الأسد.. “كرت صيني” بوجه الغرب

  • 2023/10/01
  • 12:36 م
لقاء ثنائي بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الصيني شي جين بينغ في مدينة هانغتشو الصينية- 22 أيلول 2023 (سانا)

لقاء ثنائي بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الصيني شي جين بينغ في مدينة هانغتشو الصينية- 22 أيلول 2023 (سانا)

محمد فنصة | يامن مغربي

في زيارة هي الأولى منذ نحو 20 عامًا، استقبلت الصين رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على وقع الأهازيج والرقصات في مدينة هانغتشو شرقي البلاد، حيث التقى الأسد مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وأكد استراتيجية “التوجه شرقًا”.

الصين من الدول التي دافعت عن النظام السوري في المحافل الدولية، واستخدمت “الفيتو” (حق النقض) عدة مرات إلى جانب روسيا لإجهاض قرارات تدينه، لكن دون أن تكون لها أدوار بارزة أخرى في مساعدة دمشق اقتصاديًا أو عسكريًا، على غرار الحليفين البارزين روسيا وإيران، اللتين زارهما الأسد أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة.

تضخيم سوري لنتائج محدودة

عنونت الصحف السورية المحلية “مانشيت” الصفحة الأولى لإصداراتها تعليقًا على زيارة الأسد للصين، بعناوين تظهر التأثير والأهمية الكبيرة للزيارة، مثل “قمة العلاقة الاستراتيجية“، و”شراكة استراتيجية“، و”نقطة فارقة“، في حين يرى الخبراء أن هدف الصين من الزيارة توجيه “رسائل سياسية”.

على الصعيد الرسمي، وصف وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الزيارة بأنها تمثل “قفزة جديدة” في تاريخ العلاقات بين البلدين، مستندًا في شرح أهمية الزيارة إلى أن الوضع الدولي “تغير كثيرًا، ودور الصين أصبح بارزًا على مختلف المستويات”.

وقال المقداد، إن العلاقات بين البلدين “متطورة جدًا”، وهذه الزيارة ستكون “قفزة جديدة” في تاريخ العلاقات سواء من خلال الدعم الذي تقدمه الصين لسوريا، أو من خلال الدعم الذي تقدمه سوريا للصين من خلال إيمانها “بصين واحدة” أولًا، وثانيًا من خلال دعمها لكل المبادرات التي تقدمت بها الصين خلال السنوات الماضية.

مقايضة سياسية

شملت التصريحات خلال الزيارة على الصعيد السياسي بين الطرفين، دعم التوجه السياسي لكل بلد، وهو ما ظهر في البيان الختامي المشترك بعد لقاء الأسد وجين بينغ، حيث نص البيان على “تبادل الدعم الثابت في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر”.

ودعم النظام في البيان مبدأ “الصين الواحدة”، التي تمثل الصين بأكملها، معتبرًا أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، كما دعم الموقف الصيني المتعلق بشينجيانغ (تركستان الشرقية)، وأنها ليست مسألة متعلقة بحقوق الإنسان وإنما بمكافحة “الإرهاب”.

وتعد مقاطعة شينجيانغ حيث يقطن مسلمو الإيجور موضع انتقاد عالمي ضد الصين، حيث صدرت تقارير أممية توثق “انتهاكات جسيمة” لحقوق الإنسان تُرتكب ضد أقلية الإيجور المسلمة ترقى إلى حد “جرائم ضد الإنسانية”.

أما الجانب الصيني فدعم في البيان “الإجراءات” التي اتخذتها حكومة النظام في سبيل “الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها”، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، أو الوجود العسكري غير الشرعي فيها، أو نهب ثرواتها الطبيعية بطرق غير شرعية، وحث على رفع العقوبات المفروضة على النظام، وهو ما يطابق رواية النظام في المحافل الدولية.

الدكتور في الدراسات السياسية والاقتصادية سلام كواكبي، قال لعنب بلدي، إن الاتجاه نحو المبالغة في آثار الزيارة كما الاتجاه نحو تخفيف آثارها “خاطئ”، فمن المؤكد أنها ليست زيارة على هامش البطولة الآسيوية، بل أعلنت الصين من خلالها عن تعزيز سياستها تجاه النظام.

وعلى الرغم من أن الصين تدعم النظام بشكل غير مباشر، وتصوّت لمصلحته في مجلس الأمن، كانت “بعيدة جدًا” عن الانخراط المباشر في الملف السوري، لأنها على عكس روسيا وإيران، تبحث عن “عوائد استثماراتها”، وليس فقط عن استثمارات سياسية، وفق كواكبي.

وتسبب التوتر الأخير بين الصين والغرب وأمريكا، والحديث عن خط الطريق التجاري الذي سينطلق من الهند عبر السعودية مرورًا بإسرائيل باتجاه أوروبا، بعودة الصين إلى تشجيع الحديث عن “طريق الحرير الجديد”، الذي سيمر من سوريا عبر النظام، وهو ما وصفه كواكبي بـ”المقايضة السياسية”.

وتهدف الصين لتعزيز العلاقات مع النظام ودول أخرى لها سياسات معادية للغرب مثل إيران وفنزويلا وروسيا.

وتتبنى الحكومة الصينية موقفًا “دبلوماسيًا جديدًا” يتسم بالتحدي للسياسات الأمريكية، بتعزيز العلاقات مع الدول التي سعت الولايات المتحدة إلى عزلها، وفق رأي الأكاديمي في كلية الدراسات الدولية بجامعة “صن يات صن” الصينية، وأستاذ كلية العلوم السياسية السابق بجامعة “دمشق”، شاهر الشاهر.

واستند الشاهر في تحليله إلى أن بكين استقبلت مؤخرًا الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، ونتج عن هذه الزيارة الإعلان عن الارتقاء بالعلاقات بينهما إلى مستوى “شراكة استراتيجية للصمود”.

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، الدكتور في الاقتصاد كرم شعار، قال لعنب بلدي إن الصين تلوح بـ”الكرت السوري” في وجه الدول الغربية، التي تحاول عزل النظام وفرض عقوبات عليه، في حال استمرار الضغط عليها في مسائلها الداخلية مثل تايوان.

ويعتقد الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، أن النظام السوري يحاول توظيف الاهتمام الصيني بالشرق الأوسط، ويرى فيه نافذة لتقليل ضغوط حليفيه الروسي والإيراني الاقتصادية، وفرصة لتوسيع “هامش مناوراته السياسية”.

أرادت بكين من الزيارة إرسال رسالة لتأكيد دورها المتنامي في الشرق الأوسط ومناكفة أمريكا، إلى جانب رغبتها في تنويع أدوارها من وسيط عقب إنجازها الاتفاق السعودي- الإيراني إلى الانخراط في أدوار أبعد، وربما أيضًا أدوار اقتصادية من باب استغلال الفرص القائمة، والحصول على مواقع استراتيجية في الجغرافيا السورية كالمواني والمعابر، بما يساعدها على إنجاز رؤيتها (الحزام والطريق)، أو أدوار أمنية تتصل بالانخراط في ترتيبات الإقليم الأمنية، من بوابة مكافحة الإرهاب أي الإيجور الموجودين في سوريا.

أيمن الدسوقي – باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”

لكسر العزلة

تزامنت زيارة الأسد إلى الصين مع انعقاد الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يحضر رؤساء ووزراء خارجية الدول، وبينما كان مندوب سوريا في الأمم المتحدة، بسام صباغ، ممثلًا في الاجتماعات، توجه وزير الخارجية، فيصل المقداد، إلى الصين مع الوفد المرافق للأسد.

ومع استمرار عزلة دولية منذ 12 عامًا للنظام، لم يزر خلالها دولًا غير عربية سوى روسيا وإيران، يحاول الأسد برحلته إلى الصين “الإيحاء” بأنه قادر على إقامة علاقات دبلوماسية متينة مع حلفائه تُعوّضه عن العلاقات المقطوعة مع الغرب، وفق تقرير مركز الحوار السوري” الصادر في 26 من أيلول الماضي.

ويمكن أن يطلب الأسد وساطة الصين للتدخل مع السعودية من أجل دفع “عجلة التطبيع”، وهي التي قادت في الأشهر الماضية جهود التقارب بين الرياض وطهران، في ظل ظهور مؤشرات على تراجع التواصل العربي مع دمشق، بسبب ضعف استجابة النظام للمطالب العربية، بحسب التقرير.

الدكتور في الدراسات السياسية والاقتصادية سلام كواكبي يرى أن أحد أسباب أهمية هذه الزيارة، أنها يمكن أن تفتح أبواب البرازيل أو جنوب إفريقيا أو حتى الهند أمام النظام، على اعتبار أن الصين عضو أساسي في تحالف “بريكس” المشترك بين هذه الدول.

ويتفق الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر مع أن زيارة الأسد إلى الصين خطوة مهمة، حيث كانت دورة الألعاب الآسيوية “مبررًا مناسبًا” للتوقيت في إعادة دمج النظام بالمجال الدبلوماسي العالمي، شجعها التقارب العربي الأخير مع دمشق وعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية.

وبالنسبة إلى الصين، تعتبر الزيارة “خطوة رمزية إلى حد كبير”، وتمثل جزءًا من استراتيجية بكين للعمل كزعيم “أكثر استباقية وحزمًا في الشرق الأوسط، والعمل كثقل موازن لنفوذ الولايات المتحدة”، وفق ضاهر.

وصول رئيس النظام السوري بشار الأسد وزوجته أسماء إلى مطار بكين- 24 أيلول 2023 (سانا)

اتفاقيات اقتصادية.. ما أهميتها

دعم الأسد في تصريحاته خلال وجوده بمدينتي هانغتشو وبكين مبادرات الصين في التنمية العالمية، والأمن العالمي، والحضارة العالمية، وخصوصًا مبادرة “الحزام والطريق” التي وصفها بأنها تهدف إلى “تحقيق الأمن والتنمية للجميع عبر التكامل لا عبر الصدام”.

وشملت الاتفاقيات الموقعة مذكرة تفاهم حول السياق المشترك لخطة تعاون في إطار “مبادرة الحزام والطريق”، واتفاقية للتعاون “الاستراتيجي السوري- الصيني”، ومذكرة تفاهم مشتركة للتبادل والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية.

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار، كانت توقعاته للزيارة ذات سقف منخفض، بسبب “نزعة سابقة” للصين بتقديم وعود وعدم متابعتها، وذكر مثال وعود استثماراتها لإيران بقيمة 400 مليار دولار بالبنية التحتية عام 2021.

وبشكل مشابه بالنسبة لسوريا قال شعار، إنه بعد الإعلان عن انضمام سوريا لمبادرة “الحزام والطريق” لم تنتج أي فعاليات اقتصادية.

وأعلنت سوريا، في كانون الثاني 2022، انضمامها لهذا المشروع، بعد زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى دمشق في تموز عام 2021.

وتوقع شعار قبل الزيارة أن يجري التوقيع على اتفاقيات واضحة بمشاريع محددة بأرقام معلنة، لكن دون تطبيق، وهو ما لم يحصل، وإنما كانت المذكرات الموقعة “فضفاضة” دون تحديد أي خطوات حقيقية تجاه العمل على مشاريع.

وبرأي الأكاديمي الاقتصادي فإن الصين عادت لتأكيد موقفها بالسعي لتسوية سياسية في سوريا، وهو ما “يغضب” النظام.

ولم تذكر وسائل الإعلام السورية الرسمية والمحلية حديث الرئيس الصيني عن “تعزيز التسوية السياسية للمسألة السورية، وفق مبدأ قيادة سورية وملكية سورية”، الذي نقلته وكالة “شينخوا” الصينية في 22 من أيلول الماضي.

وباعتقاد شعار، ليست لدى الصين رغبة حقيقية بأن تستثمر في سوريا، بسبب عدم الاستقرار أو وضوح الأفق سياسيًا واقتصاديًا بالبلد، وخصوصًا لأن طبيعة استثمارات الصين مرتبطة بالبنية التحتية التي يمكن أن تأخذ سنوات عديدة تصل إلى عشر سنوات.

من جهته، يأمل النظام السوري تحصيل دعم اقتصادي من الصين في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مناطق سيطرته، وتحفيزها الدخول في اتفاقيات إعادة الإعمار و”التعافي المبكر” التي تواجه “تعثرًا”، وفق تقرير مركز الحوار السوري“.

ويسعى النظام إلى أخذ دور ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، وهو ما ظهر بتوقيع ثلاث وثائق تعاون، بينها مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون في إطار المبادرة الاقتصادية، بحسب التقرير الذي أشار إلى عدم قدرة حكومة النظام على تقديم شيء “جوهري” للصين في هذه المبادرة.

الباحثة بجامعة “سانت أندروز” الاسكتلندية كاسيا هوتون، قالت في تحليل نشرته بموقع “المونيتور” الأمريكي، في 25 من أيلول الماضي، إن الزيارة وما صاحبها من “ضجة سياسية”، لم تسفر عن التزامات تمويلية من جانب بكين.

وأضافت أن الشراكة كانت بمنزلة دفعة للأسد، مع خروج حكومته من العزلة الدولية، لكنها “لا تساوي أكثر من الورق الذي كتبت عليه” في الوقت نفسه، لأنه لم يجرِ الإعلان عن أي مشروعات بتمويل صيني منذ انضمام سوريا إلى مبادرة “الحزام والطريق” في كانون الثاني 2022، ما يشير إلى أن بكين لا ترى في سوريا “مكانًا آمنًا للاستثمار فيه بعد”.

ما مشروع “الحزام والطريق”

تعول الصين على مشروع “الحزام والطريق” الذي ينقل عبر البر والبحر البضائع الصينية إلى الدول الأوروبية، عبر شبكة من السكك الحديدية تشمل دول الصين والهند وأرمينيا وإيران والعراق وسوريا وتركيا، بريًا، وعبر شبكة برية- بحرية تشمل إندونيسيا والهند وصولًا إلى قناة السويس ومن ثم إيطاليا ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي.

أعلنت الصين للمرة الأولى عن مشروعها في عام 2013، وبالتزامن مع هذا المشروع، عملت بكين لسنوات على حضورها في إفريقيا وآسيا، عبر إنشاء البنى التحتية، وفق قاعدة “رابح- رابح”.

بحسب دراسة أعدها مركز “Chatham House” للأبحاث، فإن المبادرة الصينية تعتبر خطة “طموحة” لتطوير طريقين تجاريين جديدين يربطان الصين ببقية العالم، لكنها فعليًا لا تقتصر على البنية التحتية وحسب، إنما هي محاولة لتطوير سوق صينية موسعة ومترابطة، وتنمية اقتصادية وسياسية، وخلق ظروف مناسبة لبناء اقتصاد تكنولوجي.

ويرى الباحثان يو جي وجون والاس (معدا الدراسة) أن ثلاثة دوافع رئيسة تقف خلف “الحزام والطريق”، أولها وأبرزها التنافس بين الصين والولايات المتحدة، إذ تمر الأغلبية العظمى من التجارة الدولية الصينية عن طريق البحر عبر مضيق ملقا قبالة سواحل سنغافورة، وهي حليف رئيس لأمريكا.

والسبب الثاني يكمن في “إرث الأزمة المالية لعام 2008″، إذ استجابت الحكومة الصينية لحالة الطوارئ بحزمة تحفيز بقيمة أربعة تريليونات يوان (نحو 0.5 تريليون دولار)، وأصدرت عقودًا لبناء السكك الحديدية والجسور والمطارات، ولكنها “أشبعت” السوق الصينية في هذه العملية، لذا أنشأت مبادرة “الحزام والطريق” كسوق بديلة للشركات الصينية الضخمة المملوكة للدولة خارج حدود الصين، بحسب الدراسة.

ويكمن السبب الأخير، بأن المبادرة يُنظر إليها على أنها عنصر حاسم في جهود الحكومة الصينية لتحفيز اقتصادات المقاطعات الوسطى في البلاد، التي تخلفت تاريخيًا عن المناطق الساحلية الأكثر ثراء.

وفي عام 2017، دُمجت المبادرة في الدستور الصيني، إذ تصف الحكومة الصينية المبادرة بأنها “محاولة لتعزيز الاتصال الإقليمي واحتضان مستقبل أكثر إشراقًا”.

رد أمريكي.. مشروع الطرق البرية

مع تنامي الدور الصيني الذي يثير قلق واشنطن، أعلنت الأخيرة عن مشروع موازٍ ينطلق من الهند بحرًا، إلى الإمارات، ومنها عبر سكك الحديد إلى السعودية ثم الأردن والاحتلال الإسرائيلي، ثم بحرًا إلى اليونان، ليكمل طريقه بعدها إلى دول الاتحاد الأوروبي.

هذا المشروع الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يمثل “تحديًا جديًا” للمخططات الصينية، خاصة مع صعود الهند كقوة اقتصادية وإنتاجية في مواجهة جارتها الصين، وامتلاكها عوامل مشابهة من ناحية عدد السكان، والبنية التحتية ورخص اليد العاملة.

وبحسب دراسة نشرتها الباحثة من قسم العلوم السياسية في جامعة “القاهرة” منى هاني محمد، فإن وجود قوى إقليمية صاعدة ومتجاورة جغرافيًا ومتنافسة، يحد من بناء نظام أمني إقليمي مستقر، خاصة أن هذه القوى محكومة باعتبارات اقتصادية، وهذا ما يؤثر في نوع الوسائل والاستراتيجيات المستخدمة لتحقيق مصالحها.

وأشارت الدراسة الصادرة عام 2022، إلى أن وجود الصين أتاح لدول أصغر في المنطقة، الهروب من الهيمنة الهندية ومحاولاتها للهيمنة عليها، كما استخدمت بكين مبادرة “الحزام والطريق” بصفتها وسيلة غير عسكرية لتأكيد النفوذ في المنطقة الأوراسية، ومنها نيبال وبنغلاديش وسريلانكا.

الباحث في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” أحمد قاسم حسين، قال لعنب بلدي، إن واشنطن تسعى إلى تقويض دور الصين سياسيا واقتصاديًا.

واشنطن وقعت مع السعودية والإمارات والهند وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، على هامش قمة العشرين التي عُقدت في نيودلهي، مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا.

ويشمل الممر بناء خطوط للسكك الحديدية وأنابيب نقل الطاقة، وكوابل لنقل البيانات.

ويعد هذا المشروع، الذي وصفه بايدن بـ”التاريخي”، بمنزلة رد أمريكي على مشروع “الحزام والطريق”، الذي يُنظر إليه في الغرب على أنه مشروع جيوسياسي بغطاء اقتصادي- تنموي يهدف إلى مد نفوذ الصين عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا، بحسب رأي قاسم حسين.

كما يهدف المشروع الأمريكي أيضًا إلى تثبيت منطقة الشرق الأوسط كمنطقة نفوذ أمريكية مقابل محاولات الصين اختراقها، وكذلك دمج إسرائيل في المنطقة العربية، وتعزيز موقع الهند في مواجهة الصين.

وبقدر ما يبدو المشروع الأمريكي مهمًا وهدفه إضعاف الصين بشكل مباشر، يقلل مدير مركز “الصين بالعربية” للدراسات، جاد رعد، من المشروع بوصفه “مرتجلًا”.

وبرّر رعد رأيه، في حديث إلى عنب بلدي، بأن المشروع يبدأ من الهند، الدولة الأقرب إلى روسيا والصين كشريك في مجموعة “بريكس” أكثر من قربها لواشنطن، وينتهي في مرفأ “حيفا”، وللحكومة الهندية كثير من الأسباب للابتعاد عن “الاستعراض الأمريكي”، بحسب وصفه.

لقاء ثنائي بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الصيني شي جين بينغ في مدينة هانغتشو الصينية- 22 أيلول 2023 (وكالة شينخوا)
المشروع الأمريكي يبدو نظريًا لا عمليًا ويفتقر إلى المقاربة الواقعية، ويمكن أن يحرك عصبيات معينة تؤدي إلى توترات وصراعات، كما أن المشروع الصيني غرضه الأساسي الاستغناء عن الممرات البحرية للتخلص من أي ابتزاز أمريكي.

جاد رعد – مدير مركز “الصين بالعربية” للدراسات

الصين وأمريكا.. صراع أم تنافس؟

مشروع ممر السكك الحديدية والشحن بين الهند وأوروبا، الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية، في 10 من أيلول الماضي، من الناحية الجغرافية مشابه لمشروع “الحزام والطريق” الصيني، ويأتي في إطار التنافس الاقتصادي بين بكين وواشنطن.

وفي خطوة مفاجئة، كانت السعودية أعلنت، في آذار الماضي، عن اتفاق لعودة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، برعاية صينية، كما ناقشت السعودية مع الصين إنشاء محطة نووية على أراضيها، وهو ما أثار قلق واشنطن، وفق ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في 25 من آب الماضي.

وفي كانون الأول 2022، استضافت الرياض القمة العربيةالصينية، التي حضرها الرئيس الصيني، شي جي بينغ، وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، وقالت صحيفة “الجارديان” البريطانية حينها، إن دول الخليج تعمد إلى تعميق العلاقات مع روسيا والصين على حساب علاقاتها مع واشنطن.

المشروع الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال قمة مجموعة العشرين في الهند، يعكس رؤيته “لاستثمارات بعيدة المدى” والرغبة في احتضان الدول الأخرى كشركاء، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

ورغم أن الصورة العامة توحي بصراع صيني- أمريكي ضمن مجالات عدة، يرى الباحث في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” أحمد قاسم حسين، أن الحديث عن العلاقة بين الطرفين يدور حول التنافس المتنامي في مناطق جيواستراتيجية عديدة بالنسبة للطرفين على مستويات اقتصادية وعسكرية، وليس صراعًا.

وأضاف أن هذا التنافس بلغ حدته في منطقة بحر الصين الجنوبي وتحديدًا بعد التصعيد بين الصين وتايوان، ووجد هذا التنافس صداه في منطقة الشرق الأوسط، بحسب رأيه.

ونشر “مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية“، في حزيران 2022، دراسة أشارت إلى أن الصين لا ترغب بتأدية أدوار أمنية في منطقة الخليج العربي، ولا أن تحل محل الولايات المتحدة في هذا الملف كجهة تضمن أمن المنطقة.

وتعد الصين الشريك التجاري الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي، بقيمة تقدّر بـ161.4 مليار دولار أمريكي، وفق المجلس، الذي أشار إلى مشاريع البنى التحتية التي أنجزتها الصين في المنطقة، ضمن قطاعات سكك الحديد في السعودية والملاعب الرياضية في قطر، عدا عن استيراد النفط وغيرها من القطاعات.

من جهة أخرى، شكل غزو العراق للكويت عام 1990 فرصة للولايات المتحدة الأمريكية للدخول العسكري إلى الشرق الأوسط وتقديم الحماية لدول الخليج، وأنشأت القواعد العسكرية في منطقة الظهران بالسعودية، وفي البحرين يتمركز الأسطول الخامس، بالإضافة إلى القاعدة الأمريكية في قطر، وبعد زوال “خطر صدام حسين” وفق الرؤية الأمريكية، نشأ الخطر الإيراني وتصدير “الثورة الإسلامية”، والخلافات بين دول الخليج وإيران حول عدة ملفات أخرى.

وباعتبار أن الصين لا ترغب بلعب دور أمني كبديل عن واشنطن، تحاول موازنة علاقاتها مع الدول المتصارعة في المنطقة، وبحسب الدراسة، أرست دول الخليج العربي ارتباطات اقتصادية مع الصين، جعل العلاقة “متوازنة” لدى بكين بين طهران والعواصم العربية، وأسست لاحقًا شراكات استراتيجية شاملة مع كلا الطرفين.

وبالتالي تمشي الصين ضمن مسار معاكس في علاقاتها مع دول المنطقة عن مسار واشنطن، التي تمتلك عداوة صريحة مع طهران، وعلاقات متشابكة أكثر مع دول الخليج لا تملكها الصين.

ودخلت الصين إلى الشرق الأوسط وفق النظرية التي اتبعتها في عديد من دول العالم، وهي “رابح- رابح”، أي المصالح المشتركة لها وللطرف المقابل أيضًا، وفق مدير مركز “الصين بالعربية” للدراسات، جاد رعد.

واشنطن تعيد تعريف دورها الأمني والسياسي في المنطقة، وهو ما دفع بكين إلى تطوير علاقاتها مع دول المنطقة العربية في إطار استراتيجية الحزام والطريق، والعمل على بناء شراكات استراتيجية مع دول الخليج العربية وتطوير صادراتها العسكرية مع الإمارات والسعودية مؤخرًا، بالإضافة إلى محاولات الصين الترويج لنفسها على مستوى تطوير البنية التحتية الرقمية في منطقة الخليج، وبالمقابل، تدرك الصين أهمية منطقة الخليج بالنسبة لصادرات الطاقة التي يتعطش إليها السوق الصيني.

أحمد قاسم حسين – باحث في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”

ما مستقبل الصين في سوريا

قدّرت دراسة لمركز “السياسات وبحوث العمليات”، عام 2021، أن الشركات الصينية كانت مسؤولة عن استخراج نحو 12% من إنتاج النفط السوري حتى عام 2010، ونظرًا إلى ميل حكومة النظام إلى تنويع مصالح شركات النفط في البلاد، رجح المركز أن يظهر مزيد من الاستثمارات الصينية مرة أخرى مع تحسن الوضع الأمني.

ومنذ عام 2011، ركزت بكين استراتيجيتها في الشرق الأوسط على الاستثمارات المنخفضة المخاطر اقتصاديًا في القطاعات التي ترى أنها تتمتع فيها بميزة نسبية مقارنة بإيران وروسيا، الحليفين الرئيسين لدمشق.

حصر الدكتور في الدراسات السياسية والاقتصادية سلام كواكبي، احتمالية دخول الصين اقتصاديًا في سوريا بتأمين الاستثمار في المشروع “من بابه إلى محرابه”، بعيدًا عن أي دور سوري بالمشروع، تجنبًا للفساد في حكومة النظام الذي قد يمنع من تحقيقها لعوائد هذا الاستثمار.

وطرح كواكبي مثالًا على استثمارات الصين في الجزائر، حيث تعتمد في مشاريعها على إرسال عمالها أو مهندسيها وشركاتها ومعداتها، بينما يكون دور الطرف المحلي إعطاء الترخيص فقط.

ويرى كواكبي أن الصين ليست لديها أهداف عسكرية واستراتيجية للاستثمار في سوريا، ولكن لديها أهداف اقتصادية ورسائل توجهها إلى الغرب بأنها قادرة على أن تمد نفوذها حتى حدود المتوسط.

ولا يرجح الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر أن تحقق الزيارة أي استثمارات مستقبلية قريبة في سوريا على المستوى الاقتصادي، مستندًا إلى أن وعود وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بـ”الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى جديد” في استثمارات بالاقتصاد السوري في زيارته إلى البلاد عام 2021 لم تتحقق. ومن جهة أخرى، في عام 2017، التزمت الشركات الصينية بعقود إعادة الإعمار بقيمة إجمالية تبلغ ملياري دولار، لكنها مثل الوعود الأخرى للاستثمار الصيني، إذ إن معظم هذه العقود لم تتحقق بعد، وفق جوزيف ضاهر.

وتوجد عديد من العقبات والروادع أمام استثمارات الصين في سوريا، بحسب ضاهر، أهمها “الحالة المزرية” للاقتصاد السوري بعد 12 عامًا من الحرب، والعقوبات الغربية، وبيئة الأعمال السيئة، والتعقيد الجيوسياسي مع وجود القوات التركية والأمريكية والإيرانية والروسية على الأرض، وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

ويعتقد الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، أن دور الصين الاقتصادي في حال دخولها سوريا سيكون “قطاعيًا” بمعنى التركيز على ما يهمها دونما الانخراط في استثمارات كبيرة، لا سيما أن هنالك “لاعبين” آخرين هما الروسي والإيراني قد حصلا على أكبر الاستثمارات في مجال النفط والغاز والمواني والفوسفات والاتصالات ولا تريد الصدام معهما.

حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد وزوجته مأدبة رسمية على شرف رؤساء الوفود المدعوين لحفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية في مدينة هانغتشو الصينية- 24 أيلول 2023 (سانا)
النظام راهن بالانفتاح على دول الخليج أن تصل إليه أموال، لكنها حُجبت عنه، ليطلب الأموال من روسيا التي رفضت وطالبته بتسديد ديونه، أما إيران فمقابل عدم تسديده للديون أخذت استثمارات دون مقابل، وبالنسبة للصين سيوضع لها حيز دون أن تنافس روسيا أو إيران، بل ستتعامل معهما في السيطرة على الاقتصاد السوري.

سلام كواكبي – دكتور في الدراسات السياسية والاقتصادية

كيف ترى روسيا وأمريكا هذا التقارب

ينبع اهتمام أمريكا بالملف السوري من اهتمامها بالملف “الكردي”، أما ما تبقى من قضايا مرتبطة مع سوريا فليس لدى الإدارة الأمريكية الحالية اهتمام بها، وفق الدكتور في الدراسات السياسية والاقتصادية سلام كواكبي، الذي أوضح أن المشروع الصيني (طريق الحرير الجديد) هو مشروع “طويل الأمد وبعيد المنال”، مستبعدًا أي تحركات أمريكية حالية كرد فعل على هذا الطريق.

ويتفق مع هذا الرأي الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي، الذي يعتقد أن الدور الصيني في سوريا لن يزعج واشنطن كثيرًا طالما لديها أوراق قوة، كما أنها لا تمثل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية.

في حين قد ترى روسيا بالدور الصيني “مزاحمة لها”، فهي لا تنظر بعين الراحة لنجاحات الصين في الشرق الأوسط، لا سيما الاتفاق السعودي- الإيراني وتسويق نفسها كلاعب دولي في جغرافيا مهمة دوليًا، في حين لا تزال روسيا تعجز لغاية الآن عن تحقيق اختراق نوعي في ملفات الشرق الأوسط، سواء في المصالحة السورية- التركية، أو ترتيبات الإقليم الأمنية، وفق الدسوقي.

ويرى الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر أن روسيا ستعد تعزيز العلاقات السورية- الصينية “أمرًا إيجابيًا”، لأنها تحتاج إلى جهات فاعلة أخرى للاستثمار في سوريا لتحسين الوضع الاقتصادي، وتضيف قدمًا في تطبيع دمشق العالمي.

وعلى الجانب الآخر، سيكون للزيارة تأثير سلبي لدى الولايات المتحدة على أساس أنها تعزز نفوذ الصين في الشرق الأوسط، وأن أي شيء يمكن أن يعزز الاقتصاد السوري ولو حتى جزئيًا، سيكون ضد إطار سياسة الضغط الأقصى التي تمارسها واشنطن على النظام من خلال عقوباتها، وفق ضاهر.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات