أسهم تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية في مناطق شمال غربي سوريا بصعوبة وصول الناس إلى حاجاتهم الأساسية، إضافة إلى ضعف أو انعدام تقديم الخدمات من قبل المؤسسات العامة الموجودة في المنطقة.
دفع ذلك عددًا من الناشطين في منظمات المجتمع المدني بمدينة اعزاز لإطلاق لجنة لاستقبال الشكاوى، من أجل تفعيل المساءلة المجتمعية، وحل المشكلات والمظالم ضمن المؤسسات العامة الموجودة في المدينة نفسها.
اللجنة تستقبل الشكاوى من الناس لتتم متابعتها من قبل القائمين عليها، بهدف حل المشكلات العالقة ضمن المؤسسات الموجودة في اعزاز، سواء المدنية أو العسكرية.
وبحسب القائمين على اللجنة، ممن التقتهم عنب بلدي، فإن الشكاوى التي يتم استقبالها هي الشكاوى الشخصية بحق المؤسسات العامة وخصوصًا الخدمية، إضافة إلى الشكاوى بحق الجهات العسكرية، على أن يتم توثيق الشكوى في مكتب اعزاز الإعلامي وفق آليات وخطوات معينة.
تفعيل المحاسبة
انطلقت المبادرة في 9 من آب الماضي، وجاءت نتيجة كثرة المشكلات التي تعانيها المنطقة، وغياب السبيل لتحقيق مطالب سكانها، الأمر الذي دفع عبد القادر عثمان، وهو ناشط في المجتمع المدني و مدير مركز اعزاز الإعلامي، مع 30 ناشطًا وناشطة، لإطلاق هذه المبادرة .
يعمل الفريق، بحسب عبد القادر عثمان، بشكل تطوعي من خلال استقبال الشكاوى في مكتب اعزاز الإعلامي، لإيجاد حلول سريعة لكل مشكلة تواجه الشخص اللي قدم الشكوى بحق المؤسسات العامة الموجودة في اعزاز.
فكرة اللجنة أو الآلية أو الصندوق يمكن أن تكون موجودة بكل جهة مدنية أو منظمة إنسانية، لكن ما يميز هذه المبادرة أنها تحقق نوعًا من الرقابة والضغط على المؤسسات العامة لتقديم خدماتها بجودة أكبر، وتفيد الناس بتحقيق مطالبهم بشكل أسرع، وفق ما ذكره عبد القادر عثمان لعنب بلدي.
وأضاف عثمان أن فريق المبادرة استطاع حل عدة قضايا في مدينة اعزاز، من بينها مشكلة توريد المياه من سد “ميدانكي” إلى مدينة اعزاز، من خلال زيارة المجلس المحلي ومنظمة “الرؤيا العالمية”، إضافة إلى حل قضية المخالفات في السوق وسط مدينة اعزاز، بعد شكاوى من الناس بوجود تعديات على الشوارع و الأرصفة.
كما عقدت اللجنة عدة اجتماعات مع مؤسسة المرور ومسؤول الإدارة العسكرية في اعزاز، وتم النقاش حول سوء أحوال خدمات النقل العام وشكاوى المواطنين حولها، ومشكلة ركن الدراجات النارية والسيارات على دوار “الجمال”، وازدحام شارع السوق الرئيس بسبب ركن سيارات النقل في طابورين.
وجرى أيضًا نقاش عدة قضايا، كقطع بعض الطرق من قبل المؤسسات المدنية والعسكرية، وضرورة تنظيم مدخل سوق “الهال” شرق المدينة.
حلقة وصل
غياب مكتب الشكاوي في اعزاز ونقص التواصل بين المواطن والمؤسسات الرسمية الموجودة في المدينة دفعا القائمين على المبادرة لإطلاقها، وقال عبد القادر عثمان، “إننا حلقة الوصل بين المؤسسات صانعة القرار وبين المواطنين”.
وأضاف، “نحن لا نقدم حلولًا للمشكلات، إنما نسعى لحلها، ونحن جهة دفاع عن المواطنين أمام المؤسسات العامة، من خلال مرافقتهم في جلساتهم عند مسؤولي المؤسسات”.
وأشار عثمان إلى أن عدم استجابة المؤسسات العامة لمطالب المواطنين، يمكن أن يؤدي بالنتيجة إلى ضياع مطالبهم وحقوقهم بسبب غياب المتابعة، أو عدم تقديم شكوى بالأساس.
فريق لشكاوى النساء
يعمل قرابة 30 شخصًا ضمن المبادرة، ويستقبلون طلبات الشكاوى في مكتب اعزاز الإعلامي، ثم تفرز الشكاوي المتشابهة، من خلال تعبئة المعلومات الضرورية حول اسم مقدم الشكوى وتفاصيلها والمؤسسة المعنية.
بعدها يتم التواصل مع المؤسسة المعنية بالشكوى، وتجري زيارتها وتنسيق مقابلة بين المواطن والمؤسسة، والتعاون من أجل حل مشكلته وتحقيق مطلبه.
تواجه الفريق، بحسب عبد القادر عثمان، صعوبة في غياب الأدلة المرافقة للشكوى “خاصة في الحقوق الشخصية”، وهو ما يصعب إيجاد حل للمشكلة بمواجهة المؤسسة.
من جهتها، الناشطة في المجتمع المدني عريفة موسى، وهي أحد أعضاء المبادرة، قالت لعنب بلدي، إن باب الشكاوى مفتوح وسط وجود فريق نسائي لاستقبال شكاوى النساء من أجل الحفاظ على خصوصيتهن.
وأضافت موسى أن الفريق حاول بشكل مكثف الترويج للمبادرة لتصل إلى أكبر شريحة من المواطنين، ليتفاعلوا معها ويبادروا بتقديم مطالبهم تجاه المؤسسات العامة، مشيرة إلى أن نسبة مشاركة النساء قليلة.
نوهت عريفة موسى إلى أن المبادرة تحتاج إلى مشاركة جميع الفاعلين في المنطقة، إضافة إلى الأهالي، من أجل نجاحها واستدامتها، للضغط على المؤسسات العامة لتعمل بجودة أكبر، وتحقيق نوع من الرقابة الشعبية عليها، وفق قولها.
معوقات قد تواجه المبادرة
يعتبر الناشط في المجتمع المدني شادي دالاتي أن مشكلة المبادرات المجتمعية هي غياب الاستدامة، فترى مبادرة أو فريقًا تطوعيًا يعمل لشهرين أو ثلاثة، ومن ثم يضمحل العمل بسبب غياب الاستدامة، وهذه مشكلة أغلب الفرق التطوعية في الشمال السوري التي تفتقد التمويل الذاتي وغياب الاستراتيجية في العمل.
وقال الناشط المجتمعي محمد نور شلاش، لعنب بلدي، إن مبادرات كهذه مهمة في المنطقة، لأن كثافة السكان وعدم تقديم الخدمات بالجودة المطلوبة أو حرمانها لبعض المواطنين سيؤدي إلى ضياع الحقوق، فمن الجيد الضغط على هذه المؤسسات لتحسين أدائها.
وأضاف أن هذا الأمر يعتمد على استمرارية المبادرة في العمل، وعلى استجابة المؤسسات العامة لمطالب المواطنين، الأمر الذي سينعكس على نجاحها.
وأشار شلاش إلى أن منطقة اعزاز لها خصوصية لجهة زيادة النشاط المدني فيها، الأمر الذي يزيد من الرقابة على المؤسسات العامة، مشيرًا إلى استجابة شركة الكهرباء بتخفيض سعر الكهرباء بعد حملة الاحتجاجات الشعبية عليها مؤخرًا.
–