اللاذقية – ليندا علي
اختار علي (38 عامًا)، موظف حكومي، أن يذهب بطفله (ست سنوات) الذي أصابته حمى مفاجئة قبل عدة أيام إلى أحد الصيادلة، حيث يقيم بالقرب من ضاحية بسنادا في اللاذقية، الذي أخبره بأن طفله يعاني التهابًا في البلعوم، وتبعًا للأعراض وصف الصيدلاني له الدواء وباعه إياه مع علبة خافض حرارة.
قال علي، إنه دفع ثمن أدوية نحو 25 ألف ليرة سورية، ولو أنه ذهب لزيارة طبيب مختص لدفع نحو 50 ألف ليرة بالحد الأدنى، فأجور الأطباء في المنطقة الشعبية حيث يقيم تتراوح بين 25 ألفًا و35 ألف ليرة.
تتفاوت معاينة الأطباء في اللاذقية، بحسب خبرة الطبيب وشهرته، إضافة إلى مكان وجود عيادته، فتنخفض الأجور في المناطق الشعبية، وتكون متوسطة نوعًا ما في مناطق أخرى مثل الرمل الشمالي، إذ يبلغ متوسط المعاينات نحو 35 ألف ليرة، في حين تزيد بقليل في شارع “هنانو” وسط المدينة لتصبح 40 ألفًا بالمتوسط، وترتفع أكثر في شارع “الأميركان” حيث تصل إلى نحو 50 ألف ليرة.
وغالباً ما يلجأ الأهالي إلى الصيدلاني، خصوصًا في حالات ارتفاع الحرارة أو أعراض الإسهال وجميع الأعراض الأخرى التي يرونها “بسيطة”، بينما يضطرون للذهاب إلى طبيب حين يعانون أعراضًا أكثر خطورة، مثل وجع المفاصل أو حالات الإغماء والألم عند عضلة القلب.
وزادت أجور المعاينات بعد زيادة الرواتب في سوريا منتصف آب الماضي، إذ كانت تتراوح بين 15 ألفًا و25 ألف ليرة فقط، في حين لا يتجاوز متوسط الرواتب الحكومية في سوريا 186 ألف ليرة (الدولار الواحد يساوي نحو 14000 ليرة).
35 ألف ليرة شهريًا
إنصاف (36 عامًا)، تعمل في البرمجة، تتابع حملها الثاني عند طبيب نسائية، وارتفعت معاينته من 20 ألفًا إلى 35 ألف ليرة شهريًا بعد زيادة الراتب، وهي لا تملك من أمرها شيئًا، وتضطر لزيارته مرة شهريًا للاطمئنان على صحة طفلها.
قالت السيدة الحامل، إنها تدفع شهريًا لقاء المعاينة الطبية والفيتامينات التي تتناولها نحو 70 ألف ليرة.
وترى أنصاف أنه ليس من العدل أن يرفع الطبيب أجرة معاينته بهذه الطريقة، وهو يدرك الصعوبات المعيشية التي يعانيها الناس، والتي تجعل بعضهم غير قادرين على التفكير بزيارة الطبيب، إلا حين يصبح الألم مبرحًا دون أن يحتملوه.
لا مال لزيارة الطبيب
تحاول السبعينية غصون أن تداري ألمها أمام زوجها المتقاعد وأولادها الذين يعيشون بالقرب منها في إحدى قرى ريف جبلة، كي لا تحملهم فوق طاقتهم بزيارة طبيب العظمية.
وقالت لعنب بلدي، إن ألم ركبتها يزداد في فصل الشتاء بشكل لا يطاق، وترفض الذهاب إلى الطبيب، وتكتفي بمطالبة أولادها بشراء علبة مسكن من الصيدلية، إضافة إلى تطبيقها وصفة شعبية بدهن الركبة بزيت الزيتون، ولفها جيدًا بقطعة قطنية ومشد.
تكابر غصون على ألمها وتخبر أولادها أنها ترتاح بعد تطبيق تلك الخطوات، إلا أن حالتها تتفاقم لدرجة تعجز فيها عن تحريك ركبتها خلال أيام البرد الشديد، التي تجلس فيها داخل فراشها لعدم وجود أي وسيلة تدفئة في المنزل.
وإن كانت غصون تستطيع المكابرة على ألمها فإن زوجها لا يستطيع ذلك، وهو الذي يعاني مشكلات قلبية، أجبرته على تركيب شبكة قبل عامين، ويحتاج إلى زيارة طبيبه في مدينة اللاذقية بشكل دوري، الذي ارتفعت أجرة معاينته حاليًا إلى 70 ألف ليرة بعد أن كانت 50 ألفًا قبل الزيادة.
وتعتبر معاينات أطباء القلبية الأكبر، كون المريض يجري لديهم تخطيطًا للقلب وتصوير “إيكو”، وكل هذا يحتاج إلى تشغيل المولدات التي تعمل على المازوت المرتفع الثمن، لغياب الكهرباء نتيجة التقنين القاسي، فهي لا تأتي سوى بمعدل ساعتين بأفضل الأحوال خلال الـ24 ساعة.
ويبلغ متوسط أجور معاينات أطباء العينية نحو 35 ألف ليرة، ربما تزيد بقليل لدى بعضهم، والقلبية من 70 ألفًا إلى 100 ألف ليرة، والنسائية بين 25 ألفًا و40 ألف ليرة، والغدد بين 35 ألفًا و45 ألف ليرة، والأطفال بين 25 ألفًا و40 ألف ليرة، والعظمية بين 35 ألفًا و50 ألف ليرة.
المستشفيات العامة “دون فائدة”
“ما بيروح عليها غير المقطوع”، هكذا وصفت ميرنا (31 عامًا)، وهي موظفة في القطاع الخاص وتعيش في مدينة اللاذقية، حال المستشفيات الحكومية في مدينة اللاذقية.
وقالت لعنب بلدي، إنها اضطرت لأخذ والدتها في إحدى المرات إلى مستشفى “تشرين” الجامعي، وبقيت والدتها نحو نصف ساعة تتلوى من الألم ليصلوا إلى طبيب يستطيع مساعدتهم، حيث لم يكن موجودًا بعد، رغم أن الساعة كانت الـ12 ظهرًا.
لا تزيد أجرة المعاينة في المستشفى على 1000 ليرة، إلا أن المعاملة “السيئة والمماطلة وعدم وجود أطباء غالبًا” تجعلها غير ذات فائدة بالنسبة لكثيرين، بينما يلجأ إليها من لا يمتلك أي حل آخر أو مال يكفي أجور معاينة لطبيب خارجها.
وعمومًا، فإن أجور المعاينات في المستشفيات الحكومية لا تزيد على 1500 ليرة، كما في مستشفى الأطفال، إلا أن المشكلة تكمن بانتظار الطبيب ريثما يحضر.
معاينة مجانية
في “فيس بوك”، تنشط عديد من المجموعات الطبية التي تقدم خدمات مجانية للمرضى، من بينها إمكانية الاستشارة الطبية.
في مجموعة “دكتور“، يتم وضع سؤال من قبل أحد المرضى، يتضمن وصف المشكلة، مع صور أو تحاليل، ليقوم أحد الأطباء المختصين بتوجيه المريض، إما لضرورة الذهاب إلى طبيب مختص، وإما إلى وصف دواء مناسب للحالة.
ورغم خطورة الأمر أحيانًا، فإن كثيرًا من الأشخاص يجدون في هذه المجموعة حلولًا أقل تكلفة لمشكلاتهم الصحية.
الفوضى في موضوع التعرفة الطبية، وتفاوتها بين طبيب وآخر، سببها المباشر عدم إصدار أي تعرفة طبية منذ عام 2012، وبحسب قوانين وزارة الصحة، فإن تكلفة المعاينة الطبية 700 ليرة سورية، وهي لم تعدّل منذ ذلك الوقت، علمًا أن الدولار كان حينها بنحو 70 ليرة.
أمين سر نقابة الأطباء، نضال بيازيد، قال في تصريحات لصحيفة “الوطن“، في أيلول الماضي، إن البحث عن تعرفة طبية عادلة للطبيب والمريض لا يزال جاريًا، مشيرًا إلى أن المعادلة معقدة وليست سهلة.
ومن المستحيل إيجاد تعرفة طبية عادلة بالنسبة للطبيب والمريض معًا، نتيجة تدهور الوضع المعيشي وقلة الرواتب الحكومية، التي ربما تكون السبب في تأخر إصدار التعرفة الطبية، وترك الأمور تجري كما يحددها الأطباء.