأردن وقطاع غزة لمصر حتى حرب 1967، عندما احتلت إسرائيل هذه الأراضي، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، والجولان السوري المحتل.
ووفق المقال، فإن وجهة النظر الإسرائيلية ترى في أن نقل الفلسطينيين إلى خارج فلسطين هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، خاصةً مع الدعوة التي وجهها وزير المالية الإسرائيلي الحالي، بتسلئيل سموتريتش بتخيير الفلسطينيين بين الهجرة النهائية أو القبول بحكم إسرائيلي.
ويعيش في قطاع غزة 2.2 مليون فلسطيني، ويشكلون 40.5% من أجمالي عدد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، البالغ عددهم وفق وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا“، 7.1 مليون فلسطيني حتى عام 2022.
نفي إسرائيلي
وسبق أن نفت إسرائيل، عبر المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، في منشور عبر “إكس”، توجيه إسرائيل أي دعوة للفلسطينيين في غزة للتوجه إلى الأراضي المصرية.
كما نفت سفيرة إسرائيل في مصر، أميرة أورون، وجود “أي نيات لدى إسرائيل تتعلق بسيناء، مع الالتزام بمعاهدة السلام المبرمة”، وفق ما نقلت الصفحة الرسمية للسفارة الإسرائيلية في القاهرة عبر “فيس بوك“.
ويقابل النفي الرسمي من قبل إسرائيل تحليلات لسياسيين عرب حول المخطط الإسرائيلي للتغيير الديموغرافي.
وقال الدكتور في العلوم السياسية صالح النعيمي، في منشور عبر “إكس“، إن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تريدان جر مصر لمؤامرة تؤدي لنقل الفلسطينيين إلى سيناء.
وأضاف أن الأحاديث المتواترة حول فتح ممر إنساني يسمح بعبور الفلسطينيين إلى مصر، خطوة تهدف لتوسيع دائرة الأرض المحروقة ومغادرة قطاع غزة.
شبه جزيرة سيناء
وتقع سيناء في شمال شرقي مصر، وتبلغ مساحتها وفق الهيئة العامة للاستثمارات المصرية (حكومية)، 61 ألف كيلومتر مربع، ما نسبته 6% من إجمالي مساحة مصر، كما تملك 30% من سواحل البلاد البحرية.
وتعد شبه الجزيرة المصرية التي نجحت القاهرة باستعادتها بعد حرب تشرين “أكتوبر” 1973، من المناطق الصحراوية (باستثناء الجهة الشمالية منها)، وترتفع فيها الحرارة صيفًا.
ويبلغ عدد سكان سيناء 559 ألفًا و289 نسمة، ينقسمون إلى سكان حضر وبدو، وتتركز الكثافة السكانية في المدن الساحلية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :