تعرض محمد الفياض، لتهديدات بعد انتهائه من جني محصول القطن في أرضه الواقعة ببلدة الدحلة شرقي محافظة دير الزور، وحملت التهديدات توقيع تنظيم “الدولة الإسلامية”، متضمنة مطالب بدفع ما يطلق عليه التنظيم “الزكاة” لسدادها.
التجربة التي وصفها محمد بـ”الرهيبة” أثرت على حياته وعائلته، بحسب ما قاله لعنب بلدي، إذ يعيش في حالة من الخوف والقلق من تكرار تلك التهديدات.
ورغم أن الإتاوات ليست جديدة في المناطق التي سبق وتمركز فيها تنظيم “الدولة الإسلامية”، لا يزال المزارعون يعانون من مخاوف سيطرت عليهم إثر تهديدات تلقوها في السياق نفسه.
وتتزايد مخاوف العديد التجار والمزارعين في دير الزور من فرض تنظيم “الدولة” عليهم، بحسب ما قاله بعضهم لعنب بلدي، ويشعرون بالخطر من هذه التهديدات التي يطلقها التنظيم أو عصابات تنتهج أساليب التنظيم للحصول على الأموال عنوة من السكان.
جهود “قسد” لا تكفي
على الرغم من الجهود التي بذلتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الحملات الأمنية والعسكرية المتعاقبة، لملاحقة خلايا تنظيم “الدولة”، لم تختف هذه الظاهرة من المنطقة على مدى السنوات الماضية، ويرى بعض السكان أن “قسد” لم تتخذ إجراءات كافية للحد من هذا التهديد الذي انتشر منذ انسحاب تنظيم “الدولة” منها عام 2017.
المزارع محمد الفياض، قال إن رقمًا من خارج سوريا، راسله عبر “واتس آب”، ووجه له تهديدات بالقتل في حال التخلّف عن دفع “الزكاة”، رغم أن المزارع حاول شرح الضيق المادي الذي يمر به نتيجة لتراجع إنتاج أرضه، لكنه تلقى تهديدات بالقتل وأخرى استهدفت عائلته، وتحذيرات من الاستعانة بأي طرف لحمايته.
ومع حالة التوتر التي عاشها محمد، قرر الاستعانة بالجهات الأمنية المحلية التابعة لـ”قسد”، واستشارهم حول الموقف، فنصحوه بعدم الدفع وأكدوا له أن هذه التهديدات لا تخرج عن كونها “مجرد تهديدات”.
مخاوف المزارع على عائلته في المقام الأول، دفعته للتنسيق، مع صاحب الرقم الدولي الذي تواصل معه، واتفق معه على وضع المبلغ المطلوب بالقرب من المقبرة في مدينة البصيرة، حيث تمكن من رؤية شخصين يستقلان دراجة نارية استلما المبلغ من المكان المحدد.
ومن خلال تجربته الشخصية، يرى المزارع محمد الفياض أن على السلطات المحلية والأمنية التحقيق في هذه الحوادث، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المزارعين والمواطنين من التهديدات والابتزاز.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع مسؤولين بـ”قسد” للوقوف عند الجهود الأمنية التي تبذلها في المنطقة للحد من هذه الظاهرة، لكنها لم تحصل على رد.
ودائمًا تنفذ “قسد” عمليات أمنية تستهدف خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في محافظة دير الزور، وأخرى بالاشتراك مع قوات التحالف الدولي، لكن عمليات جمع الأموال من السكان التي يرعاها التنظيم لا تزال متسمرة في المنطقة.
تهديدات بالقتل
في بلدة الطيانة بريف دير الزور الشرقي، أضرم عناصر من تنظيم “الدولة” النيران بمحطة محروقات “القمة“، التي يملكها شخصًا يلقب بـ”أبو النور”، على الطريق العام المؤدي إلى البلدة، في 22 من آب الماضي، ما أدى إلى احتراقها بشكل كامل، عقب تهديدات عديدة تجاهلها مالك المحطة بضرورة دفع “الزكاة” للتنظيم، بحسب مراسل عنب بلدي في دير الزور.
مالك المحطة “أبو النور”، هو نازح من مدينة القورية في ريف دير الزور الشرقي حيث يتمركز النظام السوري، هرب هو وعائلته إلى بلدة الطيانة خوفًا من التعرض للاضطهاد والملاحقات الأمنية من قبل قوات النظام والميليشيات المساندة له، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وعند وصوله إلى مناطق سيطرة “قسد” شرق نهر الفرات، بدأ بتلقي التهديدات لدفع الأموال للتنظيم، وكلفه تجاهلها الكثير، إذ أحرق مجهولون مكان عمله، وتسببوا له بأضرار جسيمة.
تعمل خلايا تنظيم “الدولة” بنشاط في ريف دير الزور الشرقي، ومن الحين للآخر تطالب التجار بدفع “زكاة”، ويجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للقبول بهذه المطالب خوفًا من أضرار قد تلحق بهم أو بأملاكهم.
الخلايا نفسها، أحرقت فرن “الحجنة” أيضًا إثر رفض مالكه دفع مبلغ مالي مطلوب منه بقيمة أربعة آلاف دولار أمريكي، ثم أعيد استهداف مالك الفرن بعدها بأيام، بحسب مراسل عنب بلدي في دير الزور، لكنه نجى من الاستهداف.
يعمل جابر الشيخ في تجارة الأحذية في ريف دير الزور الغربي، وهو من بين الأشخاص الذين تعرضوا لتهديدات مشابهة أيضًا، إذ قال لعنب بلدي إنه وجد ورقة ممهورة بشعار التنظيم على باب منزله، كتب عليها مطالب بدفع مبلغ مالي قدره 20 ألف دولار أمريكي تحت اسم “الزكاة”.
عجز جابر عن دفع المبلغ وخوفه على عائلته من التهديدات أجبرته على اللجوء للاستدانة بطريقة بيع مؤجل لمدة عام، واضطر للموافقة على رد الـ20 ألف التي استدانها مع فوائدها بـ35 ألف دولار، تفاديًا لأضرار قد تلحق بعائلته أو ممتلكاته.
ويعكس الوضع الذي بات شائعًا في دير الزور الابتزازات التي يتعرض له التجار والمزارعون في المنطقة من قبل التنظيم، بعضهم يتحدث عن تلقيه تهديدات بالقتل، وآخرون يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة المنطقة ونقل أعمالهم إلى أماكن أكثر أمانًا.
مصدر للتمويل؟
منتصف أيلول 2022، أصدر تنظيم “الدولة” كلمة صوتية على لسان المتحدث الرسمي السابق فيه “أبو عمر المهاجر”، وجه فيها رسائل عديدة، لكنه دعا أيضًا جمهوره ومؤيديه لدعمه بالرجال والمال.
الرسائل التي وجهها التنظيم عبر الإصدار، تركزت حول مطالبته “المسلمين بالالتحاق بـ(الدولة الإسلامية)”، وخص بالذكر سكان سوريا والعراق كونهم كانوا شاهدين على حكمهم في المنطقة.
الباحث البريطاني المتخصص بشؤون الجماعات الجهادية كايل أورتن، اعتبر خلال حديث سابق لعنب بلدي أن جمع “الزكاة” أو الابتزاز ليس جديدًا على التنظيم، إذ سبق وشهدت المنطقة وجود هذه السياسة عندما كانت تحت سيطرته، ولربما بشكل أو بآخر يُراد به إثبات وجود التنظيم في المنطقة.
ويرى الباحث أن أكثر ما يثير القلق اليوم حول تصاعد تحركات التنظيم، هو قدرته على إقامة نقاط تفتيش “مؤقتة” في مناطق من شرقي سوريا وشمالي العراق، ويشير ذلك إلى وجود “أكثر تعقيدًا للتنظيم”، بحسب أورتن.
في حين لا يزال تمويل التنظيم، وكما كان سابقًا، “محليًا في الغالب”، من خلال “الضرائب” على سكان المناطق التي يتمركز فيها، إضافة إلى الموارد المستولى عليها.
وأضاف أورتن أن التنظيم تمكن من التكيّف دائمًا، وانخرط في مصادر تمويل أخرى مثل العملات المشفرة أيضًا (“بيتكوين” على سبيل المثال لا حصر).
وعلى المستوى العملي، فإن الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا والعراق مفيدة جدًا للتنظيم خاصة في الشرق السوري، حيث تساعده التضاريس على ذلك، إضافة إلى الحدود الداخلية المتنازع عليها بين “قسد” بدعم التحالف، والنظام بدعم روسي وإيراني، بحسب أورتن.
اقرأ أيضًا: “الكلفة السلطانية”.. شاهدة على آثار تنظيم “الدولة” في سوريا
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ