“زانغزور”.. صراع إقليمي ودولي على ممر بطول 43 كيلومترًا
خاضت أذربيجان وأرمينيا خلال ثلاث سنوات حربين ضمن إقليم كاراباخ، الأولى لاستعادة الإقليم الذي سيطرت عليه أرمينيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في 1991، والثانية لأجل ممر “زانغزور”، البالغ طوله 43 كيلومترًا.
للممر أهمية اقتصادية وسياسية وجغرافية لا لأذربيجان فقط، بل لإيران وتركيا أيضًا، طرفي الصراع بشكل علني أو من وراء الستار، وخاصة للأخيرة، التي لا تخفي طموحاتها في آسيا الوسطى وزيادة نفوذها لدى دول حليفة لها هناك سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وإنشاء “منظمة العالم التركي”.
ويفصل هذا الممر بين الأراضي الأذرية ويقسمها إلى قسمين، أذربيجان في الشرق التي تملك حدودًا مع روسيا وجورجيا وإيران، وإقليم ناهشيفان جنوبي أرمينيا وله حدود مع إيران.
ويتبع المسافرون داخل أذربيجان طريقًا بريًا عبر إيران لعدم المرور في الأراضي التي سيطرت عليها أرمينيا قبل المعارك التي اندلعت قبل ثلاث سنوات.
سعي أذربيجاني ودعم تركي علني
شنّت أذربيجان عملية عسكرية واسعة النطاق في تشرين الأول 2020 ضد أرمينيا لاستعادة إقليم كاراباخ، وبعد معارك استمرت لـ44 يومًا، وقع الطرفان برعاية روسية إعلانًا لوقف إطلاق النار.
الغرض المعلن من قبل باكو لشنها العمليات العسكرية هو استعادة أراضٍ شكل فيها انفصاليون برعاية أرمينية ما عرف بـ”جمهورية ناغورني كاراباخ”، التي لم تحصل على أي اعتراف دولي، لكن الموقع الجغرافي لهذه الأراضي يعطيها أهمية كبرى لتركيا وأذربيجان تحديدًا، وهو ما أكد عليه عدد من المسؤولين الأتراك، على رأسهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وفي أيلول الماضي، عادت أذربيجان لشن هجوم عسكري جديد استهدف ممر “زانغزور”، وبعد أسبوع من المعارك نجحت أذربيجان بإنهاء وجود الانفصاليين الأرمن في المنطقة، وزار أردوغان منطقة ناهشيفان والتقى الرئيس الأذري، إلهام علييف.
وقال أردوغان، في 26 من أيلول الماضي، إنه يأمل أن يكون الممر جاهزًا في أقرب وقت ممكن لتتصل الحدود البرية بين تركيا وأذربيجان بشكل كامل.
المحلل السياسي التركي هشام جوناي، قال لعنب بلدي، إن سعي أذربيجان لاستعادة الأراضي يرتبط أولًا بربط البلاد ببعضها جغرافيًا، وتحقيق جسر بينها وبين القارة الأوروبية عبر تركيا.
أردوغان أوضح في تصريحاته حينها أن الربط البري سيتم عبر سكك حديدية بين تركيا وإقليم ناهشيفان وصولًا إلى الأراضي الأذرية، عبر ممر “زانغزور”.
الاهتمام التركي بالممر لا يتعلق فقط بالعلاقات الوثيقة التي تجمع أنقرة بباكو، بل كذلك بعوامل اقتصادية وجيوسياسية لتركيا في منطقة آسيا الوسطى، وخاصة في الدول التي تشكل “منظمة العالم التركي”.
وبدأت المنظمة مطلع التسعينيات عبر اجتماعات دورية بين تركيا وخمس دول ناطقة باللغة التركية، هي أذربيجان وتركمانستان وأوزباكستان وقرغيزستان وكازاخستان.
ثم تحولت في 2021 إلى “منظمة الدول التركية”، وتضم اتحاد غرف تجارية ومنظمات أكاديمية وثقافية وجمعية برلمانات، واتفافيات اقتصادية وتعليمية وسياحية وسياسية ومشاريع لإنشاء بنى تحتية.
وفق المحلل السياسي محمود علوش، فإنه وبقدر ما يشكل الممر الذي يبلغ طوله 43 كيلومترًا أهمية لأذربيجان، فإنه كذلك يندرج ضمن طموحات تركيا الاستراتيجية للوصول إلى آسيا الوسطى عبر البر، وبالتالي تكريس فكرة “العالم التركي الموحد”، وتنامي دورها في تلك المنطقة.
فوائد اقتصادية
ويأتي الاهتمام التركي بالممر في ظل أزمة اقتصادية تعرضت لها تركيا منذ سنوات، أدت إلى انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع معدل التضخم، بالإضافة إلى محاولات أنقرة تكريس نفسها كممر استراتيجي للبضائع، ومركز لسلاسل التوريد.
كما يتوافق الممر مع سعي أنقرة للتحول إلى مركز للغاز الطبيعي، بعد اكتشافها خلال العامين الماضيين احتياطيات ضخمة من الغاز، والاتفاقات المبرمة مع كل من باكو وموسكو لنقل الغاز إلى أوروبا.
هشام جوناي أشار في حديثه إلى عنب بلدي، إلى أن الربط البري بين تركيا ودول العالم التركي سيؤدي إلى انتعاش اقتصادي في مناطق شرقي تركيا، التي تعد متأخرة اقتصاديًا وصاحبة موارد مالية أقل بالمقارنة مع غرب تركيا.
ويرتبط الممر بمشروع “الحزام والطريق” الصيني، الذي يهدف لإيصال البضائع الصينية إلى القارة الأوروبية عبر شبكة نقل برية ضخمة تمر عبر عدد من الدول، منها أذربيجان وتركيا.
وفي هذه النقطة تحديدًا أشار المحلل السياسي محمود علوش إلى أن تركيا تسعى للاستفادة من المشروع الصيني، وبالتالي تعزيز دورها الإقليمي سياسيًا واقتصاديًا، على اعتبار أن جانبًا أساسيًا من مشاريع النقل في منطقة القوقاز يهدف إلى تفعيل دور التجارة بين الدول، وتعزيز الدور التركي في معادلة الطاقة والتجارة الإقليمية.
امتعاض إيراني
لم تخفِ إيران امتعاضها من التحركات التركية- الأذربيجانية في إقليم “كاراباخ”، لأسباب استراتيجية سياسية واقتصادية.
الدراسة التي نشرتها مؤسسة “العلوم والسياسة” الألمانية، أشارت إلى مخاوف لدى طهران من إنشاء الممر، لما سيشكله من تقويض لأهميتها الجغرافية الاقتصادية ونفوذها الإقليمي، من خلال إنهاء عبور الشاحنات ونقل البضائع عبر أراضيها، سواء بين أذربيجان وتركيا أو بين أعضاء دول أوراسيا.
كما أن موقع تركيا وتحالفاتها في تلك المنطقة يمنحها ميزة إضافية أمام إيران.
وتكمن خسارة إيران، وفق هشام جوناي، في تنامي قوة كل من تركيا وأذربيجان، وعزلها عن أرمينيا في منطقة جنوب القوقاز، بالإضافة إلى وجود 30 مليون مواطن لديها من القومية الأذرية ويتحدثون اللغة التركية، وبالتالي افتتاح الممر ربما يؤدي لتزايد النزعة الانفصالية لديهم.
فيما يرى المحلل السياسي محمود علوش، أن إيران تحاول بالفعل منع أي تغييرات في الجغرافيا الحالية، لأنها ستؤدي إلى تراجع دورها الجيوسياسي في المنطقة.
وأضاف أن الممر يفقد إيراد أموال رسوم العبور التي تدفعها الشاحنات لنقل البضائع، كما أنه لن يكون ضمن مشروعين مهمين في المنطقة، هما “الحزام والطريق”، ومشاريع النقل بين أربع دول، هي روسيا وأذربيجان وتركيا وجورجيا.
ووفق دراسة مؤسسة “العلوم والسياسة”، تشعر إيران بالإحباط من التعاون المتنامي بين تركيا وأذربيجان وجورجيا، لما يؤدي إليه من إضعاف لاقتصادها وأهميتها في المنطقة، وكذلك في مواجهة العقوبات الأمريكية.
كما تعتبر طهران الممر جزءًا من خطة أمريكية لزعزعة البلاد، وأنه صمم لتقويض سيادتها واستقرارها.
ووفق الدراسة ستؤدي المنافسة التركية- الإيرانية في جنوب القوقاز، واستعادة أذربيجان لإقليم “كاراباخ” واستسلام أرمينيا، إلى خطر على الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن العلاقات المتنامية بين أذربيجان وإسرائيل، وصراع الأخيرة مع إيران قد تهدد المنطقة برمتها في حال نشبت حرب إقليمية، وبالتالي ستتأثر واردات الطاقة باتجاه أوروبا.
وسبق لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن أكد خلال لقائه مع مستشار الأمن القومي الأرميني، أرمين غريغوريان، في 3 من تشرين الأول الحالي، ضرورة حل مشكلات الإقليم ضمن لجنة 3+3 المكونة من إيران وروسيا وتركيا وأذربيجان وجورجيا وأرمينيا، كما تحدث عن علاقات اقتصادية واسعة بينهما، وفق ما نقلته وكالة “إرنا” الرسمية الإيرانية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :