في بلد يتصدر قائمة الفساد وانعدام الشفافية
الحكومة السورية تروج “أتمتة التخلف”
عنب بلدي – محمد فنصة
تتواتر إعلانات حكومة النظام السوري حول تطوير خدماتها إلكترونيًا، بما يوافق دعاية “مسيرة التطوير والتحديث” المعهودة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، لكن غالبًا ما تخفق هذه الخدمات في عملها لأسباب متعددة.
كما تنتشر أخبار الندوات والمؤتمرات المعنونة بدراسة التحول الرقمي لعدة مؤسسات حكومية، في حين يثبت المؤشر الأممي للحكومة الإلكترونية تراجع تصنيف سوريا على الصعيد العالمي.
خدمات لا تبلغ جدواها
في 20 من آب الماضي، بدأت حكومة النظام السوري بإصدار جوازات السفر الإلكترونية، التي تُمكن المطارات من تحميل بيانات حاملها خلال دقائق “توفيرًا للوقت وتسهيلًا للإجراءات”، وفقًا لمسؤولين، مع وعود بإصدار أعداد من الجوازات الجديدة ستحل الأزمة التي يعانيها السوريون في الداخل والخارج، خلال نحو شهر.
مطلع تشرين الأول الحالي، أكدت عدة مكاتب سياحية في دمشق أن بعض الدول والسفارات لم تقبل التعامل بجواز السفر السوري الإلكتروني حتى الآن.
وأوضح أصحاب هذه المكاتب أن كلاً من أربيل ودبي والدول الأوروبية لم تقبل حتى الآن بالتعامل بجواز السفر الإلكتروني، موضحين أنه لا علم لديهم بموعد حل هذا الموضوع، الذي كان سببًا بتأخر سفر عديد من الأشخاص.
وعلى صعيد القطاع التعليمي، أصدرت حكومة النظام السوري قرارًا، في 9 من تموز الماضي، يقضي باستيفاء الرسوم الدراسية لطلاب التعليم العالي للجامعات العامة والخاصة، وأقساط تسجيل الطلاب لدى المؤسسات التربوية الخاصة، من خلال الحسابات المصرفية “حصرًا”، اعتبارًا من العام الدراسي الحالي.
وتراجعت الحكومة عن قرارها، في 12 من أيلول الماضي، حين وافق مجلس الوزراء على السماح بسداد الرسوم الدراسية عن طريق الحوالات المصرفية، أو بالإيداع النقدي المباشر في حساب الجامعة أو المؤسسة التربوية، بعيدًا عن الإلزامية بالطريقة الإلكترونية، دون إيضاح أسباب هذا التراجع.
عُقد، في 20 من أيلول الماضي، مؤتمر في جامعة “دمشق”، أُعلن فيه إطلاق تطبيق “سكن” للطلاب، للتسجيل الإلكتروني بالمدينة الجامعية عن طريق الهاتف المحمول الذكي، ويأتي التطبيق بالتعاون مع شركة “سيريتل”، من خلال توفير خدمة التسجيل ودفع الرسوم بطريقة إلكترونية.
وذكرت رئيسة “اتحاد طلبة سوريا” حينها، دارين سليمان، أن تطبيق “سكن” انطلق في جميع الجامعات ما عدا جامعة “حلب”، وفي هذا العام سيبدأ الطلاب بالتسجيل “أونلاين” عن طريق التطبيق، لتتحول المدن الجامعية قبل الجامعات إلى “الرقمنة”، وفق تعبيرها.
مدير السكن الجامعي بدمشق، عباس صندوق، أكد أن التطبيق الإلكتروني وردت بشأنه عدة شكاوى وملاحظات من الطلاب، كونه “يطبق لأول مرة في الجامعة”، حسب تبريره.
وأضاف أن الغاية الرئيسة للتطبيق إسكان أكبر عدد من الطلاب، لكي يستطيع أي طالب تسديد الرسوم من منزله دون القدوم إلى الجامعة والانتظار طويلًا.
في المقابل، لم يجد طلاب جامعة “دمشق” أي سهولة في استخدام التطبيق الإلكتروني، فعديد منهم رفعوا شكوى لإدارة السكن الجامعي، ومنهم من تحدث لعنب بلدي عن صعوبة استخدام التطبيق.
“أتمتة التخلف”
بالإضافة إلى الخدمات المطروحة في سياق التحول الإلكتروني، تنشط المؤتمرات والندوات التي تتناول موضوعات تحول قطاعات حكومية محددة إلى تقديم خدماتها بشكل رقمي، دون تحديد مسار زمني محدد لإطلاق هذه الخدمات.
في أيلول الماضي، بحث وزيرا الاتصالات، إياد الخطيب، والكهرباء، غسان الزامل، وحاكم مصرف سوريا المركزي، محمد عصام هزيمة، إمكانيات تسهيل عملية دفع فواتير الكهرباء عبر منظومة الدفع الإلكتروني، والاستغناء عن طريقة الدفع التقليدية.
وستتيح هذه العملية التي لم تُحدد مدة زمنية لتنفيذها الاستغناء عن طباعتها ورقيًا، وتتضمن الخطة إشعار المشتركين بصدور أو دفع فاتورة الكهرباء عبر رسالة نصية تردهم من إحدى شركتي الاتصالات الخلوية.
وبشكل مشابه خلال أيلول الماضي، ناقش الخطيب ووزير الموارد المائية، تمام محمد رعد، وهزيمة، واقع وآلية الدفع الإلكتروني لدى المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي والشركة السورية للاتصالات.
وأطلق الاجتماع وعودًا لبدء مرحلة الدفع الإلكتروني بشكل كامل لفواتير المياه وفواتير الاتصالات الأرضية، مع بداية العام المقبل.
الباحث الاقتصادي في “المركز السوري لبحوث السياسات” ربيع نصر، قال لعنب بلدي، إن الفكرة الرئيسة بالنسبة للحكومة الإلكترونية في سوريا هي اتباع “موضة التحديث والتطوير” التي بدأ بها الأسد حين تسلم السلطة، على مبدأ “ذر الرماد في العيون”، عن طريق استخدام التكنولوجيا والمعلوماتية على أنها وفق مسار “التحديث والتطوير”.
وخلال الأعوام الثلاثة الأولى على تسلم الأسد السلطة، تشكلت فكرة “التحديث والتطوير” بإدخال التكنولوجيا “دون تطوير المنظومة من حيث الأداء أو آلية العمل”، وفق نصر، الذي وصف هذه العملية بـ”أتمتة التخلف”.
وأوضح الباحث أن الآلية اقتضت استخدام ذات الموظفين بنفس آلية العمل المتسمة بالبيروقراطية، وإضافة أجهزة كمبيوترات وشبكات، وهي عمليًا لم تخفف الأعباء الإدارية أو تزيد الفعالية الإنتاجية.
في مسح أجرته الأمم المتحدة عام 2022 للحكومات الإلكترونية، حلت سوريا في المرتبة 156 عالميًا من إجمالي 193 دولة، بينما وصل ترتيبها في عام 2020 إلى المركز 131 عالميًا.
“منظومة قائمة على الفساد”
تأتي الحاجة إلى التحول الرقمي “لمنع الفساد والهدر، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، وجعل العلاقة أكثر شفافية بين الدولة والمواطن”، كما جاء على لسان الأسد في خطاب القسم الدستوري عام 2021، معلنًا أن المرحلة المقبلة لولايته هي “للشفافية”، في بلد لا يزال يتصدر لوائح البلدان الأقل شفافية وأكثرها فسادًا.
استخدام تكنولوجيا المعلومات سيؤدي إلى تخفيف الفساد، لكن المنظومة الأساسية باتخاذ القرارات في سوريا “قائمة على الفساد والتهميش”، لذا فإن الأدوات الإلكترونية لن تخفف من هذا الخلل الهيكلي، وفق الباحث ربيع نصر، الذي عمل في هيئة تخطيط الدولة كاقتصادي رئيس ومدير إدارة الاقتصاد الكلي في عامي 2004 و2005.
قبل عام 2011، كان العمل على فكرة التقانة والاتصالات ذا تأثير “شكلي دون أي مضمون لتسهيل أعمال الناس”، وفق نصر، الذي قال إن هذه المنظومة أصبحت “أسوأ بمراحل” خلال العقد الماضي.
ويرى نصر أنه لا توجد إمكانيات لدى البنية التحتية السورية للتحول الإلكتروني الحكومي، لكن في حال إيجاد المتطلبات لنوع كهذا من الأدوات الإلكترونية، لن تلبي غايتها لأن الدور الوظيفي للمؤسسات الحكومية قد “تشوه”.
وأفاد الباحث الاقتصادي أن تقديم مسميات مثل “البطاقة الذكية” أو “الخدمات الإلكترونية”، دون إعطاء الأولوية للناس الأضعف، أو تخفيف الفساد، تكون مجرد “عناوين رنانة غير حقيقية”، مشيرًا إلى أنه ليس لدى النظام أي اهتمام فعلي في تسهيل حياة السكان أو نية في الإصلاح الإداري.
ومن الأفكار التي تُطرح أيضًا بذات سياق مكافحة الفساد، فكرة الإصلاح الإداري الذي تحدث الأسد عنه خلال ترؤسه الاجتماع الحكومي عام 2021 قائلًا، إن هدف الإصلاح الإداري النهائي هو “العدالة للموظف كمنصب يستحقه، ومكافحة الهدر بالقوى البشرية”.
وتكشف وسائل الإعلام المحلية، بشكل متواتر، عن قضايا فساد في عدة محافظات لمسؤولين في حكومة النظام، نتجت عنها خسائر في خزينة الدولة تصل إلى مليارات الليرات.
في أيلول الماضي، صرحت مسؤولة في حكومة النظام السوري بضبط حوالي 30 مليون ليتر من مادتي البنزين والمازوت من المحروقات المسروقة في مدينة حلب.
وأفادت مديرة الرقابة الداخلية بمحافظة حلب، عبير مكتبي، بتغريم المخالفين بحوالي 15 مليارًا و320 مليون ليرة سورية، في حين حُصّل منها قرابة 12 مليارًا و350 مليون ليرة “لمصلحة الخزينة العامة”.
من جانبها، كشفت صحيفة “الوطن” المحلية المقربة من حكومة النظام، في 3 من تشرين الأول الحالي، عن توقيف مسؤولين حاليين و”أصحاب نفوذ” في محافظة اللاذقية، وإصدار قرارات منع مغادرة وحجز على أموال عدد منهم.
ونقلت عن مصادرها “الخاصة”، أن الموقوفين منهم مسؤولون سابقون وحاليون لا يزالون على رأس عملهم، ومخاتير أحياء ومتعهدون و”أصحاب نفوذ”، وذلك للتحقيق في ملفات فساد “تشمل مخالفات بخصوص البناء والتعهدات وهدر أموال عامة”.
وقُدّرت قيمة المبالغ المصادرة والمحتجزة بنحو 40 مليون دولار، بحسب ما أفادت به مصادر محلية لـصحيفة “الشرق الأوسط“، التي أشارت إلى أن الحملة بدأت قبل أسبوعين من تاريخ نشر هذه المعلومات، بتوقيف عدد كبير من مخاتير الأحياء في اللاذقية، وأعضاء في مجالس الإدارة المحلية.
وبينما ينخر الفساد أكثر من ثلثي دول العالم، احتلت سوريا المرتبة قبل الأخيرة في العالم بحسب تقرير منظمة “الشفافية الدولية” لعام 2022.
ومنذ 2016، حلت سوريا في المراتب الأربع الأخيرة، بجانب كل من جنوب السودان والصومال، من إجمالي 180 دولة حول العالم.
وتعليقًا على الذكرى السنوية الـ19 لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، قالت السفارة الأمريكية في سوريا، في حسابها على “إكس” (تويتر سابقًا)، إن حكومة النظام السوري “جعلت من سوريا واحدة من أكثر الدول فسادًا على الأرض”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :