هجوم حمص.. فرصة الأسد لضبط الأزمات

  • 2023/10/08
  • 12:44 م
مراسم تشييع قتلى تفجير الكلية الحربية في حمص- 6 من تشرين الأول 2023 (رئاسة الجمهورية)

مراسم تشييع قتلى تفجير الكلية الحربية في حمص- 6 من تشرين الأول 2023 (رئاسة الجمهورية)

حسام المحمود |حسن إبراهيم |خالد الجرعتلي

تعرضت الكلية الحربية في محافظة حمص، وسط سوريا، لهجوم بطائرات مسيّرة، خلال حفل تخريج دورة من ضباط الكلية، في 5 من تشرين الأول الحالي، ما أسفر عن مقتل 89 شخصًا، وإصابة 277 آخرين، وفق أحدث بيانات وزارة الصحة حول الحادثة، في 6 من الشهر نفسه.

ورغم عدم ظهور أي تسجيلات مصورة بشكل رسمي من قبل التلفزيون السوري الرسمي الذي يواكب عادة احتفاليات من هذا النوع، قالت قناة “الإخبارية السورية”، إن “هجومًا إرهابيًا” جرى باستخدام طائرات مسيّرة، واستهدف حفل تخريج طلاب الكلية الحربية، ليتبع هذه الرواية بعد أقل من ساعتين بيان لوزارة الدفاع، حمّل ما اعتبرها “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة” مسؤولية التفجير.

ويعتبر الهجوم من أبرز الاستهدافات العسكرية في سوريا خلال العقد الأخير، بعد تفجير “خلية الأزمة” في 18 من تموز 2012، الذي قُتل فيه مجموعة من كبار ضباط ومسؤولي النظام العسكريين حينها، ويعيد التذكير بالهجوم الذي طال مركزًا أمنيًا بجسر الشغور في حزيران 2011، وقُتل خلاله عشرات من عناصر الأمن والشرطة، واتهم به النظام حينها ما قال إنها “تنظيمات مسلحة”.

تناقش عنب بلدي في هذا  الملف مع مجموعة من الباحثين والمختصين السوريين أبعاد هذا الهجوم وظروفه، والأطراف المستفيدة، والجهات المحتمل أنها تقف خلفه، وحالة التصعيد الانتقامية التي رفع النظام السوري حدتها ضد مناطق الشمال الخارجة عن سيطرته.

مَن المستفيد؟

بعد الهجوم، وجه النظام أصابع الإدانة (لا الاتهام) إلى فصائل المعارضة في إدلب وريف حلب، وتوعد في بيان لوزارة الدفاع بالرد بـ”كل قوة وحزم” على ما يعتبرها “التنظيمات الإرهابية” أينما وجدت، تحت مسمى “محاسبة المخططين والمنفذين لهذا العمل الإجرامي الذي سيدفعون ثمنه غاليًا”، وفق بيان الوزارة.

وتتابعت الإجراءات التي اتخذها النظام السوري في هذا الإطار، فاتشحت وسائل الإعلام بمذيعيها ومذيعاتها بالسواد حدادًا، وغيّرت المؤسسات الرسمية ألوان “اللوغو” عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى الأسود.

تسجيلات مصورة متفرقة أظهرت بعد دقائق من الهجوم إصابات لأشخاص في القدمين والأجزاء السفلية من الجسد، وجثثًا متفرقة في ساحة الحفل، بينما غابت الصور والتوضيحات ومقابلات التلفزيون الرسمي ووسائل الإعلام الرديفة عن عرض ما حدث في الحفل أو تقديم صور لبقايا الطائرة المسيّرة المتسببة بالتفجير، وحول طبيعة الاستهداف وحجمه.

وعلى المستوى السياسي، أدانت وزارة الخارجية في بيان لها التفجير، وطالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة ما وصفته بـ”العمل الإرهابي الجبان”، داعية إلى مساءلة الدول “الراعية للإرهاب” عن “جرائمها” بحق الشعب السوري، مشيرة إلى مجموعة قرارات أممية، ليس منها القرار “2254”.

كما أعلنت رئاسة الحكومة، ولأول مرة خلال الثورة المستمرة ضد النظام السوري منذ عام 2011، الحداد الرسمي لثلاثة أيام، وتنكيس الأعلام في مناطق سيطرة النظام، والسفارات والهيئات الدبلوماسية في الخارج، اعتبارًا من 6 من تشرين الأول، ودعت وزارة الأوقاف إلى إقامة صلاة الغائب، عقب صلاة الجمعة، في جميع المساجد ضمن مناطق سيطرة النظام.

من جانبها، أوقفت نقابة الفنانين أنشطتها وفعالياتها، وأجّلت وزارة الثقافة الحفلات المقررة في دار “الأوبرا”، وأعلن “الاتحاد السوري لكرة القدم” تعليق جميع نشاطاته، حدادًا على أرواح قتلى التفجير.

يشير النظام السوري وحلفاؤه إلى المعارضة السورية بمصطلح “تنظيمات إرهابية”، وسبق أن اتهموا الفصائل نفسها بهجمات مشابهة طالت مناطق قريبة من الجغرافيا التي تتمركز فيها المعارضة شمال غربي سوريا.

ولم تعلن حتى إعداد هذا الملف أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع بعد 21 دقيقة من مغادرة وزير الدفاع في حكومة النظام، علي محمود عباس، ومحافظ حمص، نمير مخلوف، للكلية الواقعة ضمن منطقة أمنية وعسكرية بحتة محصنة ومليئة بالرادارات، تبعد عشرات الكيلومترات عن مناطق سيطرة القوى الأخرى.

ضحايا مدنيون بقصف لقوات النظام السوري استهدف الأحياء السكنية في مدينة إدلب- 7 من تشرين الأول 2023 (الدفاع المدني السوري)

ردود فعل

لاقى التفجير مجموعة من ردود الفعل السياسي والإدانات، جاء معظمها من حلفاء النظام.

وأعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي في يوم التفجير، عن قلق “عميق” إزاء الهجوم على حفل تخريج ضباط الكلية، وما تبعه من “قصف انتقامي” لقوات النظام على مواقع متعددة في شمال غربي سوريا أوقع ضحايا.

كما نقل وزير الخارجية الإيراني إدانة الرئيس إبراهيم رئيسي للهجوم إلى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، وقدّم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعازيه للأسد بضحايا الهجوم “الإرهابي”، في بيان نشره “الكرملين”.

الهند والإمارات وفنزويلا وبيلاروسيا قدّمت التعازي بالقتلى والإدانات للهجوم، واعتبر “حزب الله” اللبناني أن “الجريمة النكراء والمُدانة تؤكد مرة أخرى على طبيعة المعركة المتواصلة منذ أكثر من عقد ‏مع الجماعات الإرهابية ومشغليها الإقليميين والدوليين، وعلى خطورة المؤامرة الكونية المستمرة ‏ضد سوريا وشعبها الصامد”.

فرصة من ذهب

الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، أوضح لعنب بلدي أن السياق الذي جاء به الهجوم جعل النظام يراه فرصة استراتيجية لإعادة التحكم بالمشهد الداخلي في بيئته وخلط الأوراق في الساحة السورية بالعموم، إذ خرج النظام من مسألة التفاهمات العربية معه خالي الوفاض، مع الإشارة إلى أن المبادرة العربية “خُلقت ميتة”، وبالتالي فإن أي انتعاش اقتصادي بات مستحيلًا.

طلاع يرى أن النظام يعيش ثلاث أزمات في وقت واحد، تتجلى الأولى باحتجاجات السويداء، وإذا جرى جمعها مع جارتها درعا في الجنوب، فهناك مساحة جغرافية واسعة تخرج عن سيطرة النظام الأمنية، ولا يمكنه التفاعل معها لعوامل مختلفة، وهناك أيضًا شبكات اغتيال تعمل في درعا ومناطق متفرقة من سوريا، والنظام غير قادر على استعادة منظومة الحكومة في الداخل، والأزمة الثالثة تتجلى في انعكاس “مظلومية” أبناء الساحل وصولًا إلى حد الاعتراض المباشر على سياسات النظام، وإن كان هذا الاعتراض لا يزال يدور في فلك فردي، وفي إطار وسائل التواصل الاجتماعي.

وأمام هذه الأزمات المركبة، وانعدام انفراج سياسي تجاهه وبحثه عن بدائل وخيارات وعدم إمكانية الوصول إلى كل الموارد في سوريا، يأتي الهجوم كفرصة لخلط الأوراق وتشكيل سياق جديد، وهذا ما يفسر سرعة الاستجابة والتركيز على الشمال السوري للقضاء على تفاهمات “أستانة” بالضغط العسكري، قبل الذهاب نحو تفاهمات سياسية قد تفرز إعادة تشكيل تفاهمات مرتبطة بالمعابر والحركة التجارية.

وهناك عوامل عديدة تدفع النظام للتعامل مع الحدث كفرصة استراتيجية، أبرزها إعادة لحمة الموقف حيال “الجيش”، وتقديم سردية واضحة يمكن للنظام الاستناد إليها.

الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، أوضح لعنب بلدي أن عملية الكلية الحربية لم تكن “بدعة” بالنسبة للنظام، فقد قتل مقربين منه سابقًا، كغازي كنعان ومحمود الزعبي، والمراد من هذه العملية الخروج من أزمة خانقة، تتجلى في حراك السويداء، و”الكوابح” التي تعوق حركته جنوبًا، ما دفعه لمحاولة استغلال قتال العشائر شمال شرقي سوريا دون نتيجة.

وبحسب النيفي، فالنظام يرغب بانتزاع مبرر لشن حرب على الشمال ورفع وتيرة العنف في البلاد لخلط الأوراق مجددًا ومحاولة اختراق الحراك في السويداء، والعودة إلى نقطة الصفر، على اعتبار أن النظام لا يملك أكثر من الحلول الأمنية، مع توقعات باستمرار التصعيد تجاه إدلب وريف حلب، لإرضاء الحاضنة الشعبية، رغم أن الطريقة مكشوفة، وإذا كان غرضها استعادة الحاضنة فربما تكون الخطوة اليائسة الأخيرة.

الكلية الحربية.. مصنع الضباط

وفق المعلومات المقدمة عنها عبر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع، أُسست الكلية الحربية عام 1919، وانتلقت إلى حمص عام 1932، وأصبحت الدراسة فيها لسنتين فقط، يتخرج الطالب فيها برتبة ملازم ثانٍ.

انتقلت إلى مصر في فترة الوحدة، بين 1958 و1961، وتحولت الدراسة فيها إلى ثلاث سنوات بقرار صدر عام 1974، وطُبق في دورة العام التالي.

فتحت الكلية باب الانتساب للإناث بين عامي 1981 و1987، حتى تأسيس الكلية العسكرية للبنات، وجرى تعديل نظام الدراسة فيها بقرار من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ودخل حيز التنفيذ من العام 2006- 2007، ونص على تخريج الطالب برتبة ملازم عامل قائد فصيلة بعد خصوعه لدورة تدريبية لثلاث سنوات في الكلية.

ويتم الطلاب دراسة السنة الأولى والثانية في الكلية بهدف توحيد التكوين العسكري للطلاب الضباط، وتوحيد المسائل الانضباطية والمعلومات العسكرية خلال هذه الدورة، وتكون الدراسة لطلاب السنة الثالثة في كلية الاختصاص، باستثناء المشاة، إذ تنفذ سنتهم الدراسية الثالثة في الكلية الحربية، والتخرج يحصل بشكل مجمع من الكلية الحربية لا كليات الاختصاص.

وتقع الكلية الحربية غربي مدينة حمص بمحاذاة حي الوعر، وتبعد عن الحد الفاصل بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام على المدخل الشمالي لبلدة الصفاء جنوبي قرية العنكاوي في منطقة سهل الغاب شمال غربي حماة 94 كيلومترًا.

ويفصل الكلية عن أماكن تمركز “جيش سوريا الحرة” المدعوم أمريكيًا في “التنف” نحو 160 كيلومترًا، كما تبعد عن مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرق نهر الفرات أكثر من 300 كيلومتر، وعن مناطق سيطرة الجهة نفسها في الرقة نحو 230 كيلومترًا.

توابيت قتلى تفجير الكلية الحربية قبل إرسال القتلى إلى ذويهم في المحافظات- 6 من تشرين الأول 2023 (الوطن)

هل تملك المعارضة القدرة؟

قدرة المعارضة السورية على إنتاج أنواع من الطائرات المسيّرة أثارت التساؤل مرارًا منذ سنوات، عندما تصاعدت وتيرة الإعلانات الروسية عن تعرض قاعدة “حميميم” المركزية التابعة لها في سوريا لهجمات بطائرات مسيّرة.

رفضت “هيئة تحرير الشام” صاحبة السيطرة العسكرية في إدلب التعليق على الإجابة عن أسئلة طرحتها عنب بلدي سابقًا حول امتلاكها هذا النوع من الأسلحة، وبقيت احتمالية استخدامها من عدمه تُذكر فقط عبر وسائل إعلام النظام وروسيا، أحدثها كان لحظة استهداف الكلية الحربية.

الرائد الطيار المنشق عن قوات النظام يوسف حمود، قال لعنب بلدي، إن المعارضة السورية لا تملك القدرة الفعلية على إنتاج طائرات مسيّرة بشكلها الهجومي، وحتى لو امتلكت فلا قدرة لها على إنتاج نوع من الطائرات يمكن أن يقطع هذه المسافات.

وأضاف أن كل ما تملكه المعارضة المسلحة لا يتعدى طيرانًا “بدائي الصنع” يُستخدم بغرض الاستطلاع على مسافات قريبة حصرًا.

وأوضح حمود أن الطائرات المسيّرة لا يمكن أن تقطع مسافات شاسعة، كالتي يتحدث عنها النظام السوري باستهداف الكلية الحربية في حمص، دون أن يجري رصدها.

كما أشار الرائد الطيار إلى أن السكان في الشمال السوري يسمعون صوت الطائرات الإيرانية المسيّرة التي تحلّق في الشمال السوري ويشاهدونها بالعين المجردة خلال تنقلاتها، قبل أن تنفذ أي استهداف.

ويرى حمود أن اتهام المعارضة باستهداف الكلية الحربية في حمص بطائرة مسيّرة يعبر عن “عدم احترام المؤسسة العسكرية لدى النظام لقدراتها”.

وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي عبر صف ضابط منشق عن إدارة التسليح المسؤولة عن عمليات تسليح الجيش بالكامل في عموم سوريا (تحفظ على عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية)، فإن الكليات الحربية في عموم الجغرافيا السورية تضم رادارات وأسلحة مضادة للطيران.

وأضاف أن الكلية الحربية في حمص كلية عسكرية مركزية، وتضم قسمًا مخصصًا لتدريب ضباط القوات الجوية، وبالتالي فإنها تتضمن رادارات وتكنولوجيا تكشف عن أجسام جوية.

وتتركز في ريف حمص الشمالي كتيبة دفاع جوي تحوي رادارات وصواريخ مضادة للطيران روسية الصنع بأشكال متعددة.

الباحث بالشأن العسكري في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، قال لعنب بلدي، إن المعارضة السورية المسلحة لا تملك الإمكانيات والقدرات الأمنية والعسكرية لتنفيذ عمل بمستوى الهجوم الذي ضرب الكلية.

وعزا الباحث ذلك لأسباب تتعلق بطبيعة التحضيرات الأمنية التي تسبق يوم الاحتفال، وأخرى ترتبط بالفصائل نفسها، وتحديدًا عدم امتلاكها الجوانب التكنولوجية الأساسية لإنجاح مثل هذا الهجوم.

وأضاف حوراني أن المعارضة تملك القدرة على استهداف مواقع قريبة من خطوط التماس كما حصل مؤخرًا حين استهدفت موقعًا للنظام في قرية الملاجة، جنوبي إدلب.

ويرى الباحث أن “تحرير الشام” على وجه الخصوص لا تملك القدرة للحصول على أجزاء تحتاج إليها بالضرورة من الخارج لصناعة هذا النوع من التكنولوجيا التي تمكنها من ضرب أهداف تبعد عن مناطق تمركزها نحو 100 كيلومتر.

لماذا قد لا تمتلك “تحرير الشام” الأدوات

الباحث رشيد حوراني يرى أن الجماعات خارج إطار الدولة لا تعلن عن سلاح بحوزتها حتى لا تفقد ميزات استعماله أحيانًا، إذ يمكن أن يأخذ الطرف الآخر احتياطاته اللازمة لتلافي آثار ميزات الاستخدام.

ومن جانب آخر يتعلق بالفصائل نفسها، إذ يشكل إعلان امتلاكها هذا النوع من الأسلحة إدانة بحقها أمام المجتمع الدولي، خصوصًا في حالة “تحرير الشام” التي لم تتمكن من التخلص من إدراجها على “قوائم الإرهاب”.

ومن ناحية الكوادر الفنية قال حوراني، إن “تحرير الشام” قد تمتلكها، لكن تلك الكوادر تحتاج إلى بعض التقنيات من الخارج، أي لا يمكن أن تكون وصلت إلى مستوى صناعة مسيّرات تصل لأهداف بعيدة عن مكان تمركزها لهذا الحد.

وقد تتخذ بعض التنظيمات قرارات متعمدة لاستخدام تكنولوجيا الطائرات من دون طيار إذا كان لديها التمويل الكافي، وشبكة للحصول على التكنولوجيا، لكن يجب على التنظيم نفسه الاستعداد لقبول “مخاطر الفشل الأعلى” التي تأتي مع التكنولوجيا الجديدة، وفق بحث أصدره موقع “الفضاء السيبراني” التابع للحكومة الأمريكية، في أيلول 2020.

وتشمل المخاطر الاستعداد لمواجهة العواقب “الأشد قسوة” التي تأتي نتيجة لهجوم بطائرة من هذا النوع، وضرب البحث مثالًا حول تطوير تنظيم “الدولة الإسلامية” الاتصالات اللازمة لتكون لديه جهات فاعلة في مختلف الدول الغربية قادرة على شراء الأجزاء اللازمة لبناء طائرات من دون طيار والقدرة على تصديرها إلى الشرق الأوسط.

لكن عواقب هذا التطوير كانت “وخيمة”، إذ افتقد التنظيم لاتصالاته وقدرته على تأمين التمويل والحصول على تكنولوجيا الطائرات من دون طيار، بعد رد الفعل العنيف الذي واجهه من قبل التحالف الدولي كرد فعل على استخدام هذه الأسلحة.

وورد في كتاب “مستقبل الطائرات المسيّرة في مستقبل الهجمات الإرهابية” للضابط الأمريكي العامل ضمن برنامج وزير الدفاع للمفكرين الاستراتيجيين في جامعة “جونز هوبكنز”، توماس بليدجر، الحديث عن هجمات مشابهة اتهمت “تحرير الشام” بتنفيذها على قاعدة “حميميم” العسكرية الروسية في الساحل السوري، إذ قال إن “سربًا” مكونًا من 13 طائرة مسيّرة هاجم قاعدتين روسيتين في سوريا، قاطعًا مسافة تزيد على 50 كيلومترًا.

وكانت هذه الطائرات “محلية الصنع منخفضة التقنية” بالمقارنة مع الطائرات التجارية الجاهزة، لكنها لم تتمكن من إصابة أهدافها حينذاك، كما تبقى قدرة هذه الطائرات على قطع المسافات العائق الأكبر أمام الاتهامات التي وجهها النظام بشكل متكرر لـ”تحرير الشام” بتنفيذ هجمات من هذا النوع ، وفق الخبير الأمريكي.

تشكيك برواية النظام

إحداثيات المنطقة وطبيعتها الأمنية الحساسة ومستوى الحراسة والرقابة الواجب توفره، كلها معطيات استند إليها محللون وباحثون للتشكيك برواية النظام، كما أن موالين له تساءلوا عن طريقة وصول المسيّرة إلى قلب الكلية وحدوث “الخرق الأمني” الكبير.

الجناح العسكري في “تحرير الشام”، قال في تصريح لعنب بلدي، إن النظام يعيش حالة فلتان على مختلف الأصعدة، وتسيطر في مناطقه ميليشيات ودول وجهات ذات مصالح متضاربة، ومنها إيران وروسيا، بالإضافة إلى ميليشيات طائفية متعددة الجنسيات، تعيش حالة صراع دائم حول النفوذ والعوائد المادية.

وأضاف أن النظام اعتاد أن ينتقم من المدنيين العزّل في الشمال السوري، ويوجه لهم التهم الكيدية عند وقوع أي حدث وفشل ضمن مناطق سيطرته، الأمر الذي تكرر حتى في قصف إسرائيل لمواقعه.

الباحث العسكري في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، قال لعنب بلدي، إن بيانات وزارة الدفاع في حكومة النظام لا يمكن التسليم بها لأسباب أهمها محاولات تضليل الرأي العام، فإذا كانت المسيّرات قادمة فعلًا من مناطق سيطرة المعارضة، لماذا لم تتصدَّ لها وسائط دفاعاته الجوية المنتشرة على المساحة التي قطعتها المسيّرات؟

وتعتبر المنطقة القريبة نسبيًا من الساحل السوري مكتظة بالدفاعات الجوية السورية والروسية.

ويرى حوراني أن للنظام القدرة على الكشف المبكر عن هذا النوع من الهجمات، خصوصًا في حمص التي تعج بالوحدات العسكرية المتخصصة بالدفاع الجوي والحرب الإلكترونية ويمكنها التقاط الأهداف المعادية.

الباحث قال إن اتهام النظام للمعارضة بالهجوم غرضه خلط الأوراق أمام حاضنته التي بات تململها واضحًا لأنه لم يخرج بنتائج من التطبيع العربي والتطبيع التركي، ولم تكن لديه القدرة فعليًا على تحسين الوضع الذي وصل إليه السكان في مناطق سيطرته.

في تموز الماضي، انطلقت تدريبات عسكرية مشتركة بين القوات الروسية وقوات النظام شرقي محافظة حلب، تتركز حول التحركات المشتركة لسلاح الجو، ووسائل الدفاع الجوي، والحرب الإلكترونية لصد الضربات الجوية، وفق ما قالته وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، نقلًا عن نائب رئيس مركز “المصالحة” الروسي، أوليغ غورينوف.

وأوضح غورينوف أن التدريبات تأتي بعد “اعتداءات متكررة على منطقة خفض التصعيد بإدلب”، إذ سجل مركز “المصالحة” الروسي ثلاث حالات قصف لمواقع قوات النظام من جانب المعارضة، وأضاف أن قصف ما قال إنها “الجماعات الإرهابية” طال محافظتي حلب واللاذقية.

محافظ مدينة حمص نمير مخلوف يعزي بقتلى قوات النظام في الكلية الحربية بحمص- 6 من تشرين الأول 2023 (المكتب الإعلامي لمحافظة حمص)

على ملعب إيران.. ثلاثة سيناريوهات

تمتلك إيران 570 موقعًا عسكريًا في سوريا حتى تموز 2023، وهي ذات نفوذ وحضور واسع على الأراضي السورية، وفق تحليل بحثي أجراه مركز “جسور للدراسات” بالتعاون مع مؤسسة “إنفورماجين لتحليل البيانات”.

ويطغى الوجود الإيراني على مدينة حمص، إذ يوجد 72 موقعًا عسكريًا لقوى خارجية فيها، 67 منها لإيران وأذرعها وميليشياتها من “الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني، وأربعة مواقع لروسيا وموقع للتحالف الدولي، ما يشير إلى وجود الكلية ضمن ملعب القوات الإيرانية.

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى أن الهجوم سببه الرئيس خلاف بين النظام وحلفائه من ميليشيا إيران وأذرعها الولائية متعددة الجنسيات، وذلك من خلال القراءة الأولية لمسرح الهجوم.

ولفت النعيمي إلى وجود طائرات مسيّرة رافقت عملية تخريج طلاب الكلية، وأمام وجود تلك الطائرات وطبيعة وماهية تلك المقذوفات التي أُلقيت والمسافات التي انطلقت منها تلك الطائرات من قواعد لإيران باتجاه الكلية الحربية، تشير المعلومات إلى أن من نفذ تلك الضربات إيرانيون.

وقال النعيمي لعنب بلدي، إنه على الصعيد التقني وبإجراء مقاربة مبدئية حول طبيعة إلقاء تلك القذائف الصاروخية على الكلية، وحجم الدمار الحاصل، فالأمر مشابه لما حصل في استهدافات مماثلة لطائرات مسيّرة إيرانية تستخدمها روسيا في مهاجمتها لمحيط العاصمة الأوكرانية كييف.

ويستبعد الباحث مصطفى النعيمي الطرح الذي يقول إن النظام مسؤول عن الاستهداف بناء على مغادرة وزير الدفاع للكلية، معتبرًا أن الربط بينهما غير منطقي، مشيرًا إلى أن حضور الوزير يندرج ضمن إطار بروتوكولي فقط، لالتقاط بعض الصور وعرضها عبر وسائل الإعلام والمعرفات الخاصة بالمؤسسة العسكرية.

محاولات لإبعاد “الحلفاء”

منذ مطلع العام الحالي، حصلت عنب بلدي على تعميمات صادرة عن وزارة الدفاع في حكومة النظام و”هيئة الأركان العامة”، أشارت إلى اعتزام النظام إبعاد حلفائه الروس والإيرانيين عن الحصول على معلومات لمقاره العسكرية ومحاولته ضبط التشكيلات العسكرية بعيدًا عنهم.

وتشير وزارة الدفاع إلى الإيرانيين والروس العسكريين الموجودين على الأراضي السورية ضمن تعاميمها الداخلية بوصفهم “الأصدقاء”.

وفي آذار 2021، ذكر تقرير نشره موقع “Newlines Institute“، أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اتبع استراتيجية تهدف إلى ترك مسافة معينة بينه وبين إيران وروسيا، اللتين أصبحتا تتحكمان بقطاعات واسعة في سوريا.

إيران تتصدر الاحتمالات

الرائد المنشق عن قوات النظام طارق حاج بكري، اعتبر أن استهداف الكلية الحربية في حمص غريب من نوعه ويبعث على الريبة، ووضع ثلاثة احتمالات وسيناريوهات لاستهدافها، الأول أن يكون عبر إيران وميليشياتها التي تملك الإمكانية لاستهداف أي نقطة يسيطر عليها النظام.

وقال حاج بكري لعنب بلدي، إن هناك صراعًا ما بين روسيا وإيران حول الهيمنة والتحكم بالنظام السوري، مرجحًا بقوة أن يكون هذا الاستهداف تم بواسطة الميليشيات الإيرانية التي تمتلك الطائرات المسيّرة، والقادرة على القيام بعمليات انتحارية على أي نقطة.

ويعتقد حاج بكري أن زيارة بشار الأسد إلى الصين نهاية أيلول الماضي، حملت نوعًا من التهديد المبطن لإيران، وشعرت الأخيرة بخطورة هذا التهديد وبالتالي أرادت أن توجه رسالة دموية بأنها على استعداد أن تحرق البشر والحجر وألا تتخلى عن نفوذها في سوريا.

وأضاف أن الاحتمال الثاني هو أن النظام وراء هذه العملية، من أجل التجييش الطائفي، وتحديدًا للطائفة العلوية التي يستغلها، ويوصل إليها رسالة بأنها مستهدفة ومعرضة للخطر في المستقبل، فيما إذا قرر أبناؤها التخلي عنه، خاصة بعد احتجاجات السويداء منذ شهرين.

والاحتمال الثالث، وفق المحلل العسكري، أن يكون الاستهداف جرى عبر فصائل المعارضة في الشمال، وهو ما يستبعده حاج بكري، كونها لا تمتلك مثل هذه الطائرات والإمكانيات التقنية ولا تستطيع تصنيعها، لا سيما أن حمص تبعد ما لا يقل عن 100 كيلومتر عن أقرب نقطة تسيطر عليها قوات المعارضة.

رسائل إيرانية

اعتبر الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أن الاستهداف يحمل رسائل إيرانية بأنها تريد أن تكون المسيطر الوحيد على الساحة السورية في مناطق سيطرة النظام السوري، وأنها غير معنية بأي اتفاقيات قد يبرمها النظام، وعليه الرضوخ الكامل للمقررات الإيرانية وألا يبحر بعيدًا عن المسار الإيراني المرسوم له.

وتسعى إيران، وفق النعيمي، إلى زيادة التوتر في سوريا وخلط الأوراق بين جميع مكونات الشعب لتحقيق الهدف الرئيس وهو استدامة الصراع، ما يساعد إيران على استثمار المشهد السوري ببناء مزيد من المصدات الأمنية والعسكرية المتقدمة في الداخل السوري.

صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة في أحد المساجد بدعوة من وزارة الأوقاف في حكومة النظام- 6 من تشرين الأول 2023 )وزارة الأوقاف فيس بوك)

مقالات متعلقة

  1. النظام يستغل تفجير الكلية الحربية لمهاجمة شمال غربي سوريا
  2. صراع المصالح في الشمال السوري يشكل تحالفات جديدة
  3. قضاء عسكري عاجز يحكمه فساد الفصائل شمالي حلب
  4. المقاتلون الأجانب.. ملف تتكتم عليه "تحرير الشام"

تحقيقات

المزيد من تحقيقات