تهجير السوريين كمقدمة لتهجير الفلسطينيين
إبراهيم العلوش
كان تهجير أكثر من 12 مليون سوري من بيوتهم، اعتبارًا من العام 2011، تدريبًا للرأي العام في المنطقة على قبول تهجير البشر، ومقدمة لإقناع العالم وإجبار الدول الأخرى على قبول المهجرين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم.
إصرار إسرائيل على دعم بشار الأسد بدأت تتوضح بعض أسبابه في خلق سابقة تهجير كبيرة، فالقسوة التي تعامل بها نظام الأسد مع السوريين كانت مدعومة إعلاميًا على الأقل من القوى الإسرائيلية طويلة اليد في الدبلوماسية و”الميديا” العالمية، وظلت إسرائيل تصر على استمرار دعمها لبشار الأسد، رغم أنه تحالف مع إيران (عدوتها)، أو ربما هي الدولة المتواطئة معها في هذا السيناريو كما يعتقد أصحاب أفكار المؤامرة.
نحن السوريين ننظر اليوم إلى أحداث القصف والتهجير في غزة، ونسترجع ذكرياتنا المريرة ونحن نفر بجلودنا من تحت القصف من قبل نظام الأسد وداعميه الإيرانيين والروس، ونحمل من تحت رماد بيوتنا تهمة الإرهاب والدواعش والعملاء، التي يتم وصمنا بها لتبييض مخططات التهجير، والتي تتلاعب بها إيران، وتبتسم لها إسرائيل من خلف ستارة المسرح الدموي.
لماذا أصرت إسرائيل وداعموها الغربيون على استمرار بشار الأسد، لماذا أضاعت فرصة نجدة الشعب السوري واكتساب بعد إنساني يبيض وجودها ويعطيها بعض التعاطف من قبل السوريين الذين يموتون تحت القصف حتى اليوم.
قصف غزة أظهر حاجة إسرائيل إلى سابقة في التهجير، وهي سابقة قريبة نفذها بشار الأسد بدم بارد، والإسرائيليون اليوم يجاهرون بأوامر تهجير أهل غزة إلى مصر وبدعم أمريكي وأوروبي، وقد وصلت البوارج إلى الجوار بمشهد يذكرنا نحن العرب بمشهد بوارج العدوان الثلاثي في العام 1956.
أفعال إسرائيل اليوم تكرار شبه حرفي لأفعال نظام الأسد من قصف المدنيين وتهجيرهم، وتوزيع التهم عليهم، ونشر الدعايات التي تنتزع إنسانية البشر وتحولهم إلى حيوانات بشرية، كما قال هتلر، وكما يردد وزير الدفاع الإسرائيلي اليوم.
الدول الغربية تصفق للقصف وتشارك بتوزيع “بروشورات” التهم ضد كل من يحتج على الموت العلني لأهل غزة، بحجة أنهم ممسوسون بشياطين الإرهاب، بعد أن أطفؤوا لعبة حقوق الإنسان على الجانب الفلسطيني، وأبقوها مشتعلة على الجانب الإسرائيلي، الذي أبكى وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المتعامين عن رؤية ما يحدث للمدنيين في غزة، الذين سقط عليهم أكثر من 4000 طن من المتفجرات في يوم واحد فقط هو يوم الخميس 12 من تشرين الأول الحالي، كما يؤكد الجيش الإسرائيلي.
ما ينقص إسرائيل من السيناريو السوري هو استعمال السلاح الكيماوي (أو النووي باعتبارها دولة نووية) ضد المدنيين، والاستعانة بقوات أجنبية للمساهمة في إبادة أكبر عدد ممكن من سكان غزة المنبوذين من حقوق الإنسان، ومن حق الإسعاف، والشرب، والإطعام، والإنارة، التي أعلن الجيش الإسرائيلي قطعها عن قطاع غزة.
وهذا يذكرنا نحن السوريين بحصار حمص، وحصار الغوطة، وحصارات لا عدّ لها، أجبرت المدنيين على أكل الحشائش خلال أشهر طويلة، قبل أن يستسلموا للرحيل إلى الدول المجاورة، أو أن يتقبلوا راكعين شروط النظام المنتصر على المدنيين.
يطلب الإسرائيليون من مصر استقبال أهالي غزة واستيعابهم في صحراء سيناء، وقد يمارس الأمريكيون والأوروبيون مزيدًا من الضغوط على مصر، للخضوع واستقبال أهالي غزة الذين تحلم إسرائيل بمحو وجودهم، كما حصل في مرتفعات ناغورني كاراباخ وتهجير الأرمن منها خلال الشهر الماضي.
يخشى الأردن أيضًا من هذا “الترانسفير” الذي أعلنه الجيش الإسرائيلي، والذي يعتبر أكبر وأسرع “ترانسفير” للسكان، إذ طلب الإسرائيليون، في 13 من تشرين الأول الحالي، ترحيل 1.1 مليون إنسان خلال 24 ساعة، مع ملاحظة أن عودتهم غير مضمونة وتخضع لإرادة إسرائيل.
إيران تلعب من خلف الستار وتتاجر بالقضية الفلسطينية، ولن تتردد ببيع سكان غزة والموافقة على تهجيرهم للحفاظ على نفوذ “حزب الله” في الدولة اللبنانية التي يرتع فيها فسادًا، إذا ضمنت الدول الأخرى لإيران بقاء نفوذه، أما إذا حصلت على ثمن أكبر لمصلحة استقرار دولة الملالي، فهي لن توفر بيعهما من أجل سلامتها!
مصر والأردن أكثر الدول العربية المعرّضة لنتائج التهجير، وهدد الإسرائيليون مصر بالتجويع إن لم تقبل تهجير أهالي غزة إلى سيناء، وقد كررت الإدارة الأمريكية عدم ضمان عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم إلا بعد دراسة دقيقة، وقد تستغرق تلك الدراسة مدة أطول من المدة التي لا يزال ينتظر نهايتها مهجرو 1948 ومهجرو 1967 وبقية المهجرين الفلسطينيين الذين حكمت عليهم إسرائيل بالنفي الأبدي.
السيناريو السوري واضح، ولا يزال طازجًا، وقد وفره جيش الأسد بشكل مجسّد على الأرض، وضمنت إسرائيل السكوت العالمي عن فظائعه، فهل يستعد العالم العربي لنكبة، أو لنكسة، أو لمأساة جديدة تفوق ما سبقها؟ أم يتشبث الفلسطينيون بأرضهم ويمنعون إسرائيل من تحويل هزيمتها إلى نصر بتهجيرهم، وعندها قد يجبرون العالم على تطبيق القوانين الدولية، بعد أن ذاقت إسرائيل مرارة الذل الذي كانت تسقيه للفلسطينيين طوال 75 عامًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :