شهدت الأيام الماضية تصعيدًا إسرائيليًا في هجومها على قطاع غزة من جهة، وعلى الأراضي السورية من جهة أخرى، إذ قصفت بشكل متزامن أكبر مطارين في سوريا، وأعادت القصف بعدها بيومين على مطار “حلب” الدولي، فيما وصفت هذه الهجمات بأنها “رسالة تحذيرية” لإيران.
استهدفت إسرائيل، في 12 من تشرين الأول الحالي، مطاري “حلب” و”دمشق” بغارات صاروخية في وقت متزامن ما أدى إلى تضرر مهابطهما وخروجها عن الخدمة.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري (لم تسمّه) قوله، إنه “حوالي الساعة 13:50 من بعد ظهر الخميس، نفذ العدو الإسرائيلي بالتزامن عدوانًا جويًا برشقات من الصواريخ مستهدفًا مطاري (حلب) و(دمشق) الدوليين، ما أدى إلى تضرر مهابط المطارين وخروجهما عن الخدمة”.
وأضاف المصدر أن “هذا العدوان هو محاولة يائسة من العدو الإسرائيلي المجرم لتحويل الأنظار عن جرائمه التي يرتكبها في غزة، والخسائر الكبيرة التي يتعرض لها على يد المقاومة الفلسطينية، وهو جزء من النهج المستمر في دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة التي يحاربها الجيش السوري في شمالي البلاد، والتي تشكل ذراعًا مسلحًا للكيان الإسرائيلي”.
وندّدت الخارجية السورية بالهجوم الإسرائيلي وقالت في بيان إنه “يندرج في سياق محاولات كيان الاحتلال المتواصلة لتصدير أزماته وتأجيج الأوضاع في المنطقة وحرف الأنظار عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والمجازر الجماعية التي يرتكبها بحق الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة”.
من جانبه، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في اعتراف نادر، إن القصف جاء ردًا على إطلاق قذائف هاون من سوريا، متوعدًا بتدمير المزيد من الأهداف خلال الأيام المقبلة.
ولم تطل مدة التهديد، إذ استهدف الطيران الإسرائيلي مرة أخرى مطار “حلب”، مساء السبت 14 من تشرين الأول، في هجوم أخرجه مجددًا عن الخدمة بعد أن عاد للعمل في اليوم الذي سبقه.
وقال متحدث الجيش الإسرائيلي، في بيان، إن “رئيس الأركان، الجنرال هرتسي هاليفي، يعلن تدمير مطار (حلب) مجددًا، ردًا على الصاروخ الذي أطلق من سوريا تجاه الأراضي الإسرائيلية الساعة الماضية”.
رسائل سياسية
أقرّت إسرائيل، في اعتراف نادر، بأنها استهدفت مطاري “دمشق” و”حلب”، في 12 من تشرين الأول الحالي، بهدف “توجيه رسالة إلى إيران بألا تتدخل في حرب غزة”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في 13 من تشرين الأول، إن الضربات التي وجهتها إسرائيل لسوريا عند زيارة وزير الخارجية الإيراني لدمشق رسالة تحذير لإيران ولكل المنظمات الإرهابية بأن عليهم ألا يتدخلوا في الحرب، مشيرًا إلى أن الضربة لم يكن القصد منها أن تصيب الوزير، وإنما تحذير لسوريا التي هي ممر لاستقبال صواريخ إيران إلى “حزب الله”.
وتزامن القصف الإسرائيلي على مطار “دمشق” مع أنباء عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق، وفق ما نشرته صحيفة “الوطن” المقربة من حكومة النظام عن مصادر خاصة.
مصدر دبلوماسي قال لوكالة “سبوتنيك”، إن طائرة وزير الخارجية الإيراني غيرت مسارها وعادت إلى طهران، بعد تعذر هبوطها في المطارات السورية جراء القصف الإسرائيلي.
وأظهر موقع “FlightRadar 24” المتخصص بمراقبة حركة الطيران تغيير مسار الطائرة الإيرانية من شركة “Mahan Air” بعد دخولها شرقي الأراضي السورية بالتراجع إلى خارجها.
الباحث المتخصص بالشؤون الإيرانية محمود البازي، قال لعنب بلدي، إن أسباب القصف لا تخرج عن سببين، الأول منع انتقال الأسلحة إلى سوريا، ومنع إيران من التحضر لاحتمالية فتح جبهة جديدة في الحرب.
وثانيًا إرسال رسالة لحكومة النظام تردعها عن التدخل في المعركة، وفق البازي، الذي يرى أن إسرائيل تحاول “دق إسفين خلاف” بين إيران وسوريا، في محاولة للضغط على الأخيرة لمنع الإيرانيين من استخدام الأراضي السورية لضرب إسرائيل.
المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، يرى أيضًا أن الضربات الإسرائيلية المتكررة لتعطيل مطاري “دمشق” و”حلب” هي مؤشر قوي إلى أن إيران تحاول نقل “أسلحة استراتيجية إلى سوريا أو عبرها لفتح جبهة شمالية”، وأن الإسرائيليين عازمون على منع ذلك.
التلويح بجبهة جديدة
مع استمرار القصف الإسرائيلي والحصار على قطاع غزة بفلسطين المحتلة، أطلقت عدة قذائف من جنوبي لبنان على أهداف إسرائيلية وبشكل مشابه من جنوبي سوريا نحو الجولان المحتل، وهو ما أثار المخاوف الإسرائيلية من احتمالية فتح جبهات جديدة.
وبينما تجاهل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، القصف الإسرائيلي لمطاري “دمشق” و”حلب” الدوليين، خلال لقائه عبد اللهيان بدمشق، في 13 من تشرين الأول، لوح الأخير في أكثر من مناسبة باحتمال فتح جبهات أخرى.
وبشكل مشابه، قالت وزارة الخارجية الروسية تعليقًا على الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، إنها قد تؤدي إلى “تصعيد مسلح على صعيد المنطقة ككل”.
ويرى الباحث المتخصص بالشؤون الإيرانية محمود البازي عدم وجود ارتباط بين زيارة عبد اللهيان إلى دمشق والقصف الإسرائيلي، كون الزيارة تأتي ضمن جولة إقليمية بدأت بالعراق وشملت لبنان وسوريا وقطر.
وأشار البازي إلى أن أهم جملة قالها عبد اللهيان في هذه الزيارات هي التلويح بإمكانية فتح جبهات جديدة مع إسرائيل.
وعلى عكس ما تصوره وسائل الإعلام بأن قرار التدخل بيد إيران، يعتقد البازي بأن هناك “تقاسمًا للأدوار”، وقرار التدخل هو بيد الجماعات المرتبطة بإيران مثل “حزب الله” والفصائل العراقية و”الحوثيين”، وهذا دون نفي إمكانية التشاور الفعال مع طهران.
وعلى الرغم من انشغالها بالجبهة الداخلية، فإن إسرائيل تراقب سوريا وجنوبي لبنان لمنع فتح جبهات جديدة، وفق الباحث بالشؤون الإيرانية، الذي يعتقد بأن إسرائيل ستستمر بتنفيذ الضربات ضد سوريا ضمن الاستراتيجية السابقة.
تشهد مناطق سورية عدة تحركات متصاعدة للميليشيات التابعة لإيران، تتمثل بتغيير مواقع ونقل سلاح وذخيرة من مكان لآخر، بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مطاري “دمشق” و”حلب”.
وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، في 13 من تشرين الأول، أنه رصد عمليات إعادة تموضع عدة قامت بها الميليشيات التابعة لإيران في دمشق وريفها وحمص ودير الزور، تخوفًا من ضربات إسرائيلية جديدة، حيث جرت عمليات نقل أسلحة وذخائر لمواقع تعتقد الميليشيات أنها أكثر آمنًا من سابقتها، كما أوعزت لعناصرها بالاستنفار ورفع الجاهزية في المناطق المذكورة.
–