عروة قنواتي
كثيرًا ما تعزف أيامنا ألحانًا من الحزن والفقد والضمير، وتمر مأساة العصر بكل تفاصيلنا وخصوصًا في القضايا الإنسانية التي ارتبطنا وما زلنا نرتبط بها شئنا أم أبينا، وعلى رأسها قضية شعبنا الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال والخذلان العربي والأممي منذ 75 عامًا حتى اليوم، حيث يدمر الاحتلال قطاع غزة على رؤوس المدنيين، يحرق بيوتهم ومدارسهم وبنيتهم التحتية، يقتل البشر والحجر بقصفه الإجرامي الدموي، والعالم يصفق، ويبارك، ويهلل.
في حب فلسطين تنبع من قلوبنا وحناجرنا كلمات يدفعها الضمير لكي تقال في زمن عزت به مواقف الرجال وأصالة الأبطال في الحرب والسلم، رياضيين كنا أم إعلاميين أم نقادًا أم جماهير عاشقة للرياضة وللإنسانية ولرفض الظلم أينما كان في هذا العالم الذي يناصر قضية ويذبح بصمته قضايا.
لا أملك أنا وغيري ما نغيّر به المشهد الدامي المحيط بقطاع غزة وبالأرض الفلسطينية، ولا أملك أي قدرة على إقناع من لم يتضامن أو من التزم الصمت بأن الإنسانية لا تتجزأ، وليست لدي النية بأن أهاجم أحدًا، فالحياة موقف، والمواقف تحتاج إلى أصحابها ومن يتبناها ويضحي لأجلها بكل صدق. بالتأكيد لن يكون كل العالم متضامنًا مع قضية بعينها، حتى مقتل فلويد على يد الشرطي الأمريكي الذي هز العالم بأسره كان هنالك من يدافع عن تصرف الشرطي، وكان هنالك من هو مستعد لدفع كفالات نقدية لإخراج الشرطي من السجن إذا اقتضى الأمر ذلك، فما بالكم بالقضية الفلسطينية والحقوق المسلوبة والجرح الغائر في صدور أهل الأرض منذ عقود طويلة. من الطبيعي أن تشاهد أكثر من نصف العالم يتضامن مع الاحتلال الإسرائيلي وما يسمى بحقه في الدفاع عن نفسه وبحقه بالتسليح والاعتقال والحصار والتغييب والتطاول، بينما لا حق لصاحب الأرض في أي شيء.
إنما نعتب على من نحب ونعشق، نعتب ويسبقنا الألم على من نعتبرهم قدوتنا وقدوة كثير من عشاق الرياضة في العالم أو عشاق الفن أو عشاق الثقافة في الكرة الأرضية، نعتب على صمتهم أو لا مبالاتهم في حكاية لا تتطلب التبرعات ولا الشعارات ولا المناصرة بالقتال والدفاع بقدر ما تحتاج إلى ضمير. نعم، أنا أعتب بمحبة على النجم العربي المحترف محمد صلاح، وأعتب وأحزن لصمت مشابه يتكرر هنا وهناك من نجوم عرب وشخصيات مهمة تستطيع التأثير بمواقفها لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بحياة المدنيين على الأقل، بأن يشعر هذا الشعب المكلوم الذي لم يقصر يومًا بحب النجم وبرفع صوره وتشجيعه بأن هناك من يتضامن مع مأساته قبل أن تقتله الآلة الوحشية للاحتلال.
بمقدار عتبي لا أجد ممرًا لشكر من تضامن، فالقضية ليست مهرجانًا تكريميًا وليست مسابقة ومنافسة على بطولة يجب أن تقول فيها مبارك للفائز و”هاردلك” للخاسر. لست أنا من يشكر محرز أو النني أو أُنس جابر أو الكثير من النجوم العرب الذين تضامنوا بما يستطيعون وبما شعروا بضميرهم على أنه الضروري والمطلوب الآن دون اصطفافات وجدالات ودون مصادمات مع أحد.
التاريخ هو من يسجل المواقف، وهو الأكثر توثيقًا بحق من انشغل في هذه الأيام بحب فلسطين ومن أشعل من ضميره تضامنًا ومواساة للمساكين والضحايا، وبحق من فضّل الصمت وعدم التدخل والضياع بين المواقف.
نحبكم حتى لو لم تتضامنوا معنا في قضايانا، ولكن بالتأكيد نحب سوريا وفلسطين والمظلومين وحقهم في الحياة أكثر منكم. والحياة موقف، موقف وضمير في حب فلسطين.