لمى قنوت
تتصاعد وتيرة شيطنة القضية الفلسطينية وداعميها، وتندمج تهمة الإرهاب ودعمه مع “الإسلاموفوبيا” و”العداء للسامية” في الخطاب السياسي، بقيادة الإعلام الصهيوني وساسته، ويتلقفها الإعلام الرسمي في دول الشمال العالمية وخاصة تلك الدول ذات الإرث الاستعماري الذي يعمم خطابًا يشبّه المقاومة الفلسطينية بـ”داعش”، ويعتبر هذه المقاومة تهديدًا وجوديًا ليس فقط لإسرائيل وإنما للعالم الغربي أجمع، وبالتالي فإن أي شكل من أشكال التضامن مع الفلسطينيين والفلسطينيات هو مناصرة لهذا التهديد الوجودي.
يراكم الإعلام الصهيوني وساسته تجييش هذه الشيطنة، مثل تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي وصف المقاومة الفلسطينية بعد انطلاق عملية “طوفان الأقصى” بأنها “داعش غزة” وعناصرها “حيوانات بشرية” وهدد “كل من يأتي لقطع الرؤوس” بالقضاء عليه.
تعبّد هذه الخطابات الطريق لتبرير سياسة الإبادة الجماعية التي ينتهجها الاستعمار الصهيوني ضد سكان غزة، من القصف الكثيف والمتواصل جوًا وبرًا وبحرًا على القطاع، واستخدام ذخائر الفوسفور الأبيض المحظور استخدامه ضد المدنيين، وحرمان سكانه البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص من مياه الشرب والكهرباء والوقود، وصعوبة تقديم الحد الأدنى من الخدمات المنقذة للأرواح مع كثافة القصف، والدعوات الفاشية لتهجير سكانه قسرًا تارة إلى سيناء، وتارة بإصدار الأمر بنزوح قسري لمليوني شخص من سكان القطاع من شماله إلى جنوبه خلال 24 ساعة، وهذه الظروف تنطبق وبمقتضى القانون الدولي على المادة “2” من جريمة الإبادة الجماعية التي تقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية (الفقرات أ وب وج).
لقد أسهم التجييش السياسي والإعلامي الرسمي في دول الشمال بالانتشار الكثيف لخطاب فاشي يحض على ارتكاب الجرائم ومن ضمنها جرائم الإبادة الجماعية، فمثلًا، طالب متظاهرون في نيويورك بقتل الفلسطينيين وتسوية غزة بالأرض، وفي كندا، تهجّمت كاتبة على سيدة تضع العلم الفلسطيني على سيارتها، وطلبت منها أن تنشر ما تصوره، وأعطتها اسمها الكامل لتضع لها إشارة (Tag me)، وقالت لها بصلافة: “أنتِ يجب أن تُغتصبي وتُسحلي في الشوارع أمام أطفالك”.
لم ينعكس التجييش الرسمي على الخطاب ودعم الكيان الإسرائيلي سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، بل طال سلوكًا عقابيًا للمتضامين مع القضية الفلسطينية، رجالًا ونساء بتنوعاتهن، مثل الفصل التعسفي من العمل، وإلغاء أو تقييد حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوقيف متظاهرين ومتظاهرات في بعض المدن، وحظر مظاهرات في بعض الدول.
المناصرون للقضية الفلسطينية الشباب، نساء ورجالًا، الذين تعلموا في جامعات دول الشمال العالمية، يقودون اليوم خطابًا متماسكًا وعميقًا على مواقع التواصل الاجتماعي بلغات أجنبية، يتسم خطابهم بصبغة أكاديمية مقدمة بلغة بسيطة سهلة الفهم، متأثرة بالأدب والفكر المقاوم لأيديولوجيا تفوق “العرق الأبيض” (white supremacy) والذي قدمه عديد من المفكرين والناشطين، نساء ورجالًا، من السكان الأصليين وحركة الحقوق المدنية السوداء في أمريكا الشمالية.
تستثمر جهود المناصرة هذه الأرضية الموجودة المؤمنة والمتعاطفة مع هذا الفكر المقاوم، فتقدم حجة مضادة لـ”بروباغندا” وسائل الإعلام الرئيسة التي تفبرك موافقة الرأي العام على خيار الحرب، كما فعلت وسائل الإعلام تلك في 2003 قبل احتلال العراق.
إن الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي للاحتلال الإسرائيلي يعني دعمًا غير مشروط لجرائم الحرب والجريمتين ضد الإنسانية، المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد، وحماية لمجرمين يعيشون في كنفه، يتمتعون بالدعة والراحة والدعم، رغم الكشف المتواصل عن جرائمهم، مثل الفيلم الوثائقي الإسرائيلي الذي تناول مذبحة الطنطورة التي وقعت في 22 و23 من أيار 1948، وعُرضت فيه شهادات ناجين من المذبحة، وشهادات مجرمين من جنود كتيبة 33 من “لواء ألكسندروني”، قتلوا فيها أكثر من 230 فلسطينيًا ودفنوا شهداءها في مقابر جماعية.
وبدل أن يُحاكم المجرمون في الكيان كما يقتضي القانون الدولي، يُدعم اقتصاده وتستورد منه عديد من دول العالم تكنولوجيا لمراقبة الشعوب، الأمر الذي تحدث عنها بإسهاب كتاب “مختبر فلسطين: كيف تُصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم؟” للكاتب اليهودي أنتوني لوينشتاين، الذي يشرح فيه “كيف تستخدم إسرائيل الفاشية العنصرية والمتطرفة الأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة وأسوار المراقبة على 5.5 مليون فلسطيني محتل ومضطهد بقسوة”.
إن المعايير المزدوجة التي تشجع السياسات الإجرامية المتواصلة للاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ومنعه من حقه في تقرير مصيره وحقه في مقاومة الاحتلال وإقامة دولته، ونزع سردية مقاومته منذ 75 عامًا، لم ولن تُنهي القضية الفلسطينية، ولا يمكن استبدالها أو القفز عليها باتفاقيات تطبيع مع المتهافتين، فوجدان أغلبية شعوب هذه المنطقة متعلق بفلسطين، وينتقل ذلك من جيل إلى جيل.