بدأت صورة الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة بالاكتمال، عقب إعلان الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، ترشحه رسميًا لخوض الانتخابات المقررة في كانون الأول المقبل، في ظل أزمة اقتصادية تعيشها البلاد، واحتقان سياسي في ظل اتهامات توجهها المعارضة للحكومة المصرية بقمع محاولات شخصيات عامة الحصول على التوكيلات اللازمة من مناصريهم.
ويأتي ترشح السيسي في ظل محاولة المرشح المحتمل، أحمد الطنطاوي، جمع العدد المطلوب من التوكيلات الشعبية، والبالغ 25 ألف توكيل، في 15 محافظة على الأقل.
وتثير الظروف السياسية في مصر الجدل ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستوى الدولي كذلك، مع ارتباط الدولة المصرية بمعونة أمريكية سنوية، وخلافات بين السيسي وحلفائه في دول الخليج العربي، على خلفية تدخل الجيش المصري في الحياة الاقتصادية في البلاد.
تصريحات تثير الجدل من السيسي
وألقى السيسي خطابًا، في 2 من تشرين الأول الحالي، ضمن مؤتمر “حكاية وطن”، قال فيه إنه “يعتزم الاستمرار بتطوير الحياة السياسية والحزبية”، في إشارة إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي عقده قبل أشهر مع المعارضة المصرية.
كما أطلق السيسي صفحة رسمية في “فيس بوك” لحملته الرئاسية، وقال في منشور أمس، إن ترشحه يأتي تلبية لنداء المصريين لاستكمال الحلم، على حد وصفه.
سبق إعلان الترشح، تصريحات أثارت الجدل للسيسي، قال فيها “إن كان ثمن البناء والتنمية هو الجوع والحرمان فلينتبه المصريون بأن يفضلوا الطعام عليها”.
وتبع هذا التصريح، تصريح ثان قال فيه إنه قادر على توزيع مبالغ مالية ودواء “ترامادول” (يستخدمه المدمنون كنوع من أنواع المخدرات) في حال أراد دمار مصر.
وبالرغم من الانتقادات العلنية من المعارضة المصرية للحكومة المصرية حول منح التوكيلات لشخصيات معارضة، تؤكد السلطات المصرية أنها تلتزم بالحياد والشفافية.
ونقلت صحيفة “الأهرام” المصرية الحكومية، عن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، توجيهه للبعثات الدبلوماسية في الخارج للالتزام بالحياد وتنظيم الانتخابات وفق القواعد والضوابط.
الحلفاء مستاؤون
ولا يبدو أن التصريحات الحكومية المصرية تقنع الدول الغربية، وقالت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها، في 3 من تشرين الأول، إن أعضاء في “الكونجرس” الأمريكي، يحاولون منع مبلغ 235 مليون دولار أمريكي من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر.
وترتبط هذه المساعدات وفق الصحيفة بتحسين حقوق الإنسان واتخاذ خطوات ملموسة وهادفة ومستدامة في هذا المجال، مشيرةً إلى احتجاز عشرات الآلاف من السجناء السياسيين منذ وصول السيسي إلى الحكم في عام 2014.
ووفق “منظمة العفو الدولية“، تحجب الحكومة المصرية 600 موقع إلكتروني مختص بالأخبار أو حقوق الإنسان، واستهدفت معارضين سياسيين من خلال الاحتجاز التعسفي، ووضع 620 شخصًا على قوائم الإرهاب بدون اتباع الإجراءات القانونية ومنعهم من المشاركة في أي عمل سياسي أو مدني أو السفر إلى الخارج.
ووفق المنظمة، ألقت السلطات المصرية على ألفين و526 شخصًا من المشتبه في انتقادهم أو معارضتهم للحكومة بين شهري نيسان وكانون الأول 2022، مع صدور أحكام بالحبس الاحتياطي لعشرات الآلاف من المواطنين.
“واشنطن بوست” اتهمت الرئيس المصري بمحاولة تبييض صورته عبر إقامة “الحوار الوطني”، وهو مجموعة من النقاشات التي جمعت الحكومة المصرية مع سياسيين ونشطاء مصريين في 2022 و2023.
وتشمل المعايير الأمريكية بحسب الصحيفة، حماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، والسماح لوسائل الإعلام المستقلة والمدافعين عن حقوق الإنسان، العمل بدون تدخل والإفراج عن المعتقلين السياسيين.
وأعلنت الإدارة الأمريكية في أيلول الماضي، عن منح مصر مبلغ 235 مليون دولار أمريكي من المساعدات المشروطة.
وتتلقى مصر معونة أمريكية سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار أمريكي، منذ عام 1978 بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية مع الاحتلال الإسرائيلي، المعروفة باتفاقية “كامب ديفيد”، قبل أن ترتفع لاحقًا إلى 2.1 مليار دولار، وفق صحيفة “الأهرام” الحكومية.
وتلعب الأزمة الاقتصادية دورها في تحركات الحكومة المصرية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وسبق لمنتدى “فكرة” أن نشر دراسة في 28 من أيلول الماضي، قال فيها إن انضمام مصر إلى مجموعة “بريكس” في آب الماضي، هدف إلى الحصول على قروض مالية جديدة.
كما أن الحملة الإعلامية التي نفذتها وسائل إعلام مصرية مقربة من الحكومة حول انضمام مصر للمجموعة، يهدف لتخفيف السخط العام من الأزمة الاقتصادية في البلاد
وليست الولايات المتحدة الأمريكية الوحيدة المستاءة من ضمن حلفاء مصر، بل كذلك كل من السعودية والإمارات، اللتين قدمتا دعمًا مباشرًا للسيسي منذ عام 2013 بعد إزاحة الرئيس السابق، محمد مرسي، المنتمي لجماعة “الإخوان المسلمون” عن سدة الحكم.
وقام التحالف الذي استمر لعشر سنوات بين الدول الثلاث، بمنع التحول الديمقراطي في المنطقة ووقف صعود الإسلام السياسي، ومواجهة نفوذ إيران وتركيا في المنطقة، وفق مؤسسة “العلوم والسياسة” الألمانية، ضمن دراسة نشرتها في آب الماضي.
الدراسة أشارت إلى أن الإمارات والسعودية منحتا السيسي ملايين الدولارات لتعزيز حكمه وتنسيق السياسات الإقليمية والأمنية في ملفات ليبيا وقطر وتركيا، لكن هذا التحالف لم يعد كما كان.
وتغيرت نظرة السعودية إلى القيادة المصرية، ووجهت الأولى انتقادات علنية عبر صحفيين ومقربين من العائلة المالكة لدور الجيش المصري في الاقتصاد المصري، ومن صحفيين مصريين ضد السعودية.
ووفق موقع “مدى مصر” المستقل، حاول السيسي بالفعل كبح جماح الصراع الإعلامي الذي نشأ مطلع العام الحالي بين مصر والسعودية بسبب جزيرتي “تيران وصنافير” المصريتين، وهذا الصراع هو انعكاس لطبيعة العلاقة الحالية بين القاهرة والرياض.
الأمر نفسه ينطبق على العلاقات بين أبو ظبي والقاهرة، حيث يدعم كل طرف منهما أحد طرفي النزاع في السودان، وفي حين تقدم الإمارات دعمًا مباشرًا لـ”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تقدم القاهرة دعمها لقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان.
وقد يؤدي تعليق المساعدات الخليجية إلى مصر، لإعلان الأخيرة لإفلاسها في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، وفق الدراسة.
الطنطاوي في الشارع
الاستياء من إدارة السيسي لمصر، لا يتوقف على معارضين مصريين وحلفاء البلاد فقط، بل بدأ يمتد إلى شخصيات عامة مصرية، بعضهم قدم الدعم علنًا للمرشح المحتمل، أحمد الطنطاوي، وآخرون انتقدو السيسي بطريقة غير مباشرة.
ومن الشخصيات المصرية، المؤرخ خالد فهمي، والبروفيسور المصري مأمون فندي، والإعلامي حافظ الميرازي.
فيما انتقدت شخصيات أخرى العملية الانتخابية، منهم الكاتب المصري بلال فضل، ففي تسجيل مصور نشره فضل عبر قناته في “يوتيوب” في آب الماضي، اعتبر أن الانتخابات عبارة عن مسرحية ينفذها السيسي.
من جهته اعتبر رئيس حزب “الإصلاح” والنائب السابق في البرلمان المصري، محمد أنور السادات، في لقاء مع الإعلامي حافظ الميرازي، في 3 من تشرين الأول، أن على الجيش المصري مراقبة الانتخابات، داعيًا شخصيات عسكرية للترشح لخوض السباق الرئاسي.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الانتقادات الدولية والمحلية للرئيس المصري، تتهم المعارضة الحكومة المصرية بمنع شخصياتها من الحصول على التوكيلات الشعبية اللازمة للترشح، على رأسهم المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي.
وفي تسجيل مصور نشره الطنطاوي أمس، طالب المصريين في الخارج بتحرير القرار السياسي في البلاد كما دعموا الاقتصاد سابقًا، وتحرير التوكيلات له لخوض الانتخابات لينجح بالترشح وتقديم البديل عن السيسي.
كما زار المرشح المحتمل عددًا من المحافظات المصرية ومكاتب الشهر العقاري خلال الأسبوع الماضي، ونشر عبر حسابه في منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، عددًا من التسجيلات المصورة، التي تظهر مصريين يحملون لافتات تحمل اسمه وشعار حملته “يحيا الأمل”.
وأضاف أن نسبة محدودة من مؤيديه نجحوا بمنحه التوكيل بسبب رفض مكاتب الشهر العقاري لهذا الأمر.
فيما اعتبرت المرشحة المحتملة، جميلة اسماعيل، في منشور عبر “إكس“، في 1 من تشرين الأول، أن “معركة التوكيلات” بوابة هامة وخطيرة بسبب تهميش قطاعات واسعة من الشعب المصري وتغييبها عن المشهد السياسي.
وذكر موقع “مدى مصر“، في 30 من أبلول الماضي، أن السلطات المصرية مستمرة بالاعتداء على أعضاء حملة الطنطاوي، عبر المنع والتضييق عليهم خلال تحرير التوكيلات.
كما منع بعض الأعضاء من الدخول إلى المكاتب، وتعرض بعضهم للضرب والتهديد.
واتهمت كل من جميلة اسماعيل، وأحمد الطنطاوي، السلطات المصرية في وقت سابق، بمنع أنصارهما من الحصول على التوكيلات اللازمة، وأصدرا بيانين في وقت متزامن حول القضية نفسها.
ويشترط على المرشح أن يحصل على تأييد 20 عضوًا من مجلس النواب المصري، أو أن يؤيده 25 ألف مواطن مصري ممن يحق لهم الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، بحد أدنى يبلغ ألف مؤيد لكل محافظة.
وسبق أن قال طنطاوي إن السلطات المصرية اعتقلت عددًا من متطوعي حملته الانتخابية، فيما أشارت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، إلى إن السلطات المصرية صعّدت من الهجمة الأمنية على حملة الطنطاوي.
ووصل عدد الموقوفين من متطوعي الحملة إلى 73 متطوعًا، منهم محامون مصريون، ورفضت السلطات إخلاء سبيل بعضهم، رغم صدور قرار من نيابة أمن الدولة بإطلاق سراحهم.
وفق المبادرة، يواجه المتطوعون تهمًا تتعلق بـ”الانضمام لجماعة إرهابية” و”نشر أخبار كاذبة” و”ارتكاب جريمة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.