عنب بلدي – يامن المغربي
شهدت العاصمة التركية أنقرة، في 1 من تشرين الأول الحالي، هجومًا استهدف منطقة كيزلاي، التي تضم عددًا من المباني الحكومية، منها وزارة الداخلية والبرلمان التركي، وبعد عدة ساعات، أعلن حزب “العمال الكردستاني” (PKK) مسؤوليته عن الهجوم في أنقرة، بحسب وكالة “ANF news” المقربة من الحركة المسلحة المصنفة على “قوائم الإرهاب” التركية.
سرعان ما أعلنت أنقرة عن شنها غارات جوية على مناطق في سوريا والعراق، قالت إنها استهدفت من خلالها تجمعات ومناطق عسكرية تتبع لـ”PKK”.
نفت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على شمال شرقي سوريا علاقتها بهجوم أنقرة، لكن تركيا استمرت بعملياتها، ثم أسقطت قوات أمريكية طائرة مسيرة من دون طيار (درون) تركية، في 5 من تشرين الأول، في سماء مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، قبل أن تعلن وزارة الدفاع الأمريكية عن “أسفها” لحادثة إسقاط الطائرة.
تفتح هذه الأحداث المتلاحقة، والخطوة الأمريكية الأخيرة، باب التساؤل حول خيارات “قسد” في المرحلة المقبلة، وكذلك الخيارات المتاحة أمام تركيا، التي سعت منذ سنوات لتنفيذ عملية عسكرية رابعة في المناطق الحدودية الجنوبية داخل سوريا لمحاربة “قسد”، وإمكانية تنفيذها ضمن الظروف السياسية والاقتصادية الحالية.
“قسد”.. بين تركيا والنظام السوري
على الأرض، لا يبدو أمام “قسد” الكثير من الخيارات خلال الفترة الحالية، وسبق لقائدها العام، مظلوم عبدي، أن اتهم تركيا، في 5 من تشرين الأول، بالبحث عن ذرائع لشرعنة هجماتها المستمرة على مناطق سيطرة قواته، وشن هجوم عسكري جديد، وهو ما يثير القلق العميق، وفق تصريحاته عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا).
وفي ظل توقف مسار التقارب بين أنقرة والنظام السوري ولو بشكل مؤقت، قد تلجأ “قسد” للتعاون مع النظام السوري، أو إيجاد حل عبر روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
الأكاديمي الكردي فريد سعدون يرى، في حديث إلى عنب بلدي، أن خيارات “قسد” في مواجهة عملية عسكرية تركية محدودة للغاية بسبب الفوارق الهائلة في ميزان القوى بين الطرفين، وليس أمامها سوى المسار السياسي الذي اضمحل بعد فشل الوساطات التي يحاول الروس تنفيذها بين النظام السوري وتركيا.
واعتبر سعدون أن لدى النظام السوري موقفًا ثابتًا في حال قررت “قسد” الاستعانة به لمواجهة أي تحرك عسكري تركي، وهو أن على “قسد” تسليم المنطقة والانسحاب منها والنظام سيتكفل بما تبقى، بحسب رأيه، لكن هذا الأمر أيضًا لا ينفي أن النظام لديه مخاوفه من أي توغل تركي في المنطقة، على اعتبار أن أي مكاسب تركية جديدة تعني وجود أوراق ستُستخدم في أي عملية تفاوض مقبلة بين أنقرة ودمشق.
وخلال الأيام الماضية، كثفت تركيا ضرباتها الجوية في مناطق سيطرة “قسد”، ودمرت أقسامًا من حقل “عودة” النفطي، الذي تسيطر عليه “قسد”، شرقي القحطانية.
كما دمرت نقطة عسكرية تابعة لـ”قسد” عند مفرق طريق “عامودا- الحسكة”، بضربة من مسيرة تركية أيضًا، إلى جانب تدمير نقطة عسكرية قرب قرية الدردارة في ريف تل تمر الشمالي، ضمن الحسكة.
أدت هذه الضربات إلى انقطاع الكهرباء عن المؤسسات الخدمية والمستشفيات في القامشلي وعامودا، إلى جانب استهداف قرية صيدا شمالي ناحية عين عيسى بالرشاشات الثقيلة، وفق ما ذكرته وكالة “هاوار” المقربة من “قسد”.
كما قالت الوكالة إن الطائرات المسيّرة ركّزت قصفها على منشآت حيوية بمحافظة الحسكة، وعلى الطريق الواصل بين مدينة الحسكة وتل تمر.
كما استهدف قصف جوي منشأة توليد كهرباء “السويدية” في ريف المالكية بالحسكة شمال شرقي سوريا، ما تسبب بخروجها عن الخدمة، في حين تتهم حكومة النظام السوري، و”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، المسيطرة على المحطة، تركيا بالمسؤولية عن هذا الهجوم.
وقالت وكالة أنباء “هاوار”، في 6 من تشرين الأول، إن الطيران التركي قصف منشأة “السويدية” لتوليد الكهرباء، للمرة الخامسة على التوالي، وأثّر القصف على العنفات الموجودة في المنشأة، وألحق “أضرارًا بالغة”، حسب تصريح مسؤول في الإدارة للوكالة.
وقالت وزارة الدفاع التركية في تسجيل مصور نشرته عبر حسابها في “إكس”، إنها حيّدت 26 شخصًا في إطار الرد على الهجوم، ودمرت 30 هدفًا.
من جهته، يرى الصحفي والمحلل السياسي مصطفى كمال أرديمول، في حديث إلى عنب بلدي، أن النظام السوري سيرحب ولو بشكل غير معلن بهجوم تركي على “قسد”.
خيارات أنقرة على الأرض وفي السماء
منذ سنوات تتحدث أنقرة عن عملية عسكرية محتملة في مناطق شمال شرقي سوريا تسيطر عليها “قسد”، ورغم تصريحات المسؤولين الأتراك المتكررة عن إمكانية تنفيذ هذه العملية في أي لحظة، تصطدم العملية بوجود عسكري على الأرض لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وكذلك لميليشيات إيرانية من جهة، وبعوامل سياسية من جهة أخرى.
وفي خضم العمليات الجوية العسكرية التركية الأخيرة، جاء إسقاط الطائرة المسيرة التركية من قبل واشنطن وكأنه رسالة لتركيا بعدم التحرك على الأرض، وفق مختصين التقتهم عنب بلدي.
وبحسب مسؤولَين أمريكيَّين صرحا لـ”رويترز”، فإن مقاتلة أمريكية من طراز “16-F” أسقطت الطائرة التركية بعدما اتصلت الولايات المتحدة بمسؤولين عسكريين أتراك عدة مرات لتحذيرهم من كون قواتهم تعمل قرب القوات البرية الأمريكية، في ظل احتمالية أن الطائرة التركية كانت مسلحة.
وخلال اتصال هاتفي، بحث وزيرا الدفاع التركي والأمريكي الوضع في سوريا، مؤكدَين أهمية التنسيق الوثيق بين قوات البلدين خلال أنشطتهما في المنطقة، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.
ويرى الصحفي والمحلل السياسي هشام جوناي، في حديث إلى عنب بلدي، أن لدى أنقرة نية واضحة بعد التفجير الأخير بشن عملية برية، إلا أن الظروف الحالية غير مواتية، وليست وحدها الولايات المتحدة الأمريكية من تعارض هذا الأمر.
وأضاف أن أمريكا وجهت رسالة واضحة من خلال إسقاط المسيرة بألا تقوم تركيا بعملية برية، وأن على الأخيرة أن تتحمل نتائج هذه العملية في حال أقدمت عليها، بحسب رأيه.
رد تركيا سياسيًا جاء عبر وزارة الخارجية، التي قالت في بيان في 6 من تشرين الأول الحالي، إن إسقاط القوات الأمريكية طائرة مسيرة تركية، شمال شرقي سوريا، لم يؤثر بأي شكل من الأشكال على تنفيذ العمليات الجارية، وضرب الأهداف المحددة.
وأوضح البيان أنه في أثناء هذه العمليات فُقدت طائرة من دون طيار بسبب التقييمات الفنية المختلفة في آلية تفادي التصادم مع أطراف ثالثة، ويجري اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تشغيل أكثر فعالية لآلية منع الاشتباك مع الأطراف المعنية.
الصحفي والمحلل السياسي التركي مصطفى كمال أرديمول، قال لعنب بلدي، إن تنفيذ تركيا عملية برية داخل الأراضي السورية ليس أمرًا سهلًا، بوجود عديد من الأطراف على الأرض تشكل عقبة أمامها، وبالتالي ستكتفي أنقرة بضربات جوية كما هي الحال الآن.
واعتبر أرديمول أن إسقاط واشنطن الطائرة ليس تحذيرًا بقدر ما هو ترهيب لأنقرة، خاصة أن واشنطن تشعر بالقلق من العمليات العسكرية التركية ضد القوات الكردية في سوريا، وإسقاط الطائرة هو تعبير عن هذا الانزعاج، ولن تغير واشنطن من سلوكها، بحسب رأيه.
وتدعم واشنطن بشكل مباشر “قسد”، التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني”، ورغم نفي “قسد” هذه التبعية، تقر بوجود مقاتلين وقادة من الحزب تحت رايتها وشغلهم مناصب قيادية.