إدلب – شمس الدين مطعون
انطلق عاملون وهواة في مجال صيد الطيور بريف إدلب شمال غربي سوريا إلى موسم الصيد ورحلة البحث عن الطائر “الحر”، التي تبدأ من أيلول وتمتد حتى كانون الأول من كل عام.
باستخدام معدات متواضعة يصنعونها بأنفسهم وآليات تقليدية ومتوارثة، يبدأ الصيادون موسم الصيد موقعين في شباكهم أنواعًا مختلفة من الطيور التي تُباع لتجار محليين وصيادين يستخدمونها كطعم لجذب الطائر “الحر”.
الطائر “الحر” هو وصف يشمل أنواعًا متنوعة من الصقور والشواهين، التي تتميز باقتصار غذائها على ما تصطاده ولا تتناول الجيف.
وتباع الطيور في الشمال السوري بالليرة التركية المتداولة في المنطقة، وتشكّل مصدر دخل لعائلات كثيرة.
هدوء “النوجة”
يبحث الصيادون عن أماكن هادئة بعيدًا عن ضوضاء السيارات والناس، ويمكثون بـ”النوجة”، ويتم تجهيزها عبر إقامة حفرة صغيرة مغطاة بقماش مصبوغ بالتراب لتبدو مثل لون الأرض، ومن خلالها يتركون ثقوبًا تمنحهم الرؤية لمتابعة حركة الطيور.
“النوجة” هي التسمية الشعبية التي تطلق على ساحة الصيد التي تتم فيها ملاحقة الطيور، وتتكون معدات الصيد من الطعم لاستدراج الطيور، والشبكة والمنظار لمراقبتها، إضافة إلى بعض الطعام والشراب للصياد من أجل تزويد نفسه بالطاقة خلال ساعات الصيد الطويلة والشاقة.
الهدوء مطلوب، إذ تفزع الطيور من الألوان والأصوات، ويحاول الصيادون البقاء هادئين في أماكنهم، ويراقبون نوع الطائر الذي يقترب من شباكهم ثم يخرجون له الطعم المناسب لاصطياده.
حيلة وأدوات بسيطة
ينشط علي هلال (20 عامًا)، المهجر من قرية الطلحية والمقيم في بلدة تفتناز بريف إدلب الشرقي، في موسم الصيد منذ أربع سنوات، ويحاول كل عام اصطياد الطائر “الحر” عبر أدواته المتواضعة، إذ أقام “النوجة” الخاصة به مع مطلع موسم الصيد.
وقال علي لعنب بلدي عن آلية الصيد، إنه يجب إظهار الحمامة كطعم للطائر “الحر”، بينما يكفي إظهار طائر السمان (الفري) لجذب الباشق وأشباهه وهو أحد أنواع الطيور الجارحة.
وتمتد حبال من الشبكة التي يقيمها الصياد على بُعد أمتار من “النوجة”، ويغطيها بالتراب كي لا تراها الطيور، ومن الجهة الأخرى يضع طائر الباشق على حجر، ويُعلق كيسًا أسود ليلفت انتباه الطيور الأخرى ظنًا أنه يحمل طعامًا، ويربط حبلًا في قدمه كي لا يطير بعيدًا.
ويضع طائر الفري في قفص وحمامة في قفص آخر على أن يكونا مخفيين جيدًا عن أعين الطيور، ولكل منهما حبل لفتحهما عن بُعد لاستخدامهما كطعم.
وتجري عملية الصيد، كما أوضح علي، عندما يقترب أحد الطيور ليرى ما عُلق في قدم الباشق، وما إن يقترب حتى يشد الحبل الأول ليقترب الباشق من مكان الشبكة ويلحقه الطائر، ويشد الصياد الحبل الآخر لإخراج الطعم المناسب وجذبه إلى موضع الشبكة، وعند اقتراب الباشق يشد حبال الشبكة لتغلق عليه، ويخرج الصياد من مكانه ويمسك بالطائر العالق.
وأوضح الشاب أنه لا يؤذي الطيور المستخدمة كطعم، حيث يلفها بشبكة على ظهرها لتحميها من مخالب الطائر المراد اصطياده.
أسعار يحددها العرض والطلب
تختلف الأصناف التي يتم اصطيادها خلال الموسم، ومنها الجارحة وأشهرها الباشق والزريج، ويُستخدمان لاصطياد الطائر “الحر”، والشاهين وهو بأنواع عدة (التبع والمثلوث وكامل)، وتُحدد تبعًا لشكله، والطيور العادية وهي السمان والقطا والحمام البري، إضافة إلى أنواع أُخرى يتعرف عليها الصيادون بعد التقاطها.
ثامر الأحمد، مهجر من أبو ظهور ويقيم في ريف إدلب، يعمل وسيطًا في تجارة الطيور، قال لعنب بلدي، إن الأسعار غير ثابتة وهي تختلف بالعرض والطلب، كما أن هناك طيورًا يُحدد سعرها عند رؤيتها.
وأوضح أن الطيور العادية التي تباع لتكون وجبة للصياد أو طيوره الجارحة تُستهلك في السوق المحلية، وأشهرها الفري، وسعر الجوز (طير وطيرة) منها من 30 إلى 40 ليرة تركية، وكذلك طير السمان، ويتراوح سعر جوز الحمام البري بين 50 و100 ليرة تركية.
وبالنسبة للطيور الجارحة والباشق وهو أشهرها، فيستخدمها الصياد في كمينه، ويباع الطائر في بداية موسمه بـ150 ليرة، ومع دخول الموسم يتراجع سعره لـ50 ليرة فقط، أما الشاهين أو الطائر “الحر” فهو غنيمة الصياد التي يطول انتظارها، وهي قد تكون “ضربة العمر”، بحسب ثامر.
وأضاف ثامر أن لهذا الطير معيارًا وقياسات معينة تحدد قيمته، ويقاس بالإنش والسنتمتر، ولكي يكون ثمنه مرتفعًا يجب أن يتجاوز طوله 40 سنتمترًا، ويطلق عليه الطير الوافي، وإذا كان طوله 30 سنتمترًا فهو “مثلوث” وله سعر جيد.
وكلما قصر طول الطائر تراجعت قيمته، كما يشكل طول وجمال ذيله عاملًا أساسيًا في سعره، وهو يباع للتصدير إلى دول الخليج، ويبدأ سعر هذه الطيور من 1000 دولار أمريكي (27 ألف ليرة تركية) إلى 30 ألف دولار.
ويستغرق صيد الطائر “الحر” سنوات حتى يقع في شباك الصيادين بإدلب، في حين تشكل الطيور الأخرى مصدر جيدًا للدخل، إذ يمكن للصياد أن يبيع يوميًا طيورًا اصطادها بقيمة تتراوح بين 100 و300 ليرة تركية في المنطقة التي لا تتجاوز أجرة العامل فيها بأحسن الأحوال 70 ليرة تركية (أقل من ثلاثة دولارات).