تتكاثف الجهود المحلية بشكلها الفردي والجماعي لمساندة النازحين من مناطق شهدت تصعيد على مدار الأسبوع الماضي من قبل النظام السوري وروسيا، إذ تعرضت مساحات جغرافية من شمال غربي سوريا لقصف عنيف خلّف حركة نزوح من المنطقة.
وأحصى “الدفاع المدني السوري”، في 10 من تشرين الأول الحالي، الخسائر التي طالت مناطق شمال غربي سوريا جراء قصف قوات النظام على المنطقة لخمسة أيام متواصلة.
وبحسب تقرير “الدفاع”، فإن مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وسرمين ودارة عزة، وبلدات في جبل الزاوية وريف إدلب الغربي، وآفس والنيرب وترمانين والأبزمو، شهدت حركة نزوح للأهالي إثر التصعيد العسكري.
مبادرات فردية
عبر مجموعة في تطبيق “واتساب”، عرض الشاب محمد قدحنون، الذي يعمل في نقل البضائع عبر سيارته الخاصة، وهو من سكان مدينة سرمين شرقي إدلب، خدماته لتوصيل الأهالي لأماكن أقل خطورة مجانًا، لمن لا يملك أجور النقل وبتكلفة البنزين لجميع الأهالي.
بينما يوزع عبد اللطيف الكوثر في مدينة سرمين مادة الخبز مجانًا على الأهالي منذ بداية قصف النظام على مناطق من محافظة إدلب.
عبد اللطيف قال لعنب بلدي، إن سكان المنطقة يمرون بأزمة واحدة، ويعيشون مؤخرًا “تحت رحمة راجمات النظام التي لا تميز بينهم”، لذلك يرى أن عمل الخير في هذه الأوقات واجب ضروري.
وفي مدينة جسر الشغور غربي إدلب، ترك بائع خضار لافتة كرتونية خارج محله، عرض عبرها بضائعه مجانًا للمحتاجين، بحسب ما رصد مراسل عنب بلدي في المنطقة.
خالد نذير، صاحب مطعمي “صلح” و”شاورما القيمرية”، أعلن عن تقديم الوجبات بشكل مجاني لمتطوعي “الدفاع المدني” ومنظومة الإحالة والإسعاف المركزية ومنظومة “بنفسج” طيلة فترة عملهم، منذ بدء التصعيد.
وبحسب خالد، فمنذ بدء القصف على مدينة إدلب توقفت حركة البيع في مختلف المطاعم، لكن أصحابها والعاملين فيها استمروا بعملهم اليومي المعتاد بهدف تجهيز الطعام للمتطوعين والأفراد النشطين بعمليات الإنقاذ والإغاثة.
مطعم “بروستد الذواق” في إدلب أعلن من جانبه أيضًا عن تقديم وجبات طعام مجانية لعناصر “الدفاع المدني” والفرق التطوعية العاملة في إغاثة النازحين، والكوادر الطبية.
شبكات إنترنت مجانية
مع مرور أيام القصف الأولى، أعلن أصحاب شبكات الإنترنت بمدينة سرمين وأخرى في مدينة إدلب ومناطق تعرضت للقصف، عن فتح خدماتها للمشتركين والأهالي أيضًا بشكل مجاني ولا تزال مفتوحة مجانًا حتى اليوم.
ويعتمد السكان في إدلب على شبكات الإنترنت المنزلي للتواصل بينهم بسبب ارتفاع تكاليف شبكات الاتصال في حال توافرها، وهو ما شكّل دافعًا لأصحاب شبكات الإنترنت لفتحها أمام العامة مجانًا.
عبد الرحمن المحمد، يملك شبكة لتوزيع الإنترنت في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إنه بعد القصف شعر بحاجة الناس للوصول إلى شبكات الإنترنت، للاطمئنان على أقاربهم، فسارع رفقة آخرين لتعميم كلمة سر واحدة للشبكة التي يملكها، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإفادة سكان المنطقة.
وأضاف أن هذه المبادرات كانت فردية دون اتفاق بين أصحاب الشبكات لكنها شملت جميع شبكات الإنترنت في إدلب وريفها، إذ سارع أصحاب الشبكات لصيانة شبكاتهم، والتأكد من عملها بأفضل جودة ممكنة، بحسب عبد الرحمن.
وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي رسائل تضمنت أسماء شبكات الإنترنت واسم مستخدم البطاقة المجانية وكلمة المرور لتمكين جميع المواطنين من استخدام هذه الشبكات حال الضرورة.
فرق تطوعية
كثفت الفرق التطوعية نشاطها في إغاثة الأهالي الذي اضطروا للنزوح من منازلهم لمناطق مجاورة، إذ يضطر المتضررون من القصف للنزوح لمنازل أقاربهم أو البحث عن منازل غير مجهزة للمبيت فيها بشكل مؤقت، أو خيام تأويهم لبضعة أيام.
ومن بين الفرق التطوعية نشط فريق “ملهم التطوعي” وفريق “الاستجابة الطارئة” في توزيع المساعدات الإغاثية العاجلة للنازحين من المناطق المستهدفة، وتأمين خيام للعائلات التي لجأت إلى طرق وشوارع بعيدة عن مراكز القصف.
وبحسب فريق “الاستجابة الطارئة“، فقد جرى تأمين 50 عائلة نزحت من مدينة دارة عزة بريف حلب، بخيام وحصلت العائلات على المساعدات الضرورية.
ويعمل أيضًا فريق “مشاريع خيرية صغيرة” على تأمين تبرعات عينية للعائلات المتضررة، وتوزيع وجبات طعام عبر تأمين ثمنها من متبرعين محليين.
منظمات إنسانية فعّلت أيضًا خطوطًا ساخنة للتواصل معها بغرض تقديم خدمات الإخلاء ونقل العوائل وأغراض منازلهم من المناطق المستهدفة إلى أماكن أقل خطورة يختارها الأهالي أو ضمن مراكز إيواء جماعية.
عبد الله درباس، متطوع في مجموعة “هذه حياتي” التطوعية، قال لعنب بلدي إن الفريق شعر بمعاناة الأهالي وضرورة وقوفه إلى جانب فرق “الدفاع المدني” التي تعمل على مدار اليوم، إذ أطلقت “خطًا ساخنًا” لاستقبال اتصالات الأهالي في المناطق المتضررة لمساعدتهم في إجلاء أسرهم بعيدًا عن أماكن القصف، ونظمت زيارات لمراكز الإيواء للنظر في أحوال النازحين ومساعدتهم.
وبحسب عبد الله، تمكن المتطوعين من جمع بعض التبرعات، ووزعوها كمبالغ مالية على المصابين في المستشفيات وقدم سلة إغاثية للنازحين.
مبادرات حكومية
خلال حملة القصف المكثّفة على شمال غربي سوريا قدمت حكومة “الإنقاذ” (تدير محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب) بعض الخدمات في إغاثة النازحين عبر توجيههم إلى مراكز إيواء أنشأتها في أماكن عدة، لكنها كانت تفتقر للتجهيزات الجيدة.
وأعلنت الحكومة عبر وزارة التنمية التابعة لها، أنها أنشأت 17 مركزًا يستوعب 1250 عائلة نازحة، واستقبلت فيها حتى الآن حوالي 500 عائلة قادمة من المناطق التي تعرضت لقصف قوات النظام.
محمد سرميني، لجأ مع عائلته إلى مركز إيواء تابع لـ”الإنقاذ” في مدينة معرة مصرين، لكنه لم يبقَ فيه أكثر من 24 ساعة بسبب ازدحام المكان والمبيت بشكل جماعي مع فصل بين النساء والرجال.
وأوضح أن هذه المراكز جيدة للحالة الطارئة ولكن لا يمكن الاستمرار فيها لأكثر من يوم واحد، لافتًا إلى أنه لجأ إلى منزل أحد أقاربه أملًا بأن تنتهي حملة القصف بعد أيام.
قتلى وجرحى بينهم أطفال
على مدار ستة أيام، عاش سكان من الشمال السوري حالة من الخوف والقلق جراء حملة قصف شنتها قوات النظام طالت مدن وقرى الشمال السوري من جسر الشغور إلى إدلب وريفها وريف حلب الغربي، وانتهت في 10 من تشرين الأول الحالي، لكن تداعياتها لا تزال مستمرة على المنطقة.
ووفق بيانات “الدفاع المدني”، أسفرت هجمات النظام وحليفه الروسي عن مقتل 46 مدنيًا، بينهم 13 طفلًا وتسع نساء، وتسببت أيضًا بإصابة 213 مدنيًا، بينهم 69 طفلًا و41 امرأة، ومتطوعان من “الدفاع المدني”.
وطالت هجمات النظام المدن والبلدات، واستهدفت 50 مدينة وبلدة في ريفي إدلب وحلب، وتعرضت عشرة مرافق تعليمية للهجمات، بينها تسع مدارس، وبناء لمديرية التربية، كما تعرضت خمسة مرافق طبية للاستهداف المباشر الذي خلّف فيها أضرارًا.