أعلن النظام السوري افتتاح معبر “التايهة” الواصل بين مناطق سيطرته بمحافظة حلب ومناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) غربي منبج، أمام تنقل المواطنين دون تعليق من قبل الأخيرة.
ونقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام عن مصدر أمني لم تسمّه، أن معبر “التايهة” سيجري افتتاحه اعتبارًا من 30 من أيلول الماضي، وبإمكان المواطنين التنقل بحرية بين طرفي المعبر بعد تبسيط الإجراءات الخاصة بذلك، وفق المصدر.
الإعلان عن افتتاح المعبر يأتي بعد توقف حركة مرور الأشخاص والبضائع منه منذ نحو عامين، إلا في حالات نادرة، وكان الانتقال من خلال معبر “الطبقة” الفاصل بين الطرفين في ريف الرقة.
موقع “نورث برس” قال إن القرار صادر عن “اللجنة الأمنية بحلب”، وهي الجهة المسؤولة عن الإجراءات الأمنية والموافقات على المعابر والسلطة العسكرية فيها، وتتلقى أوامرها من وزارة الدفاع ومكتب “الأمن الوطني” في سوريا.
ويخلّص افتتاح المعبر سكان منبج من معاناتهم، ويختصر عليهم مسافات طويلة، إذ يستطيعون الوصول إلى حلب خلال ساعتين من “التايهة”، في حين كانوا يتنقلون عبر معبر “الطبقة”، ويستغرق معهم نحو ثماني ساعات.
أداة ضغط وممر سياسي
مدير مركز “رامان للأبحاث”، والباحث المتخصص في الشأن الكردي، بدر ملا رشيد، قال لعنب بلدي إن المعابر تعتبر أحد أهم أدوات ممارسة الضغط المتبادل بين “الإدارة الذاتية” المظلة السياسية لـ”قسد” من جهة والنظام السوري من جهة أخرى.
وذكر أنه كلما حدثت توترات سياسية وأمنية بين الطرفين، سارع أحدهما إما إلى حصار مناطق تابعة للطرف الآخر وتقع ضمن حدود سيطرته مثل حي الشيخ مقصود في حلب حيث تسيطر “الإدارة الذاتية”، والمربع الأمني في الحسكة أو القامشلي حيث يسيطر النظام، أو يقومان بإغلاق المعابر المشتركة كل من جهته، وحسب الأهمية الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للطرف الآخر.
وفيما يخص معبر ” التايهة” أوضح ملا رشيد أنه رغم إمكانية استفادة النظام من افتتاحه قبل الآن اقتصاديًا واجتماعيًا، إلا إن إغلاقه يسبب ضغطًا أكبر على “الإدارة الذاتية”، بالأخص أنه يزيد أعباء السفر لدى السكان العرب بنسبة أكبر من منبج وريفها وريف مدينة كوباني/ عين العرب.
وفي بعض الأحيان تؤثر خلافات شبكات المنافع ضمن النظام بحدوث صراعات بين أفرعه الامنية وقواته العسكرية وميليشياته، والتي من شأنها أن تؤدي لهكذا سياسات، وفق الباحث.
ويملك النظام مساحات جغرافية ضئيلة داخل المساحات التي تسيطر عليها “قسد” بمحافظة الحسكة، ولدى “قسد” مساحات مشابهة في مناطق سيطرة النظام بمدينة حلب، إذ تسيطر الأخيرة على حيي الشيخ مقصود والأشرفية على أطراف المدينة الشمالية.
ويتبادل الجانبان التضييق والرقابة على هذه المناطق، إذ يضيق النظام بين الحين والآخر الخناق على الأحياء الكردية في حلب، وتبادله “قسد” التحركات نفسها فيما يتعلق بالمربعات الأمنية في الحسكة.
واعتبر ملا رشيد أن أسباب افتتاح المعبر تتمثل بالضغط على النظام ضمن الحسكة بعد المواجهات مؤخرًا بين قوات النظام السوري وقوات “الدفاع الوطني” الرديف لها، بالإضافة إلى رغبة النظام بتسهيل مرور الأهالي إلى مناطقه وهو ما يعني إدخالهم العملة الصعبة نتيجة توفرها في مناطق “الإدارة” أكثر.
وبحسب الباحث، يرغب النظام بمحاولة التقليل من المطالبات الأهلية التي لا تكلفه سياسيًا، في ظل الأزمة التي يعيشها بتعثر مسار التطبيع العربي، واستمرار المظاهرات المعارضة له في السويداء، كما أن محاولات “هيئة تحرير الشام” العاملة في إدلب، للسيطرة على المعابر مع “قسد” في مناطق شمالي حلب، يمكن أن تكون عاملًا يدفع النظام لزيادة مستوى اعتماد شرق الفرات عليه (لتأمين مواد طبية وأغذية)، وتخفيف ذات العلاقة سواء الموجودة حاليًا أو المتوقعة مستقبلًا.
باب موارب
لم يتوقف معبر “التايهة” بشكل كامل خلال العامين الماضين، إذ أعلنت حكومة النظام في حزيران الماضي، وصول دفعات إلى مدينة حلب من طالبات الصف التاسع عبر المعبر، استعدادًا لتقديم امتحان شهادة التعليم الأساسي والإعدادية الشرعية، بالتعاون بين مركز التنسيق الروسي ومحافظة حلب.
وفي 2 من حزيران الماضي، ذكرت مديرية التربية في حلب أنها أرسلت 40 حافلة نقل داخلي إلى معبر “التايهة”، لنقل الدفعة الأولى من طالبات الصف التاسع البالغ عددهن 2700 طالبة من المعبر إلى مراكز استضافة.
وفي تموز 2022، وصلت تعزيزات عسكرية تابعة لقوات النظام، إلى مدينة منبج عن طريق معبر “التايهة”، كانت ست حافلات تحمل ما يقارب الـ300 عنصر، وست دبابات محملة على شاحنات برفقة طائرة مروحية، واتجهت صوب خطوط الجبهات في منبج، وقال قائد “قسد”، حينها مظلوم عبدي، إنهم “قبلوا بتعريز نقاط الجيش السوري في كوباني ومنبج”.
معابر وممرات
تعتمد “الإدارة الذاتية” على التجارة الخارجية مع العراق وتبادل السلع مع مناطق سيطرة قوات النظام السوري ومناطق سيطرة المعارضة عبر عدد كبير من المعابر الرسمية وغير الرسمية، كمورد اقتصادي أساسي.
ويربط “الإدارة” بالعراق معبرا “سيمالكا” الواقع على الحدود الشمالية الشرقية لسوريا، و”اليعربية” الواقع شمال بلدة اليعربية.
وترتبط المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” مع مناطق سيطرة النظام السوري بعدة معابر، بينها معابر للتهريب تخضع لأحكام المهربين والميليشيات، لا سيما في دير الزور مثل معبر “الشحيل” الواقع على نهر “الفرات”، إلى جانب وجود معابر رسمية مثل معبر “التايهة” في منبج، ومعبر “الطبقة” بالقرب من مدينة الطبقة، ومعبر “العكيرشي” في ريف الرقة الجنوبي الشرقي.
وأغلق النظام السوري، منذ 20 من آذار 2021، المعابر من جانب واحد، أمام الراغبين بالدخول أو الخروج من مناطقه نحو مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، وأمام حركة الشحن والنقل التجاري، مستثنيًا الطلبة والموظفين والحالات المرضية.
في تموز عام 2019، صدقت “الإدارة الذاتية” على قانون الجمارك في مناطق سيطرتها لتحديد آليات الاستيراد والتصدير من وإلى أراضيها، وتضمن القانون مبادئ إعادة التصدير ومتابعة التهريب، وتفاصيل أخرى.