هل تعوض الحوالات هجرة اليد العاملة
الاقتصاد السوري يخسر رأس ماله البشري
عنب بلدي – يامن مغربي
تتزايد أعداد السوريين المغادرين باتجاه الدول المجاورة أو أوروبا، مع استمرار الأزمة الاقتصادية وغياب أفق لحل سياسي في بلدهم.
وتؤثر الهجرة المتزايدة، بشكل مباشر، على الاقتصاد السوري المنهك بفعل استمرار العمليات العسكرية لأكثر من عشر سنوات، منذ اختار النظام السوري اتباع الحل الأمني مع اندلاع المظاهرات الشعبية التي طالبت برحيله في 2011، وتوقف قطاعات الإنتاج، وتحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب.
وتعد اليد العاملة أحد الأساسات التي يقوم عليها أي اقتصاد قوي، ويسهم بشكل مباشر في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات النمو، بالإضافة إلى مساهمته في رأس المال الاجتماعي.
وبقدر ما يؤثر غياب اليد العاملة أو رأس المال البشري على الاقتصاد السوري، يسهم كذلك إيجابيًا في الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها البلاد، عبر الحوالات المالية القادمة من دول المهجر إلى الأسر في الداخل بمختلف مناطق السيطرة، وهو ما تحول مع مرور السنوات إلى شريان حياة للسوريين في الداخل.
أثر غياب رأس المال البشري
وفق أرقام الأمم المتحدة، هناك 15.3 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية في سوريا، ما يمثل 70% من الأشخاص داخل البلد، و90% من السوريين تحت خط الفقر، مع وجود 5.3 مليون لاجئ سوري في البلدان المجاورة لسوريا، فيما لا توجد أعداد دقيقة للسوريين المغادرين ولم يسجلوا كلاجئين، وتحديدًا في البلاد التي يرحل إليها السوريون للبحث عن فرص عمل، كالعراق ومصر والإمارات.
تعكس هذه الأرقام نقطتين أساسيتين، الأولى سوء الوضع الاقتصادي في البلاد، والثانية مدى الخسارة التي لحقت برأس المال البشري للاقتصاد السوري.
وقال الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، لعنب بلدي، إن جميع قطاعات الاقتصاد السوري تشهد هجرة عمالتها، وهو ما ينعكس على جودة الإنتاج ويؤدي إلى تقديم خدمات ضعيفة، مع عدم القدرة على التشغيل وارتفاع تكاليف الإنتاج في سوريا.
وبدأت هجرة رأس المال البشري من سوريا منذ عام 2012، وبدأت العمالة صاحبة الخبرة والمهارة بالتنقل من مدينة لأخرى، قبل أن تهاجر خارج البلد، وفق الباحث في مركز “عمران للدراسات” محمد العبد الله.
وأشار العبد الله في حديث لعنب بلدي، إلى أن أبرز القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بهجرة السوريين هي القطاعات الإنتاجية، باعتبار أنها ضمت خبرات جيدة.
وأضاف أنه ورغم العمليات العسكرية وخروج كثير من المناطق عن سيطرة النظام السوري، فإن الفترة بين عامي 2012 و2018 شهدت استمرارًا لبعض قطاعات الإنتاج، قبل أن تتدهور الأوضاع الاقتصادية مع ارتفاع تكاليف المواد الأولية وصعوبة الاستيراد والتصدير، ليصيب الشلل قطاعات الإنتاج.
ويرى العبد الله أن حالة الهجرة الحالية أمر طبيعي، على اعتبار أنه لم يعد للأيدي العاملة أي تأثير مع توقف قطاعات الإنتاج.
وفي الوقت التي خسر فيه الاقتصاد السوري رأس ماله البشري، بوصفه عمودًا أساسيًا للإنتاج، استفادت منه الدول الأخرى، سواء المجاورة لسوريا أو الدول الأوروبية التي وصل إليها السوريون خلال السنوات الماضية، وفق شعبو.
وأضاف أن المهاجرين السوريين أسهموا بشكل مباشر بدعم الاقتصاد في البلاد التي يعيشون فيها.
أثر الحوالات
أسهمت هجرة السوريين إلى بلاد أخرى، سواء كلاجئين أو كيد عاملة، في إيجاد منفذ للمساعدة في تحسين الظروف المعيشية للسكان ولو بشكل طفيف، عبر الحوالات المالية الشهرية المرسلة للعائلات السورية من أبنائها وأقاربها.
لا يعلن النظام عن حجم الأموال التي يحولها السوريون إلى عائلاتهم في الداخل، فيما تمثل الدول المجاورة لسوريا نسبة 76% من مصدر هذه الحوالات، وفق دراسة نشرها مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” في 2021، بمبالغ تقدّر قيمتها بـ5.4 مليون دولار يوميًا.
ووفق العبد الله، تعد الحوالات بمنزلة “شريان حياة” لمن ما زال يعيش في سوريا، وتعد مصدر تمويل أساسيًا للسوريين وكذلك للنظام السوري.
في حين يرى الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، أنه ورغم خسارة النظام السوري والاقتصاد يده العاملة داخل البلاد، فإنه يستفيد منها عبر الحوالات، وسعى لضمان حصته منها عبر إنشاء شركات الصرافة التابعة لشخصيات اقتصادية محسوبة عليه، وتحكّم بها بشكل كامل ووضع لها سعر صرف محددًا.
ووفق نشرة الحوالات والمصارف الصادرة عن “مصرف سوريا المركزي”، يصل سعر صرف الدولار الأمريكي إلى 11500 ليرة سورية.
فيما يبلغ سعر الصرف وفق موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار العملات إلى 13500 ليرة سورية.
إعادة الإعمار والعودة
منذ إعلان “الجامعة العربية” عودة النظام السوري لشغل مقعد سوريا لديها في أيار الماضي، ومسؤولو النظام يربطون عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بعملية إعادة الإعمار.
يراهن النظام السوري على بدء إعادة الإعمار، ويروج ربط عودة اللاجئين والمغادرين بهذه الخطوة.
وسبق لرئيس النظام، بشار الأسد، خلال لقاء تلفزيوني مع قناة “سكاي نيوز عربية“، في آب الماضي، أن ربط المسألتين ببعضهما، واعتبر أن عودتهم توقفت بسبب واقع الأحوال المعيشية وغياب الخدمات في مناطق سيطرته.
كما اعتبر أن العقبة الكبرى أمام الاقتصاد السوري هي “تدمير البنية التحتية من قبل الإرهابيين”، وصورة الحرب التي تمنع المستثمرين من التعامل مع السوق السورية.
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، ووفق أرقام الأمم المتحدة، لم يعد سوى 255 ألفًا و100 سوري إلى مناطقهم في سوريا، و58% فقط من مجمل اللاجئين يأملون بالعودة إلى سوريا يومًا ما.
هذه الدائرة المفرغة ما بين إعادة الإعمار وعودة السوريين والشروط الدولية ورغبات الأسد والنظام السوري، تعني بشكل مباشر أن عودة اليد العاملة السورية ورفدها للاقتصاد المحلي ليست أمرًا سهل التنفيذ، وهي معقدة بقدر تعقيد الملف نفسه، خاصة أن النظام السوري لم يقدم أي تنازلات بخصوص عودة السوريين إلى مدنهم.
وفق فراس شعبو، المليارات وحدها لا تعني إعادة بناء ما هدم، إذ تعتمد العملية بأساسها على رأس المال، واليد العاملة، وغياب أحدهما يعني توقف العملية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، لا توجد ثقة بالنظام السوري حاليًا ولا في اقتصاده الذي تحول إلى اقتصاد حرب، خاصة مع وجود الميليشيات التابعة له أو لإيران على الأراضي السورية.
فيما يرى الباحث في مركز “عمران” محمد العبد الله أن إعادة الإعمار لا تعني عودة اليد العاملة التي هاجرت وتوطنت في الخارج، خاصة بعد اكتسابها ثقافة العمل في تلك الأسواق، وفي ضوء عدم الاستقرار اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا داخل سوريا.
وأضاف العبد الله أن اليد العاملة السورية في الخارج لديها دخل مادي أكبر، وكونت علاقاتها وشعرت بالحد الأدنى من الاستقرار، لذا لا ترتبط عودة اليد العاملة بإعادة الإعمار إذا اعتمد الأمر على إرادة الناس، وقد تكون قسرية عبر التضيق عليهم من قبل الدول التي يقيمون فيها.
ويركز النظام على رأس المال السوري الخارجي وكيفية عودته إن بدأت عملية الإعمار، أكثر من تركيزه على اليد العاملة، بحسب العبد الله.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :