شهادات الناجين تواجه النظام السوري في محكمة العدل الدولية
عنب بلدي – براءة خطاب
مع اقتراب موعد أولى جلسات محكمة العدل الدولية بالدعوى المرفوعة من كندا وهولندا ضد النظام السوري، المقرر عقدها في 10 من تشرين الأول الحالي، تظهر تجارب المعتقلين السابقين في سجون النظام السوري “إلحاحًا” للوصول إلى المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان المنهجية في سوريا.
ومن بين التجارب قصة محمود حمود، المعتقل السابق في سجون النظام السوري، وروايته لا تمثل هذه الانتهاكات فحسب، بل تتوافق أيضًا مع المبادرة القانونية الهولندية- الكندية التي تهدف إلى محاسبة النظام على انتهاكاته بحسب تقرير أعده “المركز الأمريكي لدراسات الشام“.
سلّط التقرير الضوء على رحلة محمود في سجون النظام والانتهاكات المروعة التي تعرض لها بعد اعتقاله، وهو تحت 18 عامًا.
عامل “معزز”
تجربة محمود ليست الوحيدة، وإنما هناك عديد من التجارب التي ظهرت مؤخرًا توثق الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون داخل سجون النظام.
وبحسب ما قاله مؤسس ومنسق “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”، دياب سرية، لعنب بلدي، فإن المبادرة الهولندية- الكندية بنيت عبر التواصل والاستماع إلى شهادات عديد من الناجين وذويهم، بالإضافة إلى التواصل مع عديد من الشبكات المتخصصة في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
وثّق تقرير “المركز الأمريكي لدراسات الشام” تسعة انتهاكات تعرض لها محمود قبل وبعد اعتقاله من قبل أجهزة النظام السوري الأمنية، حيث قضى سبع سنوات ونصفًا في السجون.
وتمثلت الانتهاكات بالتهجير القسري واعتقال الأطفال، والتعذيب لانتزاع الاعترافات، وتوجيه التهم الملفقة، والتحكم بالقضاء، والمحاكم الميدانية، وأحكام الإعدام التعسفية، والسجن، والاحتجاز المطول والإفراج التعسفي عن القصر.
اعتقل محمود في 14 من تشرين الأول 2014، على الحدود السورية- الأردنية وهو بسن 17 عامًا، واتهم بتمويل المسلحين ومعرفة مواقع مستودعات الذخيرة في منطقة معضمية الشام بريف دمشق، رغم أنه كان خارج سوريا في الفترة التي تحددها الاتهامات، بعد تهجيره إلى لبنان مع شقيقته إثر اقتحام لقوات النظام السوري.
تنقل في أكثر من فرع أمني وتعرض لمختلف أنواع التعذيب، قبل أن يحكم عليه القاضي بـ”إعدام القاصر”، ما يعني حكمًا مؤبدًا دون إمكانية التنفيذ أو الإفراج المشروط، ونُقل بعدها إلى سجن “صيدنايا” وشهد إعدام 30 سجينًا كانوا معه في المحكمة، و15 رفيقًا من الزنزانة.
بعدها نُقل محمود إلى أفرع أخرى حتى أُفرج عنه في 15 من أيلول 2019، بموجب عفو رئاسي، ليتحول من شاب ثائر إلى طالب سينمائي مشهور عالميًا، يشهد على الروح الإنسانية التي لا تقهر، بحسب تقرير “المركز الأمريكي لدراسات الشام”.
ويرى سرية أن وجود مثل هذه القصص في هذا الوقت يعزز المحكمة باعتبارها بنيت على استماع لمئات من الناجين من التعذيب، بالإضافة إلى أنها عامل أساسي في مسار المحاكمة.
واعتبر التقرير أن جلسة محكمة العدل الدولية المقبلة هي لحظة فاصلة لتحقيق العدالة والمساءلة في سوريا، لافتًا إلى أنه يجب على صناع القرار في الولايات المتحدة أن يستغلوا هذه اللحظة لجمع الدعم الدولي للقضية ضد النظام السوري.
ولفت إلى أن دعم محكمة العدل الدولية لمحاسبة الأسد يمثل خطوة محورية نحو إنهاء الحلقة المفرغة من الانتهاكات والإفلات من العقاب في سوريا.
مثال لشكاوى أخرى في المحكمة
في حديث سابق للصحفي والحقوقي السوري منصور العمري إلى عنب بلدي، قال إن هذه الدعوى في محكمة العدل الدولية المتعلقة باتفاقية مناهضة التعذيب، من الممكن أن تكون مثالًا لشكاوى أخرى في المحكمة.
ومن الممكن تقديم شكوى في المحكمة بخصوص أي معاهدة أو اتفاقية تكون سوريا طرفًا فيها وانتهكتها، مثل تقديم شكوى بشأن انتهاك سوريا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتحديدًا الحق في المحاكمة العادلة، والاعتقال التعسفي.
ويمكن تقديم شكوى بشأن انتهاك سوريا لاتفاقية الطفل، وتحديدًا تعذيب الأطفال، وعدم فصلهم عن البالغين في أماكن الاحتجاز.
وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، قُتل ما لا يقل عن 15 ألف معتقل تحت التعذيب منذ آذار 2011 حتى حزيران 2023، بينهم 198 طفلًا و113 امرأة، وقرابة 98% منهم على يد قوات النظام.
ولا يزال نحو 13 ألف معتقل في سجون النظام السوري، منذ آذار 2011 حتى آب 2023، بينهم ثلاثة آلاف و693 طفلًا، إلى جانب قرابة 112 ألف مختفٍ قسرًا، نحو 85% منهم لدى قوات النظام السوري.
ما القضية؟
أعلنت محكمة العدل الدولية أن كلًا من هولندا وكندا رفعتا قضية ضد النظام السوري بخصوص التعذيب في السجون السورية، بناء على عدم التزام سوريا باتفاقية “مناهضة التعذيب”، وطالبت الدولتان باتخاذ “تدابير طارئة” لحماية المعرضين لخطر التعذيب.
وجاء في بيان المحكمة الدولية، الصادر في 12 من حزيران الماضي، أن كندا وهولندا ذكرتا في الدعوى المقدمة، أن النظام ارتكب انتهاكات “لا حصر لها” للقانون الدولي، ابتداء من عام 2011 على الأقل.
وتشمل الانتهاكات، بحسب الدعوى المرفوعة، “استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال”.
ويطالب مقدمو الدعوى بفرض المحكمة “تدابير طارئة”، تشمل إصدار أوامر للنظام بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسفيًا، والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.
قانون صوري
في عام 2022، أصدر رئيس النظام السوري القانون رقم “16” لعام 2022 لتجريم التعذيب، حيث برر أسباب صدور القانون بالتوافق مع “الالتزامات الدستورية للدولة السورية التي تحرّم التعذيب”، ليتوافق مع “أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب” لعام 1984، التي انضمت إليها سوريا في 2004.
وجاء قانون “تجريم التعذيب” السوري لعام 2022 بعد حوالي 18 سنة من تاريخ انضمام سوريا للاتفاقية، وبعد أكثر من 35 سنة من دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ، ويبلغ عدد الدول الأعضاء فيها حاليًا 173 دولة، واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية، وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام إليها في عام 1984، وأصبحت الاتفاقية نافذة منذ 1987.
وجاء القانون السوري بعد حوالي سنة من طلب الحكومة الكندية إجراء مفاوضات رسمية، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، لمحاسبة الحكومة السورية على الانتهاكات ضد الشعب السوري منذ عام 2011، مشددة في طلبها المعلن عنه في 2021 على دعواتها المتكررة التي وجهتها للحكومة، مطالبة إياها بإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الشعب السوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :