اللاذقية – ليندا علي
لا يخفي يسار (47 عامًا)، يعمل سائق حافلة (باص) على خط اللاذقية- القرداحة، ندمه الشديد على بيع ثلث ما أنتجه العام الماضي من زيت الزيتون بسعر لا يتجاوز الـ250 ألف ليرة للصفيحة (التنكة)، فهو لا يدري اليوم من أين يحصل على المال اللازم لشراء مؤونة الزيت خلال هذا الموسم.
أرض الزيتون التي يملكها يسار تبلغ مساحتها نحو دونمين، وأنتجت العام الماضي نحو 24 صفيحة زيت، لكن هذا العام لن تنتج حتى صفيحتين، بينما تحتاج عائلة يسار إلى نحو صفيحة كاملة شهريًا، كما قال، لافتًا إلى أنهم “يشربون الزيت مثل الماء”، في إشارة إلى استهلاكه الكبير.
وبدأ موسم قطاف الزيتون في اللاذقية منذ 20 من أيلول الماضي، حاملًا معه خسائر للمزارعين وإنتاجًا ضعيفًا كسر التوقعات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإنتاج هذا العام “معاوم”، بمعنى أنه موسم يعطي أقل من إنتاج العام الماضي.
وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في محافظة اللاذقية 41 ألفًا و389 هكتارًا، ويبلغ عدد الأسر العاملة في زراعته نحو 57 ألفًا و323 أسرة.
إنتاج ضعيف.. لا سماد هذا العام
قال يسار إن موسم الزيتون يكون جيدًا في موسم وسيئًا في الموسم الذي يليه (ظاهرة المعاومة)، وبالتالي كان يتوقع ألا يكون الإنتاج كبيرًا، لكن ليس إلى هذا الحد، فخلال المواسم السابقة، كان إنتاج الموسم “السيئ” يوازي نصف إنتاج الموسم الجيد على الأقل.
وأضاف أن سعر الصفيحة (16 كيلوغرامًا) وصل إلى مليون و200 ألف ليرة سورية، مع حديث غير مؤكد عن أن السعر انخفض إلى ما بين 800 ألف ومليون ليرة، وحتى إن بيع بهذا السعر فهو أعلى بكثير من أن يستطيع تحمل كلفته.
يسار قال إنه لم يستطع العناية بأرضه كما يجب، نتيجة ارتفاع سعر السماد، كما أنه لم يستطع حراثتها سوى مرة واحدة هذا العام، بينما تحتاج إلى مرتين، بسبب ارتفاع تكلفة حراثة الدونم الواحد إلى 100 ألف ليرة للجرارات، و75 ألف ليرة للحراثة بالطريقة التقليدية القديمة بالاعتماد على الدواب.
بدوره، محسن (56 عامًا) فلاح من ريف جبلة، لم يستطع تسميد أرضه هذا العام، إذ بلغت تكلفة تسميد الدونم الواحد نحو 700 ألف ليرة، وهو اليوم يدرك أنه يدفع الثمن، نتيجة خسارته موسمه هذا العام.
وقال لعنب بلدي، إن ثلاثة دونمات زيتون لن تنتج حتى ثلاث صفائح زيت، لافتًا إلى أنه سيشتري حتى مؤونة الزيتون الأخضر “المرصوص”، بعد أن كان يوزعه على الجيران.
وانهارت أحلام محسن الذي كان يمتلك بعض الآمال بموسم جيد، يدّخر جزءًا منه للأيام “السوداء” المقبلة، وللمساعدة في تأمين جزء من مصاريف المنزل ودراسة أبنائه، حسب قوله.
العجز عن العناية هو السبب
قال مهندس زراعي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن ظاهرة “المعاومة” ليست جديدة في الساحل السوري، لكن هذا العام من الواضح أنها كبيرة جدًا، وهذا يعود إلى سببين رئيسين، الأول هو غزارة الإنتاج العام الماضي، والثاني العجز عن العناية بأشجار الزيتون، بسبب ارتفاع التكاليف.
المهندس أكد أنه لو كان الفلاحون قادرين على تسميد الأرض والعناية بمحصولهم، لكان الإنتاج يصل إلى 75% مقارنة بالعام الماضي حين كان الإنتاج غزيرًا.
وتتطلب العناية بأشجار الزيتون شرطين أساسيين، الأول تسميد الأرض، والثاني تقليم الأشجار بعد انتهاء الموسم الجيد، وفق المهندس، محذرًا من تقليمها خلال الموسم “السيئ” أي الحالي.
وبحسب المهندس الزراعي، فإن كل دونم زيتون يحتاج إلى نحو 23 كيلوغرامًا من سماد “اليوريا”، إضافة إلى 22 كيلوغرامًا من الفوسفات، و20 كيلوغرامًا من البوتاس.
ويبلغ ثمن كيلو سماد “اليوريا” نحو 13 ألف ليرة، أي يحتاج الدونم إلى نحو 300 ألف ليرة، بينما يصل سعر بقية الأنواع مجتمعة إلى نحو 500 ألف ليرة، ما يعني أن كل دونم زيتون يحتاج إلى نحو 800 ألف ليرة للسماد، إضافة إلى 200 ألف ليرة للحراثة مرتين خلال العام.
وتعتبر المبالغ السابقة خيالية بالنسبة لأغلبية الفلاحين، خصوصًا الذين تعرضوا لما وصفوه بعملية “غش كبيرة”، حين باعوا الزيت مع بداية الموسم الماضي بسعر لا يتجاوز الـ250 ألف ليرة للصفيحة، بينما ارتفع سعره اليوم إلى نحو خمسة أضعاف تقريبًا.
وتشير التوقعات إلى إنتاج 45 ألفًا و179 طن زيتون، منها 11 ألفًا و774 طنًا في اللاذقية، كما قال مدير زراعة اللاذقية، باسم دوبا، لصحيفة “الوطن“، مع توقعه بأن يصل إنتاج الزيت إلى 10 آلاف طن هذا الموسم.
بينما بلغ حجم الإنتاج العام الماضي 210 آلاف طن، وفق تصريحات سابقة لمدير الزراعة نقلتها صحيفة “البعث” التابعة للحزب الحاكم، أي أن الإنتاج هذا العام أقل من الربع.
وخلال عام 2021، الذي كان يعتبر عام “معاومة”، بلغ حجم الإنتاج نحو 88 ألف طن، كما قال رئيس شعبة الزيتون في مديرية زراعة اللاذقية، عمران إبراهيم، أي أكثر بنحو الضعف من توقعات إنتاج الموسم الحالي الذي يعتبر موسم “معاومة” أيضًا.