شمالي سوريا.. “المربعات الأمنية” تدير المصالح بين “قسد” والنظام

  • 2023/10/01
  • 11:01 ص

عناصر من أجهزة الأمن "الأسايش" وقوات النظام السوري يحرسون نقطة تفتيش في المدخل الشمالي لحي "زنود" في القامشلي في 27 من نيسان 2021 (AFP)

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

عاد المربع الأمني الذي يديره النظام السوري في مدينة الحسكة إلى الواجهة مجددًا، بعد اشتباكات مسلحة أشعلتها خلافات بين قوات النظام السوري و”الدفاع الوطني” الرديف لها قبل عدة أيام، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.

وانتهت هذه المواجهات المسلحة بمقتل قائد “الدفاع الوطني”، عبد القادر حمو، بحسب صور نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قيل إنها من منزله بجانب حديقة “تشرين” وسط المربع الأمني.

المواجهات التي خلّفت حركة نزوح للمدنيين باتجاه المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والمحيطة بـ”المربع”، لم تكن الأولى من نوعها، إذ دائمًا ما تتكرر القلاقل في هذه البقعة من محافظة الحسكة نظرًا إلى كونها نقطة النظام الوحيدة داخل رقعة جغرافية واسعة تسيطر عليها “قسد” شمال شرقي سوريا.

ومع تكرار المشكلات في المربع الأمني بالحسكة، ومثلها في مربع آخر مشابه له بمدينة القامشلي، بات من المثير للتساؤل أسباب تمسك النظام بهذه المنطقة، وسماح “قسد” ببقائها في الوقت نفسه.

ماذا تضم “المربعات الأمنية”؟

أُطلق اسم المربع الأمني على مناطق عديدة في سوريا تسيطر عليها قوات النظام السوري، وغالبًا ما تكون هذه المربعات في مراكز المدن حيث تقع المباني الحكومية والمفارز الأمنية، كالمربع الأمني في حي كفرسوسة بدمشق، الذي يضم فروعًا أمنية، مثل “الفرع 215″ و”الفرع 227” وإدارة السجلات العسكرية، ومثله مربع أمني آخر في حي الروضة وسط العاصمة دمشق، حيث تحيط المفارز الأمنية والحواجز العسكرية بمبنى إدارة الأمن القومي السوري، الذي تعرض لاستهداف من قبل المعارضة عام 2012، أسفر عن مقتل شخصيات بارزة بينهم وزير الدفاع، وأقارب رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

الباحث في مركز “عمران للدراسات” سامر الأحمد (ينحدر من محافظة الحسكة)، قال لعنب بلدي، إن النظام يسيطر في محافظة الحسكة على منطقتين تسمى كل منهما المربع الأمني لكنها في الواقع ليست مربعات أمنية.

وأضاف أن النظام يسيطر فعليًا على مجموعة من الحارات وسط المدينة، وأخرى في القامشلي، يسكن فيها مدنيون، وتحوي مؤسسات خدمية حكومية مثل مبنى المحافظة، إلى جانب كليات من جامعة “الفرات”.

كما تضم المربعات مقار أمنية مثل مفرزة لـ”الأمن العسكري” وأخرى لـ”الأمن السياسي” و”أمن الدولة” و”الأمن الجنائي” وفرع “حزب البعث”، إلى جانب مقار صغيرة لميليشيات إيرانية، تُعرف محليًا باسم “سرايا الخرساني”.

وتملك هذه الميليشيات الإيرانية، بحسب الأحمد، ثلاثة مقار يطلق عليه محليًا اسم “البراد الآلي” و”مقر البريد” و”مقر محطة القطار” وسط مدينة الحسكة.

الباحث قال إن هذه الميليشيات الإيرانية تقودها بشكل رئيس شخصيات عراقية وسورية، وتُعرف باسم “سرايا الخرساني”.

وبطبيعة الحال، تضم المربعات الأمنية أيضًا أماكن يتمركز فيها عناصر من قوات النظام.

المربع الأمني الذي يضم بضعة شوارع في مدينة الحسكة، إلى جانب جبل كوكب الذي يسيطر عليه النظام شرقي المدينة نفسها، وتظهر المناطق باللون الأصفر حيث تنتشر “قسد”.

ولا يمكن حصر نفوذ النظام السوري بما يُعرف بالمربعات الأمنية في الحسكة والقامشلي، بحسب الباحث، إذ تتمركز قواته قي عدد من القرى جنوبي مدينة القامشلي، وهو ما لا تظهره خرائط توزع النفوذ.

وتتمركز القوات الروسية وقوات النظام في مطار “القامشلي” أيضًا، ويسيطر النظام على جبل كوكب الذي يضم ما يُعرف محليًا باسم “لواء كوكب”، والفوج “154 قوات خاصة” الذي يُعرف باسم “فوج الشرطة”.

وتسلّمت قوات النظام نهاية عام 2021 المنطقة المحيطة بمعبر “نصيبين” الحدودي الواصل بين محافظة القامشلي والأراضي التركية، لكن المعبر متوقف عن العمل منذ سنوات من الجانبين.

مناطق سيطرة النظام السوري في المربع الأمني بالقامشلي ومعبر “نصيبين” الحدودي مع تركيا (أعلى الصورة) ومطار القامشلي (يسار) وبلدات يسيطر عليها النظام جنوبي المدينة (أسفل يمين الصورة)، وتظهر المناطق باللون الأصفر حيث تنتشر “قسد”.

لماذا تتداخل هذه المناطق؟

تتداخل القوى المنتشرة في محافظة الحسكة، إذ تضم منطقة الشدادي شرقي المحافظة قواعد عسكرية أمريكية، بينما يقع مطار “القامشلي” وقاعدة “تل حميس” حيث تتمركز القوات الروسية في الريف نفسه.

وتسيطر قوات النظام السوري على المناطق المشار إليها سابقًا، كما تتمركز قوات من حرس الحدود في الجيش ببعض نقاط الحراسة على الحدود مع تركيا، لكن المنطقة تُعرف بأنها منطقة سيطرة “قسد” كونها صاحبة السيطرة الجغرافية الكبرى فيها، بدعم من قوات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا.

الباحث في مركز “عمران” سامر الأحمد، قال لعنب بلدي، إن القوات الروسية تتمركز في المنطقة تطبيقًا لبنود اتفاق “سوتشي” الموقع مع تركيا عام 2020، بهدف “خفض التصعيد” في سوريا.

وتتمركز القوات الإيرانية بشكل طبيعي كامتداد للنفوذ الإيراني بالمنطقة التي تشكل أهمية استراتيجية بالنسبة لها، إذ تسعى إيران لتأمين خط إمداد جديد نحو سوريا على مقربة من الحدود العراقية.

وتصب مصلحة إيران في المنطقة بمحاولات كسب ولاء العشائر ضد القوات الأمريكية المنتشرة بشكل رئيس في الحسكة ودير الزور والرقة.

ومنذ دخول الميليشيات الإيرانية إلى المنطقة ازدهرت تجارة المخدرات، وهي أحد الأهداف الإيرانية على امتداد نفوذها.

الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، وهو من أبناء المنطقة الشرقية من سوريا، قال لعنب بلدي، إن انتشار النظام في المنطقة جزء من التنسيق الأمني الذي حصل بين النظام السوري و”وحدات حماية الشعب” (الكردية) عام 2012، التي شكلت عماد “قسد” عند تأسيسها عام 2015.

وأضاف أن النظام انسحب من معظم أرياف محافظة الحسكة حينها، خاصة المناطق الكردية، وسمح لـ”الوحدات” بالانتشار فيها، لكنه في الوقت نفسه حافظ بشكل رئيس على مواقع له بمدن القامشلي والحسكة.

شواخ اعتبر أن انتشار النظام في المنطقة مظهر من مظاهر استمرار سيطرته على محافظة الحسكة، وهو جزء مهم في المنطقة الخارجة عن سيطرته بشكل شبه كامل.

ويرى الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا أن النظام استخدم هذه المناطق منطلقًا لعمليات أمنية وجمع معلومات والضغط على الولايات المتحدة التي تدعم “قسد” بالمنطقة.

تبادل نفوذ

تعتبر علاقة النظام السوري بـ”قسد” شائكة في بعض مفاصلها، إذ يتشارك الجانبان النقاط العسكرية في مناطق من شمال وشرقي محافظة حلب، وعلى خطوط التماس مع “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا شمال غربي الحسكة، بينما يقتتلان في مناطق أخرى من دير الزور والقامشلي.

وكما يملك النظام مساحات جغرافية ضئيلة داخل المساحات التي تسيطر عليها “قسد” بمحافظة الحسكة، لدى “قسد” مساحات مشابهة في مناطق سيطرة النظام بمدينة حلب، إذ تسيطر الأخيرة على حيي الشيخ مقصود والأشرفية على أطراف المدينة الشمالية.

ويتبادل الجانبان التضييق والرقابة على هذه المناطق، إذ يضيق النظام بين الحين والآخر الخناق على الأحياء الكردية في حلب، وتبادله “قسد” التحركات نفسها فيما يتعلق بالمربعات الأمنية في الحسكة.

وتمد “قسد” مناطق سيطرتها في حلب عن طريق التبادل مع النظام، إذ يدخل الأخير كميات من الطحين والمحروقات نحو الشيخ مقصود، فتبادله “قسد” بالخطوة نفسها في المربعات الأمنية بالحسكة.

مدير مركز “جيواستراتيجي للدراسات”، الباحث إبراهيم كابان، قال لعنب بلدي، إن وجود مناطق سيطرة للنظام السوري داخل مدن الحسكة والقامشلي يرجع إلى مبادلة النفوذ مع “قسد” بمدينة حلب.

الباحث الكردي أضاف أن “قسد” تتعامل مع مناطق النظام لديها من وجهة نظر أنها طريقة للمقايضة لتمرير المساعدات إلى مناطق سيطرتها في مدينة حلب، التي تضم نحو 150 ألف نازح من مدينة عفرين.

وأضاف أن المساعدات والموارد القادمة إلى المنطقة بشكل رئيس تتعلق بتفاهمات وتبادل المصالح بين “قسد” والنظام فيما يتعلق بالمناطق المحاصرة لدى كل منهما عند الآخر.

ورغم ضرورة طرد النظام من محافظة الحسكة لما يثيره من إشكاليات، بحسب كابان، لا يمكن لـ”قسد” اتخاذ خطوة من هذا النوع كونها ستنعكس على حيي الشيخ مقصود والشهباء بحلب.

الباحث أنس شواخ يرى من جانبه أن وجود مناطق مشابهة للمربعات الأمنية بمحافظة الحسكة، على الجانب الآخر بمدينة حلب، يديرها “الاتحاد الديمقراطي” و”وحدات حماية الشعب”، هو عامل في تبادل الانتشار، ولا تقل بقع الانتشار الصغيرة هذه في كلتا المنطقتين أهمية عن الأخرى بالنسبة للجهة التي تتبع لها.

بشكل تقريبي، حيّا الشيخ مقصود والأشرفية اللذان تسيطر عليهما “قسد” داخل مناطق سيطرة النظام السوري بمدينة حلب شمالي سوريا

منبج وتل رفعت

على بعد كيلومترات قليلة من أحياء سيطرة “قسد” داخل مدينة حلب، تقع مناطق سيطرة أكبر للقوات شمالي حلب، تفصل بين مناطق النفوذ التركي بريف حلب الشمالي ومناطق سيطرة النظام في المحافظة نفسها.

ويضم هذا الشريط مدينتي منبج وتل رفعت، اللتين تنظر تركيا نحوهما منذ سنوات، وتطمح لشن عملية عسكرية جديدة تستهدف وجود “قسد” فيهما.

وينتشر مقاتلون من “قسد” إلى جانب وحدات من النظام السوري في المدينتين بشكل أكثر كثافة مما هو عليه شرقي سوريا، إذ تكاد تكون القوة العسكرية الكبرى للنظام السوري في هذه المنطقة، لكن يشار إليها باستمرار على أنها مناطق سيطرة “قسد”.

وتمنع القواعد العسكرية الروسية المنتشرة في المنطقة الجيش التركي من التقدم نحوها، إذ يتمركز خبراء روس في مطار “منغ” العسكري شمالي تل رفعت، تحديدًا على الخط الفاصل بين مناطق النفوذ.

ودائمًا تقصف تركيا تل رفعت ومنبج، وفي كثير من الأحيان أسفرت هذه الاستهدافات عن مقتل وإصابة جنود من قوات النظام السوري في المنطقة التي تستهدف “قسد” فيها، التي تعتبرها تركيا امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المصنف على “قوائم الإرهاب” لديها.

تظهر مدينة تل رفعت منفصلة عن مدينة منبج وبمعزل عن مناطق سيطرة “قسد” الأخرى في منبج وعين العرب/كوباني، كما تفصل مناطق النفوذ التركي عن مدينة حلب

ومع تكرار العمليات العسكرية التركية ضد “قسد” في المنطقة، أُجبرت الأخيرة على عقد تحالف مع روسيا، لتنشئ قاعدة عسكرية في مطار “منغ” العسكري شمالي تل رفعت، معلنة توقف التقدم التركي على حساب “قسد” في المنطقة.

وبين الحين والآخر، تنتشر شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول انسحاب القوات الروسية من تل رفعت ومحيطها، لتسهيل دخول القوات التركية إلى المنطقة، لكن سرعان ما يخرج النظام السوري حليف روسيا الأساسي لنفي هذه المعلومات.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا