ظهرت السينما أواخر القرن الـ19 بوصفها اختراعًا علميًا جديدًا، في ظل الثورة الصناعية التي شهدتها القارة الأوروبية، وسميت بالفن السابع لاحقًا باعتبارها مكملًا لفنون بشرية ستة عرفها الإنسان، هي النحت والعمارة والرسم والشعر والمسرح والموسيقا.
سرعان ما تطورت السينما كصناعة، وبدأ إنتاج الأفلام، وبالتزامن مع هذا التطور، بدأ الصدام الأول بينها وبين الفلاسفة، باعتبارها اختزالًا للفن في مصدر جمالي تنتجه التكنولوجيا الحديثة.
ومع التطور التكنولوجي نفسه، وبدء دخول عنصر “المونتاج” كعنصر فني يلعب دورًا مهمًا في رواية القصة التي يحكيها الفيلم، بدأت السينما باكتساب لغتها الخاصة التي تحكيها عبر اللقطات المتتابعة وأحجامها وما تتضمنه اللقطات من عناصر فنية.
وفي كتابه “فلسفات السينما الجديدة”، يتعرض الكاتب روبرت سينربرنك لإشكالية جمعت بين المخرجين السينمائيين والفلاسفة عبر أكثر من 100 عام من السينما، ويحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المحددة التي تهم الطرفين معًا، هي: ما التجربة التي نطلق عليها سينما؟ وكيف ترتبط السينما بالفلسفة؟ وهل من الممكن أن تجمعهما علاقة تقوم على لقاء حقيقي بين العقول والأجساد؟ أما السؤال الأخير فهو إن كان بإمكان الأفلام ممارسة الفلسفة.
وفق المؤلف، فإن الكتاب يأتي لشرح العلاقة بين السينما والفلسفة مع ازدهار الكتابة الفلسفية عن الفن السابع خلال السنوات الأخيرة.
ويتكون الكتاب الذي صدر بنسخته العربية في عام 2021، عن دار “معنى” بدعم من مبادرة “ترجم”، من تسعة فصول و255 صفحة من القطع المتوسط.
يعد الكتاب مرجعًا مهمًا لثلاثة أطراف رئيسة، الفلاسفة وطلاب الدراسات الفلسفية المهتمين بالبحث عن دور الفن في حياة الإنسان ومدى التأثير الذي يتركه، خاصة مع احتلال منصات البث الإلكتروني مساحة واسعة من حياة المشاهدين في السنوات الأخيرة، وسهولة مشاهدة الأفلام في أي وقت وأي مكان، وانتشار مفاهيم جديدة في الأعمال الفنية تحت مسمى “الصوابيات السياسية والاجتماعية”.
أما الطرف الثاني فهو المهتمون بالسينما من المشاهدين والنقاد على حد سواء، في حين أن الطرف الثالث هو صناع الأفلام بمختلف أدوارهم، سواء كانوا كتاب سيناريو ومخرجين أم غيرهم، لأن الكتاب بحد ذاته قادر على فتح الباب لنقاشات جادة حول السينما نفسها لا النظريات الفلسفية فقط، وبالتالي فهم الجوهر الذي قامت عليه هذه الصناعة لسنوات طويلة، في ظل سهولة صناعة الأفلام بالأيام الحالية مع تطور التكنولوجيا وأدوات الصناعة.
للسينما فلسفتها الخاصة بطبيعة الحال، فكل لقطة تتضمن عددًا من العناصر، من الديكور والإضاءة والممثل والصوت و”الإكسسوارات”، وغرض هذه العناصر هو خلق صورة معينة تسهم في رواية الحكاية، وبالتالي نرى أن كل مشهد يحكي حكاية متكاملة في بعض الأحيان، وببساطة هذا الكتاب يسهم في خلق هذا المفهوم وتطويره لدى صناع السينما.
وسبق لسينربرنك أن ألف عددًا من الكتب في النظريات السينمائية والفلسفة، آخرها كتاب “فلسفات جديدة للفيلم: السينما كطريقة للتفكير” في 2022، و”الأخلاق السينمائية” في 2015.
روبرت سينربرنك طبيب وأكاديمي أسترالي، درس إلى جانب الطب الكتابة الإبداعية والفلسفة والسينما، وتركز عدد من مؤلفاته على علاقة السينما بالفلسفة.