لاجئون يروون التفاصيل
ظروف احتجاز سيئة داخل مخيمات ترحيل السوريين في تركيا
عنب بلدي – براءة خطاب
“الحرارة داخل (الكرفانات) مرتفعة جدًا، ولا مياه طوال اليوم سوى لساعة أو ساعتين، ولا خيار لدينا سوى الامتثال للأمر الواقع”، هكذا وصف لاجئون سوريون حالهم في مخيم كلّس “ألبيلي”، الذي يُنقلون إليه حاليًا لتقييم ملفات لجوئهم في تركيا.
تستمر السلطات التركية بحملتها الأمنية التي أسفرت عن ترحيل لاجئين إلى سوريا من عدة مدن وولايات، بينهم حملة بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك)، في رحلة “عشوائية” و”مبهمة التفاصيل”، وتركزت الحملة في مدينة اسطنبول التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين من بين المدن التركية.
ويُنقل السوريون المخالفون في أوراقهم الثبوتية إلى المخيمات، دون إعلامهم بشكل مسبق عن هذه الخطوة، أو الإفصاح لهم عن المكان الذي سيُنقلون إليه، بحسب ما قاله لاجئون جرى ترحيلهم لعنب بلدي.
وداخل “كرفانات” مصنوعة من صفائح التوتياء، تزيد حرارة الشمس من معاناتهم فيها، يبحث السوريون كل يوم عن بصيص أمل قد يخرج من المسؤولين عن مراكز الاحتجاز، حيث يقيمون في مراكز كانت تُستخدم سابقًا كمخيمات للاجئين السوريين في تركيا.
عنب بلدي تواصلت مع مجموعة من السوريين الذين رُحّلوا إلى مخيمات الترحيل، منها مخيم “مرعش” بولاية كهرمان مرعش جنوبي البلاد، التي تبعد نحو 150 كيلومترًا عن الحدود السورية، ومخيم “ألبيلي” في ولاية كلّس، ومركز احتجاز “أوزلي” في ولاية غازي عينتاب، حيث يقيم المرحّلون كمجموعات ضمن “الكرفانات”.
ترحيل مبهم التفاصيل
“مر على احتجازي في المخيم أكثر من ثمانية أشهر، لم يخبرنا أحد متى سينتهي هذا الوضع، ومدير المخيم يتوعد بإبقائنا هنا، أو العودة إلى سوريا”، لفت رمضان عمر (26 عامًا)، وهو لاجئ سوري من مدينة جرابلس، إلى بقائه لمدة تجاوزت ثمانية أشهر في مخيم كلّس “ألبيلي”، بانتظار قرار ينهي معاناته.
وبحسب ما أفاد به رمضان لعنب بلدي، يوجد نحو 21 شخصًا في المخيم، أغلبهم لديهم محاكم ومنع سفر، بعضهم حاول توكيل محامٍ للخروج من المخيم لكن دون جدوى.
يتقدم مدير المخيم مرارًا إلى أنقرة بطلب ترحيل المحتجزين إلى سوريا، ليأتيه الرفض في كل مرة، بسبب المحاكم التي تمنع من مغادرة تركيا بحسب رمضان، على الرغم من توقيعه وآخرين على أوراق للعودة الطوعية عدة مرات.
ويمنع أي شخص لديه محكمة في تركيا من المغادرة قبل انتهاء محاكمته، ويمنع احتجازه بسبب جلسات المحاكمة، بالإضافة إلى التوقيع الأسبوعي الذي يفرض عليه في مركز الشرطة، بحسب رمضان.
لكن مدير المخيم يكرر كلامه المعتاد بعدم خروج أي شخص من المخيم إلا في حال ذهابه إلى سوريا، بحسب ما أفاد به عدة أشخاص من الذين قابلتهم عنب بلدي.
أشار رمضان إلى أن وضعهم يزداد سوءًا ضمن ضبابية واقعهم الحالي، وتابع، “أغلبنا ليس لديه أقارب أو معارف ليساعدوه، نحن نعمل لنعيل عوائلنا في سوريا”.
ومع غياب أي أفق بالخروج من مراكز الاحتجاز، تأقلم عديد من المحتجزين مع روتين الحياة داخل المركز، ومنهم من يصور يومياته عبر مقاطع مصورة يبثها على تطبيق “تيك توك”.
انقطاع المياه
“لا مياه طوال اليوم سوى ساعة أو ساعتين، (الكرفانات) غير نظيفة والحشرات منتشرة”، هكذا وصف رمضان الظروف السيئة في مخيم كلّس “ألبيلي” الذي نُقل إليه مع مجموعة من السوريين.
وفق ما قاله عبد الله أبو عرب، وهو لاجئ سوري من مدينة حلب، لعنب بلدي، فإن الموظفين في المخيم يجتمعون بهم في السابعة صباحًا والسابعة مساء، بهدف إحصاء عدد المحتجزين والتأكد من وجود الجميع.
وأشار إلى أن كل من يطالب بأي توضيح أو يستفسر عن مصيره في المخيم وإلى ماذا سيؤول إليه، أو يطلب زيارة الطبيب بسبب حالة صحية يمر بها يرفض طلبه، ويقابَل بعبارة تتردد على ألسنة الموظفين في كل مرة، وهي “من لا يعجبه المخيم ليذهب إلى سوريا”.
وصف عبد الله الوجبات التي تقدَّم إليهم في المخيم بأنها عبارة عن “تسكيت جوع” لقلتها، مضيفًا أن وجبة الإفطار لا تستحق أن يستيقظ في ساعة مبكرة ليحصل عليها، بحسب تعبيره، لكن بعض المقيمين مضطرون، لعدم وجود مورد لهم خارج المخيم يساعدهم أو من يقرضهم المال.
وقال عبد الله، إن طريقة تعامل المسؤولين معهم في المخيم، وعدم تأمين الطبابة لهم عند مرضهم، أو السماح لهم بمراجعة الطبيب أو المستشفى، بالإضافة إلى عدم إعطائهم المال لتأمين احتياجاتهم، هي أساليب “تطفيش”.
ودفعت هذه الأساليب عدة أشخاص إلى التوقيع على أوراق العودة الطوعية للعودة إلى سوريا، لكن لا جدوى منها مع وجود منع من مغادرة تركيا بسبب المحاكمات، بحسب عبد الله.
إما القبول وإما العودة إلى سوريا
“لا أعلم ما هو مصيري، ولا أملك خيارًا سوى الانتظار”، هكذا وصف عبد الله وضعه في المخيم، إذ يواجه محكمة تمنعه من السفر خارج تركيا إلا بعد إنهائها. وعلى الرغم من معرفة مدير المخيم بوضعه ومن معه، فإنه يكرر ذات الكلمات قائلًا، “لن أدع أحدًا يخرج من المخيم إلا في حال ذهابه إلى سوريا”.
محمد (22 عامًا)، لاجئ سوري من حلب نُقل إلى مخيم “مرعش” منذ شهرين بعد مرور أربع سنوات على فترة إقامته في تركيا، وأشار إلى أنه لا يستطيع العودة إلى سوريا لعدم وجود أحد من عائلته في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إذ تقع مدينته تحت سيطرة قوات النظام السوري، وهو ما يجعل أمر عودته مستحيلًا، حسب قوله.
“لا أريد العودة إلى تلك المناطق، لا أحد لي هناك، ولا أعرف أحدًا، ولا يوجد معيل آخر لعائلتي”، هكذا وصف “محمد” (اسم مستعار لأسباب أمنية) استحالة عودته إلى مناطق سيطرة النظام التي تشكّل خطرًا على حياته، لافتًا إلى أنه غريب عن هذه المناطق التي ترحّل تركيا السوريين إليها دون النظر إلى أن بعضهم ليسوا من سكانها.
سمير (23 عامًا)، لاجئ سوري حاصل على بطاقة “الحماية المؤقتة” من ولاية مرسين، قبضت عليه قوات الأمن التركية خلال عمله في متجر ألبسة بمنطقة مارتر باسطنبول ونقلته إلى مخيم “مرعش”.
ذكر سمير أن سبب اقتياده من عمله وترحيله إلى المخيم هو وجوده في ولاية مخالفة للولاية التي استخرجت منها بطاقته، وهو ما يعد مخالفًا للقوانين التي أصدرتها السلطات التركية.
وأضاف سمير لعنب بلدي أن قوات الشرطة صادرت الهواتف المحمولة، “ونقلتنا إلى المخفر، وتم توقيفنا هناك حوالي سبع ساعات”.
“كملك” اسطنبول لا يشفع
حال المحتجزين بمركز احتجاز “أوزلي” في غازي عينتاب لا تختلف عن حال المحتجزين في مخيم “كلّس”، لكنها أكثر صعوبة، إذ يحظر على المحتجزين استخدام الهواتف النقالة، ويسمح لهم إجراء مكالمة واحدة يوميًا من هاتف عام موجود بالسجن.
يروي أنس لعنب بلدي ما تعرض له صديقه بلال من اعتقال وترحيل إلى مركز احتجاز “أوزلي” في ولاية غازي عينتاب، إذ قُبض عليه في حي الفاتح باسطنبول وهو يحمل أغراض السفر، في أثناء محاولته الذهاب إلى أوروبا.
لم تشفع بطاقة “الحماية المؤقتة” التابعة لولاية اسطنبول لبلال، إذ نُقل إلى سجن “توزلا” الموجود في القسم الآسيوي من اسطنبول، ليأتي أمر بنقله هو وعدد من الأشخاص الذين احتجزوا معه إلى سجن “أوزلي”.
وكّل أصدقاء بلال محاميًا له، وعن قرار الترحيل قال أنس، إن المسؤولين لا يمكنهم أن يرحّلوا الشاب بناء على طلب الطعن الذي قدمه المحامي، ولكنه مجبر على البقاء في المخيم ريثما يوافق القاضي على طلب إطلاق سراح مشروط تقدم به.
وأشار أنس إلى توفر المياه والكهرباء في سجن “أوزلي” على مدار الساعة.
انخفاض أعداد السوريين في تركيا
تستمر عمليات التفتيش المتعلقة بضبط المهاجرين “غير النظاميين” من قبل وحدات حفظ الأمن، إذ يجري إرسالهم إلى بلدانهم عبر رحلات الطيران، أو عبر الحدود بعد إجبارهم على توقيع أوراق تثبت أنهم عادوا بشكل طوعي.
وفي تقرير أعدته صحيفة “yeni gun” التركية، في 11 من أيلول الماضي، قالت إن نحو 22 ألف سوري غادروا الأراضي التركية خلال آب الماضي، مستندة إلى البيانات التي حدّثتها مديرية إدارة الهجرة التركية مطلع أيلول الماضي.
وانخفض عدد السوريين المقيمين في تركيا إلى ثلاثة ملايين و307 آلاف و882 شخصًا مطلع العام الحالي، وغادر تركيا ما مجموعه 205 آلاف و894 سوريًا.
وبحسب الصحيفة التركية، بلغ عدد السوريين المقيمين في مراكز الإيواء المؤقتة 73 ألفًا و854 سوريًا، وهو ما نسبته 2% من العدد الإجمالي للسوريين، بينما يعيش في المدن ثلاثة ملايين و284 ألفًا و697 سوريًا.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال في مؤتمر صحفي بعد قمة مجموعة العشرين، في 10 من أيلول الماضي، إن ما يقرب من 600 ألف سوري “عادوا إلى وطنهم بأمان وطوعية وبطريقة تليق بالكرامة الإنسانية من خلال ما وفرته تركيا من مناخ ومشاريع في سوريا”، بحسب وكالة “الأناضول” التركية.
مهلة للسوريين
تعهد وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، بخفض عدد المهاجرين غير النظاميين في جميع الولايات بشكل ملحوظ خلال مدة لا تتجاوز أربعة إلى خمسة أشهر، موضحًا أن المهاجر غير النظامي هو الأجنبي الذي دخل تركيا بطريقة غير قانونية ويواصل الإقامة والعمل فيها دون تصريح رسمي.
ونفى الوزير ترحيل بلاده للسوريين، مشيرًا إلى أن هناك “من يستغل المنصات الرقمية للإثارة ضدنا”.
وانتهت، في 24 من أيلول الماضي، المهلة التي أعطتها دائرة الهجرة التركية للسوريين المقيمين في اسطنبول بشكل مخالف للعودة إلى الولايات المسجلين فيها، تزامنًا مع حملات أمنية تلاحق المخالفين في الشوارع وأماكن العمل، وحتى المواصلات العامة.
ويجد السوريون المقيمون في تركيا، وخاصة في الولايات الحدودية الجنوبية مع سوريا، صعوبة بالغة في الحصول على إذن سفر، وخاصة إلى ولاية اسطنبول التي تحاول السلطات التركية تخفيف وجود السوريين فيها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :