الجولان.. جبهة إيرانية لاستثمار “الطوفان”

  • 2023/10/15
  • 12:35 م
مقاتلون في صفوف النظام السوري خلال تخريج دورة "طلاب ضباط"- 15 تموز 2023 (وزارة الدفاع)

مقاتلون في صفوف النظام السوري خلال تخريج دورة "طلاب ضباط"- 15 تموز 2023 (وزارة الدفاع)

حسام المحمود | حسن إبراهيم | خالد الجرعتلي

في 7 من تشرين الأول الحالي، شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة تصعيدًا مختلفًا، بدأته هذه المرة “كتائب القسام” (الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”)، دون تمهيد مسبق، ما قوبل بتصعيد إسرائيلي عنيف أنتج استهدافًا جويًا للأحياء السكنية والمرافق الحيوية في القطاع، مع التلويح باجتياح بري بعد قطع المياه والكهرباء وسبل العيش، وسط تحشيد سياسي لخدمة الرواية الإسرائيلية للحدث.

أنتج ذلك اصطفافات سياسية على المستوى العربي حول القضية الفلسطينية ملقية بتأثيرها على الواقع السوري، بحكم الجغرافيا، و”سردية المقاومة” التي يصدّرها النظام إلى جانب حليفه اللبناني “حزب الله”.

وأمام هذه التطورات، نأى النظام السوري بنفسه إلى الآن عن فتح جبهة شمالية، رغم تعرضه في أيام التصعيد لقصف إسرائيلي لأبرز مطارين في سوريا، واكتفى برسائل تضامن رسمية، بالتشاور مع حليفته إيران، التي تمتلك النفوذ على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف التأثير المحتمل على سوريا جراء التصعيد في الأراضي المحتلة، وارتباط التصعيد بالوجود الإيراني في سوريا، ونفوذ “حزب الله” في ظل وجود تهديدات تسعى لتنحيته عن الصراع.

فلسطينيون يسيرون وسط أنقاض منطقة مدمرة بقصف إسرائيلي في مدينة غزة – 9 من تشرين الأول 2023 (EPA)

كيف تعاطى النظام مع الحدث؟

قطع النظام السوري الحداد الوطني، الذي بدأ في 6 من تشرين الأول الحالي، وكان مقررًا أن يستمر حتى 8 من الشهر نفسه، بعد هجوم طال الكلية الحربية في حمص، موقعًا 89 قتيلًا خلال حفل تخريج دفعة من ضباط الكلية، واتجهت تغطيته الإعلامية منذ بدء التصعيد في فلسطين المحتلة للتركيز على أخبار ومستجدات العملية الفلسطينية وما يقابلها من تصعيد إسرائيلي، وبدا ذلك بوضوح بالمقارنة بين تغطيات الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) في 6 و7 من تشرين الأول.

وينطبق هذا على وسائل الإعلام الرسمية، مثل “الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون”، وقناة “الإخبارية السورية”، وصحيفة “تشرين”، ووسائل الإعلام المقربة، مثل صحيفة “الوطن”، وإذاعة “شام إف إم”، كما نشرت “رئاسة الجمهورية” عبر معرفاتها صورة تعبيرية كرسالة مباركة لعملية “طوفان الأقصى”.

ورغم حالة الحذر الإسرائيلي في منطقة الجولان المحتل، لم تبلغ الحالة في تلك المنطقة مستوى التصعيد المباشر، واقتصرت في البداية على رفع حالة التأهب الإسرائيلي في الجولان، والمثلث الحدودي مع لبنان، ونقل تعزيزات لألوية “النخبة” (غولاني وناحال) من الهضبة إلى العمق المحتل، مع تحليق مكثف لطيران الاستطلاع في اليوم الأول من العملية.

وفي 10 من تشرين الأول، استهدفت المدفعية الإسرائيلية مواقع متفرقة جنوبي سوريا بين محافظتي درعا والقنيطرة، على خلفية انطلاق قذائف من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل.

وأفاد مراسلا عنب بلدي في محافظة درعا حينها، أن أصوات القصف دوت في المنطقة حينها.

المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، قال عبر موقع “إكس” (تويتر سابقًا)، إن عملية إطلاق قذائف رصدت من داخل الأراضي السورية باتجاه إسرائيل وسقطت على ما يبدو في مناطق مفتوحة.

وأضاف في منشور منفصل أن القوات الإسرائيلية ردت بقصف مدفعي ونيران قذائف “هاون” نحو مصادر النيران داخل الأراضي السورية.

ونقلت وكالة” رويترز” عن مصدر جنوبي سوريا، لم تسمِّه، أن فصيلًا فلسطينيًا أطلق ثلاثة صواريخ باتجاه إسرائيل.

وفي مساء 7 من تشرين الأول، تلقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اتصالًا هاتفيًا من رئيس الإمارات، محمد بن زايد، جرى خلاله بحث التطورات في الأراضي الفلسطينية، تبعه، في 12 من الشهر نفسه، اتصال آخر مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لبحث الملف ذاته، مع تأكيد الطرفين على الموقف الداعم للشعب الفلسطيني والمقاومة المشروعة، إلى جانب التشديد على أن “السياسات الصهيونية” هي التي تتسبب في سفك الدماء، وفق ما نقلته “رئاسة الجمهورية”.

وفي 13 من تشرين الأول، استقبل رئيس النظام السوري وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في دمشق.

وذكرت وكالة “سانا” أن الأسد أكد الوقوف مع الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي لنيل حقوقه المسلوبة منذ أكثر من سبعة عقود، مشددًا على خطورة ودموية ما يقوم به الجيش الإسرائيلي.

وبعد دمشق، زار عبد اللهيان لبنان، والتقى أمين عام “حزب الله”، حسن نصر الله، وقال من بيروت، “نحن جئنا إلى بيروت لنعلن بصوت مدوٍّ أننا إلى جانب الدول والحكومات الإسلامية، لن نحتمل جرائم الكيان الصهيوني ضد المواطنين في قطاع غزة”، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا).

القصف الجوي لا يتوقف

التركيز الإسرائيلي بالقصف والتصعيد والتهجير في قطاع غزة، لم يشغل الطيران الإسرائيلي عن الأهداف التي يقصفها في سوريا بشكل متكرر، إذ تعرض مطارا “حلب” و”دمشق” لهجوم متزامن هو الأول من نوعه، في 12 من تشرين الأول، قبل وصول طائرة وزير الخارجية الإيراني، ما أدى إلى عودتها.

ونقلت “سانا” عن مصدر عسكري (لم تسمِّه) قوله، إن “العدو الإسرائيلي نفذ بالتزامن عدوانًا جويًا برشقات من الصواريخ مستهدفًا مطاري (حلب) و(دمشق) الدوليين، ما أدى إلى تضرر مهابط المطارين وخروجهما عن الخدمة”.

وقال مصدر أمني “رفيع المستوى” لوكالة” سبوتنيك” الروسية (لم تسمِّه)، إن طائرات إسرائيلية أطلقت عددًا من الصواريخ من فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، استهدفت محيط مطار “دمشق”، وطائرات أخرى استهدفت مطار “حلب” الدولي بصواريخ موجهة من فوق المياه الإقليمية، قبالة السواحل السورية.

كما نقلت القناة “10” الإسرائيلية عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في اعتراف نادر، أن قصف مطاري “حلب” و”دمشق” جاء ردًا على إطلاق قذائف هاون من سوريا، متوعدًا بتدمير مزيد من الأهداف خلال الأيام المقبلة.

ولا تتبنى إسرائيل عادة قصفها للمواقع والنقاط العسكرية في مناطق سيطرة النظام، وتكتفي بنقل تغطيات النظام السوري لأخبار القصف، دون نفيها في الوقت نفسه.

وفي 3 من تشرين الأول، قصفت إسرائيل محيط محافظة دير الزور، شمال شرقي سوريا، وأفاد حينها مراسل عنب بلدي في المنطقة بوجود جرحى إيرانيين، وفق ما أكده مصدر طبي من داخل المستشفى، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، دون تحديد عدد الجرحى، في وقت طوقت به قوات النظام المستشفى.

ما حدود التصعيد بالنسبة للأسد؟

التصعيد الإسرائيلي في غزة، والمناوشات على حدود لبنان مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، فتحا الباب أمام تساؤلات تتعلق باحتمالية شن تصعيد من الأراضي السورية نحو الأراضي المحتلة على جبهة الجولان.

الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”، المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، استبعد هذه الفرضية.

وقال هيلر لعنب بلدي، “لا أتوقع أن يتدخل الجيش السوري بنفسه ضد إسرائيل، مع تطور الصراع في غزة واحتمال انتشاره على المستوى الإقليمي”.

لكن الباحث لم يستبعد أن تنضم إلى الصراع فصائل مسلحة أخرى تعمل في سوريا، كما جرى قبل أيام، دون معرفة ما إذا كانت جميع الفصائل الموجودة الآن في سوريا (الفصائل غير السورية على وجه التحديد) ستحترم وتلتزم بقرار دمشق في هذا الشأن، أو إذا كان بعضها قد يتصرف بشكل مستقل.

من جانبه، اعتبر الباحث في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، أن استخدام سوريا كساحة للقتال يطرح تساؤل حول مدى قدرة النظام السوري على تقييد حرية حركة الميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري.

وبحسب الخليل، فمن الصعب تحديد مدى قدرة الأسد على لجم الإيرانيين ونفوذهم داخل مناطق سيطرته، لكن المؤشرات المتاحة حاليًا تفيد بأن طهران قادرة على تفعيل جبهة الجولان، لو أرادت، وأنها قد تستخدمها بالفعل في المستقبل القريب، إذا زاد الضغط على غزة بصورة لا تستطيع طهران تحمّل تكلفتها السياسية والمعنوية عليها، بوصفها زعيمة لـ”محور المقاومة” الذي تتبع له حركة “حماس”.

مقاتلون في صفوف النظام السوري خلال تخريج دورة “طلاب ضباط”- 15 تموز 2023 (وزارة الدفاع)

طهران تقود المحور

تضاربت الأنباء بشأن ضلوع إيران بالتخطيط للعملية العسكرية التي شنتها “حماس”، عبر صحف حمّلت طهران مسؤولية تنسيق العملية والوقوف خلفها، مستندة في ذلك إلى تصريحات مسؤولين إيرانيين ومقربين من إيران، ما قوبل بنفي أمريكي وإيراني أيضًا.

تدعم إيران جماعات وحركات “مقاومة” فلسطينية، منها “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، وتقدم حوالي 100 مليون دولار سنويًا لها، وفق تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عام 2020.

وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 8 من تشرين الأول، أن إشارة الهجوم انطلقت من قادة إيرانيين، خلال اجتماع ضم قادة فلسطينيين أيضًا، قبل أسبوع واحد من شن “حماس” للعملية.

ونقلت الصحيفة عن أعضاء في “حماس” و”حزب الله”، أن ضباطًا من “الحرس الثوري الإيراني” عملوا مع “حماس” على الهجوم، منذ آب الماضي، واستمرت اللقاءات بشكل دوري كل أسبوعين، وحضر بعض هذه الاجتماعات الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، وقائد “الجهاد الإسلامي”، زياد نخالة، ونائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، صالح العاروري، بالإضافة إلى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.

ونقلًا عن مسؤول إيراني قالت الصحيفة، إنه في حال تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي، فإنها سترد من لبنان واليمن وإيران، وسترسل مقاتلين إيرانيين من سوريا لمهاجمة مدن في شمالي وشرقي إسرائيل.

المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، ذكر أن إيران ربما كانت على علم بالتحضيرات لعملية “حماس” ضد إسرائيل، لكنها لم تعرف تفاصيلها من حيث التوقيت الدقيق أو الحجم، وقال إن واشنطن ليست لديها معلومات أو دليل يشير إلى أن “إيران وجهت أو دبرت الهجوم الذي نفذته (حماس)”.

وقال وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إن بلاده لم ترَ أي تورط لإيران في تخطيط أو تنفيذ الهجوم على إسرائيل، مضيفًا أن بلاده “ستظل مركزة على هذا الأمر” لأن “إيران لديها سجل طويل في دعم (حماس)”.

بعد توارد اتهام إيران بالتخطيط للهجوم، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن أي “عمل غبي ضد إيران سيقابَل برد مدمر”.

من جهته، نفى المرشد الإيراني، علي خامنئي، ضلوع طهران في العملية، وأشاد بما وصفها بالهزيمة العسكرية والاستخباراتية “التي لا تعوض” لإسرائيل، مذكّرًا بالدعم والدفاع الإيراني عن فلسطين “ونضالاتها”، وفق خطاب متلفز له في 10 من تشرين الأول.

وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إن كل الاحتمالات واردة في حال عدم توقف “جرائم حرب الكيان الصهيوني”، وفي حال استمرار الجرائم ضد الفلسطينيين سـيقابَل ذلك بالرد من “بقية المحاور“، وذلك خلال مؤتمر صحفي في بيروت مع نظيره اللبناني، عبد الله بو حبيب، في 13 من تشرين الأول.

هل تحرك إيران قواتها في الجنوب السوري

مقارنة بالقوات العسكرية الخارجية في سوريا، تملك إيران نفوذًا كبيرًا في مدن وبلدات الجنوب السوري عبر أذرعها وميليشياتها من “الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني، ويبلغ عدد مواقعها العسكرية 44 موقعًا في درعا و33 في القنيطرة و15 في السويداء، وفق تحليل بحثي أجراه مركز “جسور للدراسات” بالتعاون مع مؤسسة “إنفورماجين لتحليل البيانات”.

ومنذ بداية الثورة السورية في 2011، سعت إيران إلى تشكيل كيانات عسكرية محلية، لتكوين مجموعات رديفة لقوات النظام، وتمكنت من تجنيد الشبان، ومن أبرز التشكيلات في الجنوب السوري “فوج الجولان” المرتبط بـ”حزب الله”، وانتشرت هذه المجموعات في المناطق القريبة من الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل.

مراسل عنب بلدي في القنيطرة قال إن تحرك قوات تابعة لـ”حزب الله” وإيران تراجع قبل أشهر بعد قصف مدفعي إسرائيلي طالها، ومع تسارع الأحداث العسكرية في غزة عادت تحركات عسكرية لمجموعات معروفة بتبعيتها لـ”حزب الله” في مناطق قرص النفل وبريقة وبئر عجم وخان أرنبة وغدير البستان.

الاحتمالات مفتوحة

الباحث المختص بالشأن الإيراني محمود البازي، لفت إلى وجود مؤشرات على إعادة انتشار للجماعات المسلحة المدعومة من إيران، ما يعني إرسال طهران تعزيزات عسكرية إلى الجنوب السوري تحسبًا لأي تطورات مقبلة قد تدفعها إلى فتح جبهة سوريا في مواجهة إسرائيل.

وقال البازي لعنب بلدي، إن سحب إيران للقوات سيكون من الجبهة الشمالية- الغربية من سوريا وليس من الجبهة الشرقية، لأن دير الزور تشكل أهمية استراتيجية عالية المستوى، ومن الممكن أن تستغل الولايات المتحدة هذه المنطقة لقطع الارتباط الحيوي بين سوريا والعراق الذي يعتبر شريانًا مهمًا للتدفق بين الحدود.

من جهته، رجّح الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي أن تستثمر إيران الصخب الشعبي الكبير المناصر للقدس والأقصى، لتعيد التموضع والانتشار داخل سوريا بذريعة دعم “طوفان الأقصى”، مشيرًا إلى أن تحركات إيران في سوريا اليوم ربما اختلفت بعد إغلاق شبه كامل لمعبر “القائم” العراقي مع البوكمال (حيث تتمركز قوات مكافحة الإرهاب العراقية).

وأضاف النعيمي، في حديث إلى عنب بلدي، أن الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مطاري “حلب” و”دمشق” الدوليين ربما ستنعكس سلبًا على المشروع الإيراني، لمنع وصول أي شحنات أسلحة من طهران إلى دمشق.

حتى اللحظة لا مؤشرات على أن إيران ستستخدم الأراضي السورية منطلقًا لعملياتها العسكرية تجاه إسرائيل، لعدم إحراج النظام حتى لا يكون هدفًا إسرائيليًا، الأمر الذي يؤثر على مشروع إيران في المنطقة العربية.

مصطفى النعيمي – باحث في الشأن الإيراني

 

ويرى النعيمي أن إيران تعتبر النظام السوري وتدًا أساسيًا في المنطقة العربية، لذلك لن تضحي بتلك المكتسبات التي حققتها عبر سنوات لأجل اشتباك ربما يعتبر عند صناع القرار الإيراني خاسرًا، وبالتالي لن تقدم على تلك الخطوة لأنها ستتضرر.

ولا يعني عدم استخدام الأراضي السورية أن إيران لن تقوم بالرد على مصادر النيران من داخل الأراضي الفلسطينية باتجاه سوريا، وفق النعيمي، الذي أشار إلى إمكانية الاستهداف بوتيرة أعلى من كلا الطرفين لكن دون أن يحقق ذلك أي أهداف تكتيكية على المدى المنظور.

الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، قال لعنب بلدي، إن إيران تعيد تموضع ميليشيات ومقاتلين مدعومين منها، لتجعلهم جاهزين للتحرك على تخوم الجولان المحتل، في حال اتخذت طهران قرارًا باستخدام هذه الجبهة للضغط على إسرائيل.

واعتبر الخليل أن إطلاق قذائف “هاون” من سوريا على مرتفعات الجولان المحتلة استفزاز محدود الأثر والقيمة، لكنه يشير إلى استعداد إيراني لتفعيل جبهة “الجولان”، لتخفيف الضغط عن غزة، في حال استمر الإسرائيليون في حربهم وفق مبدأ “الأرض المحروقة” على القطاع، بصورة تهدد قدرة حركة “حماس” على الصمود الطويل الأمد.

ويرى الخليل أن استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، وظهور مؤشرات انهيار محتمل لمقاومة حركة “حماس”، وارتفاع أعداد القتلى الفلسطينيين بصورة كبيرة، سيجعل الأمر مصدر حرج كبير لمحور “المقاومة”، بزعامة إيران، وهو ما قاله وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، صراحة خلال زيارته إلى بيروت، مؤكدًا أن “استمرار الجرائم بحق الفلسطينيين سيلقى ردًا من (بقية المحاور)”.

جنود من الجيش الإسرائيلي قرب من مدفع “هاوتزر” ذاتي الدفع قرب الحدود مع غزة- 12 من تشرين الأول 2023 (AFP)

 

احتمالية أن تهاجم إيران إسرائيل من سوريا ضئيلة، وإذا قررت تفعيل جبهات أخرى لتخفيف الضغط عن غزة، فسوريا أسبق من لبنان، لأن حربًا شاملة بين (حزب الله) وإسرائيل ستكون مكلفة للغاية على صعيد الحاضنة الشعبية للحزب، بينما قد تكون التكلفة أقل في سوريا من منظور طهران ومصالح (حزب الله).

نادر الخليل – باحث زميل في مركز “عمران للدراسات”

ما حجم تدخل “حزب الله”؟

بينما كانت الآليات العسكرية تنشط جنوبي الأراضي الفلسطينية المحتلة، توجهت الأنظار نحو نقاط تمركز عناصر “حزب الله” اللبناني، الذي لم ينخرط في المعارك واكتفى بالبيانات السياسية حول التصعيد، والمناوشات العسكرية في إطار الردود بين الجانبين.

قصف متبادل شهدته المناطق الجنوبية اللبنانية بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي، كان يوحي بأن المواجهة اندلعت بين الجانبين، لكن “الحزب” لم يتخذ موقفًا واضحًا على الصعيد العسكري من مجريات الأحداث، باستثناء رده على هجمات شنتها الوحدات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني.

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمود البازي، قال لعنب بلدي، إن إسرائيل تحاول اختبار جهوزيتها على حدودها الشمالية، بينما يحاول “حزب الله” توجيه رسائل لثني إسرائيل عن تنفيذ حملة عسكرية برية واسعة النطاق في قطاع غزة.

ويرى البازي أن اتساع رقعة المواجهات، إن حدث، سيكون بشكل تدريجي، بحيث يبدأ “حزب الله” القتال، وتنضم له الجبهات الإيرانية الأخرى في سوريا والعراق واليمن، لكن تدخل إيران لن يكون إلا بمرحلة أخيرة، إذا تعرضت لاعتداء.

المحلل المتخصص في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى من جانبه أن الاستهدافات المتبادلة سواء من إسرائيل أو “حزب الله” لا تزال ضمن مفهوم “رسائل سياسية بأدوات عسكرية”.

النعيمي قال لعنب بلدي، إن كلا الطرفين يضغط على الجبهات بهدف تحقيق أعلى المكتسبات في هذا الملف، رغم أن حالة عدم الارتياح بالنسبة للجيش الإسرائيلي باتت واضحة، لكن معالجة ملف “حزب الله” من الأهداف الإيرانية، وقد تسهم بشكل أو بآخر في إضعاف قوته بمختلف مناطق انتشاره في سوريا أو لبنان.

السياسي والنائب السابق في البرلمان اللبناني مصطفى علوش، قال لعنب بلدي، إن دخول إيران على خط القضية الفلسطينية، واستغلالها، كان مسببًا في الحيلولة دون إيجاد حلول لها.

وأضاف أن جميع الأطراف ذات الصلة بالصراع الحاصل في فلسطين باتت بمأزق حقيقي مع التطورات التي شهدتها المنطقة، لا سيما إسرائيل التي صارت تحتاج إلى “انتصار شبه مستحيل” لرد اعتبارها وإعادة ثقة مواطنيها.

ويرى علوش أن أتباع إيران، وعلى رأسهم “حزب الله” اللبناني والميليشيات الأخرى، بموقف حرج، كونهم يقفون متفرجين اليوم وسيفقدون شهرتهم المرتبطة بالقضية الفلسطينية.

وبناء على الحالة التي تمر بها الأطراف، قال علوش، إن “الاحتمال الأكبر” اتساع رقعة الحرب وانغماس “حزب الله” فيها، وربما سوريا لاحقًا، وهو ما سيكون كارثيًا على لبنان بالذات.

قوات من “لواء القدس” المدعوم من إيران في مناطق شرقي سوريا- 26 من نيسان 2020 (أوليج بلوخين)

هل يرتبط “حزب الله” بسوريا

في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، وصف الباحث في مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” دانييل بايمان “حزب الله” بأنه “أكثر مهارة” من الجماعات المسلحة الأخرى، وربما الأكثر مهارة في العالم، كونه خاض قتالًا ضد إسرائيل عام 2006، وشاركت قواته في الحرب السورية منذ بدايتها في عام 2011 تقريبًا، مثبتًا أنه “قوة استقرار” لنظام الأسد المترنح.

وشملت المهام القيام بدوريات على الحدود السورية- اللبنانية، ومحاربة “المتمردين السنة” في عدة مدن سورية، واستخدام طائرات دون طيار لضرب أهداف من تنظيم “الدولة الإسلامية”، بحسب بايمان الذي ربط العلاقة بين “حزب الله” والنظام بما يحصل اليوم.

في الوقت نفسه، استبعد النعيمي تدخل “حزب الله” والنظام بالحرب بشكل مباشر على الصعيد الرسمي، لكن النظام سيسهل لـ”الحزب” وميليشيات أخرى غير رسمية فتح جبهات قتال ضد إسرائيل.

وعلى صعيد الارتباط العضوي بين الجنوب السوري والجنوب اللبناني، قال الباحث محمود البازي، إنه لا ارتباط بين الجنوبين منذ عام 2006، إذ لا تنظر سوريا إلى لبنان على أنه مرتبط بأمنها القومي، ولا ضرورة لمشاركة الجانبين بجبهات القتال، إن فُتحت إحداها.

وفي الوقت نفسه، يرى البازي أن الانخراط السوري في هذا النوع من المواجهات قد يقتصر على الجانب غير الرسمي، كونه مرتبطًا بتطورات أوسع تتعلق بتدخل أطراف أخرى إلى جانب إسرائيل مثل الولايات المتحدة.

الباحث قال إن التهديدات التي صدرت عن الجماعات الشيعية العراقية وجماعة “أنصار الله” الحوثية في اليمن، بالتدخل في حال انخراط الولايات المتحدة بالحرب، يجب الالتفات إليها، إذ يمكن لهذه الجماعات تفعيل الجبهات عبر استهداف القواعد الأمريكية بالمنطقة، وليس الانخراط بشكل مباشر في صراع مع إسرائيل، وهو ما يشار إليه باسم “المواجهات المحدودة”.

“حزب الله” في سوريا تحت أعين إسرائيل

في تقرير أصدره مركز “ألما” الإسرائيلي، عام 2020، حول انتشار ميليشيات تدعمها إيران في الجنوب السوري، أبرزها “حزب الله”، قال إن هناك 58 موقعًا ومنطقة تنتشر فيها هذه الوحدات، وتتوزع في 28 مكانًا تتمركز فيها وحدة يطلق عليها “القيادة الجنوبية”، إلى جانب 30 موقعًا آخر توجد فيها “خلايا إرهابية” تابعة لوحدة تحمل اسم “ملف الجولان”.

وتعتبر وحدة “القيادة الجنوبية” تابعة بشكل كامل لـ”حزب الله”، وأغلبية عناصرها لبنانيو الجنسية، وهم المسؤولون عن إدارة ملف الجنوب السوري.

ويتمثل دورها الرئيس في إنشاء بنية تحتية تشغيلية لجميع أنشطة “حزب الله” في الجنوب السوري، مع التركيز على المنطقة الحدودية مع إسرائيل، بحسب “ألما”.

وأضاف المركز أن من بين مهام هذه المجموعة، تأمين البيئة المناسبة للقوات الموالية لإيران، لدخول أي حملة ضد إسرائيل فورًا في حال تلقيها الأمر بذلك.

مقاتلو “حزب الله” خلال مسيرة لإحياء يوم القدس في الضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان – 14 من نيسان 2023 (AP)

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات