ريف إدلب – شمس الدين مطعون
قرر “حسان”، اسم مستعار لأسباب أمنية، وهو مهجر من مدينة داريا يقيم ببلدة الفوعة بريف إدلب الشمالي، عدم الاشتراك بساعة الكهرباء (عدّاد) لعدم امتلاكه عقد إيجار، معتبرًا أنه في حال استخراجه عقد إيجار فإنه سيكون محدودًا بمدة معينة واشتراك شهري، ما سيضطره بعد فترة لإخلاء البيت، لأنه لا يتبع لأي فصيل عسكري.
حالة حسان واحدة من عشرات الحالات التي تحمل نفس المخاوف في بلدة الفوعة وجارتها كفريا، حيث يقطن فيهما مهجرون من أرياف دمشق وحمص وريفها ودرعا والقنيطرة وغيرها.
ويرفض مهجرون في الفوعة تسجيل عقود إيجار مع فصائل تتقاسم السيطرة على البلدة، ومنها “فيلق الشام”، معتبرين أن هذه المنازل من حق المدنيين الذين خسروا منازلهم بعد التهجير، وليست “غنائم” للفصائل العسكرية.
وتستند المخاوف إلى مضايقات سابقة بحق القاطنين، إذ تُتهم الفصائل العسكرية في إدلب باتباع سياسة ممنهجة للتضييق على المهجرين، لكنها تنفي هذه الادعاءات.
ومنذ عام 2018، تقوم الفصائل العسكرية في إدلب بمضايقات لإخراج عشرات العائلات المهجرة الموجودة في بلدتي الفوعة وكفريا، والتي سكنت المنطقة محل السكان الأصليين الذين خرجوا باتفاق بين الفصائل العسكرية من جهة، وإيران والنظام السوري من جهة أخرى.
قطاعات
قُسمت بلدة الفوعة إلى قطاعات بعد السيطرة عليها مع فصائل عدة، أبرزها “هيئة تحرير الشام”، بعد إخراج أهلها من الطائفة الشيعية عام 2018، عقب اتفاق “الهيئة” مع إيران التي أولت ملف بلدتي كفريا والفوعة أهمية كبيرة.
وتوصلت “تحرير الشام” مع إيران إلى اتفاق يقضي بخروج جميع المقاتلين من بلدتي كفريا والفوعة، مقابل إخراج معتقلين وأسرى لدى النظام.
وفي القطاع الذي يديره “فيلق الشام”، يرفض عدد من الأهالي تسجيل عقود مع مكتب العقارات التابع لـ”الفيلق” لتثبيتها عبر المجلس المحلي بالفوعة.
الكهرباء بوجود عقد
بدأت شركة الكهرباء “Green Energy” (جرين إنرجي) العاملة في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” بإدلب وأجزاء من ريف حلب، تركيب عدادات للمشتركين في بلدة الفوعة بريف إدلب.
وتشترط الشركة وجود عقد إيجار أو ملكية للعقار المراد تزويده بعداد الكهرباء، وتثير الظروف في الفوعة مخاوف الأهالي من إبرام عقود.
قال خالد، طلب عدم كشف اسمه كاملًا، وهو مهجر من ريف دمشق يقيم بالفوعة، إنه تحدث مع شركة الكهرباء التي أبدت موافقتها على إيصال العدادات إلى المستفيدين بلا عقود إيجار، بسبب اختلاف طبيعة السكن بالفوعة عن بقية المناطق.
وذكر خالد خلال حديثه لعنب بلدي، أن قيادة “الفيلق” هي من طلبت من شركة الكهرباء الضغط على الأهالي لتوقيع العقود، بعد فشل محاولات إقناعهم بهذا الإجراء منذ وصولهم إلى الفوعة في 2018.
ووفق شهادات محلية، فإن عدد المنازل التي لم توقع عقود إيجار في قطاع “فيلق الشام” هي قرابة 450 منزلًا، إذ لا تتوفر إحصائية لدى إدارة المنطقة أو المجلس المحلي.
عقد الإيجار “واجب”
رئيس المجلس المحلي في الفوعة، أمين محمد خير جمعة، أوضح لعنب بلدي أن شركة الكهرباء باشرت منذ أسابيع توصيل العدادات للمشتركين، وأن الأمور تجري بـ”سلاسة”.
وقال جمعة، إن شرط وجود عقود الإيجار للمنازل بالفوعة وإثبات الملكية بالمناطق الأخرى هو بند أساسي في تمديد العدادات للمشتركين، وهو من ضمن الاتفاقية التي أجرتها الشركة مع حكومة “الإنقاذ” بإدلب بعد منحها رخصة للاستثمار في مجال الكهرباء بالمنطقة.
وذكر جمعة أن جميع القطاعات في الفوعة نظمت عقود إيجار للمدنيين للمقيمين فيها، موضحًا أن وجود العقد هو أمر واجب وضروري لتنظيم المدينة، ولا توجد أي مشكلات في تجديد العقد بعد انقضاء مدته.
وتابع أن هذا ما يخشاه بعض الأهالي لا سيما المقيمين بقطاع “فيلق الشام”، لذلك طالب جمعة الفصائل العسكرية بتوضيح بنود العقود للمدنيين لإزالة اللبس الحاصل.
وقال محمد الفرخ، المهجر من دمشق، وهو من سكان الفوعة في قطاع ما يُعرف بـ”المجلس” التابع لـ”هيئة تحرير الشام”، إنه منذ قدومه إلى المنزل مطلع العام 2020، استخرج عقد إيجار من المكتب العقاري في الهيئة.
وأضاف أن تجديد العقد يتم تلقائيًا كل ثلاثة أو ستة أشهر، وأن قيمة الإيجار لا تتجاوز دولارًا واحدًا شهريًا، كما أنه سجل على عداد للاشتراك بالكهرباء دون أي مشكلات.
وتختلف قيمة الإيجار الشهري للمنازل بحسب المنزل والفصيل المسيطر، وتتراوح من دولار إلى ثلاثة دولارات أمريكية.
“الإنقاذ” تُطمئن
مسؤول المنطقة الوسطى (الفوعة وكفريا)، “أبو عمر الشامي”، قال لعنب بلدي، إن هناك ضمانات من قبل إدارة المنطقة وتوجيهات واضحة بعدم إخراج أي مدني من منزله بالفوعة، إلا في حال ارتكابه جناية أو كانت عليه مشكلات أمنية.
وقال “الشامي”، إن رفض الأهالي في قطاع “الفيلق” تسجيل المنازل التي يقطنونها ليس له مبرر، موضحًا أنهم بذلك يخالفون الآلية الذي جرى التوافق عليها في جميع القطاعات، وفي هذه الحالة فإن للفصيل العسكري “فيلق الشام” الحق في إخراجهم من المنازل عن طريق المحكمة.
وأضاف أنه في حال جرى توقيع العقود معهم، فلن يتمكن أحد من التعرض لهم إذا لم يقدموا على الحالات السابقة (جناية أو مشكلة أمنية)، لافتًا إلى أن ما يتم الترويج له بإخراجهم عن طريق المحكمة بعد توقيع العقود هو أمر غير وارد نهائيًا.
وبحسب “الشامي”، فإن كل الحوادث التي جرت سابقًا بإخراج أي أحد من سكان المنازل في الفوعة، تعود لارتكابه جناية كالقتل أو السرقة أو مضايقة الجيران أو تعاطي وحيازة المخدرات والحشيش أو لأسباب أمنية.
وفي حزيران 2022، شهدت بلدة الفوعة مظاهرة لعشرات الأشخاص، احتجاجًا على قرار “فيلق الشام” في المنطقة إخراجهم من منازلهم، إذ قرر الفصيل حينها إخلاء حوالي 130 منزلًا بقرار من المحكمة العسكرية التابعة للفصيل.
وانتهت الحادثة حينها بـ”جلسة صلح” ووعود بعدم إخراج أي عائلة من منزلها، والتأكيد على وجوب تسجيل منازل القطاع بعقود إيجار توضح تبعيتها لـ”الفيلق”.