أدرك كثير من طلاب جامعة “تشرين” باللاذقية، حجم الورطة التي سيعيشونها هذا العام، مع بدء دوامهم الجامعي، وسط تضاعف أجرة النقل عما كانت عليه سابقًا.
كرم، طالب في السنة الثالثة من كلية طب الأسنان، يعيش في ريف مدينة جبلة، قال إن أجور النقل ستكلفه يوميًا 10 آلاف ليرة، للذهاب والإياب، فأجرة النقل من قريته حتى مدينة جبلة 2000 ليرة ومثلها من جبلة إلى اللاذقية، ثم 1000 ليرة أجرة حافلة النقل الداخلي (الباص) من الكراج وحتى الجامعة.
وأوضح كرم أن فرعه الجامعي يفرض عليه الدوام بشكل شبه يومي، وأنه يحتاج شهريًا نحو 200 ألف ليرة فقط أجور مواصلات، مضيفًا، “لا أكلت ولا شربت، ويبدو سآخد معي سندويشتي وقارورة المياه”.
لا يمتلك كرم الكثير من الخيارات، فإما سيخفض دوامه الجامعي ويحاول الاعتماد على نفسه ما أمكن إن استطاع، أو سيلجأ إلى إحدى الجمعيات الخيرية لمساعدته ولو بمبلغ صغير.
وارتفعت أجور النقل للضعف منذ 15 من آب الماضي، حين أعلنت حكومة النظام رفع سعر ليتر المازوت من 700 إلى 2000 ليرة، وكذلك البنزين.
إلا أن رفع المازوت كان الضربة الأشد تأثيرًا، كون كل حافلات النقل (الباصات) تعمل عليه.
وفي 17 من أيلول الحالي، رفعت حكومة النظام أسعار المازوت “الحر” وصار بـ13000 ليرة سورية بدلًا من 12360 ليرة.
من جبلة أقل تكلفة
ربما يبدو حظ لبنى، وهي طالبة في السنة الثانية بكلية الهندسة المدنية، أفضل بقليل من حظ كرم، فهي تعيش في مدينة جبلة، وبالتالي ستدفع أجور نقل يومية تقدر بنحو 6000 ليرة سورية.
رغم ذلك، ترى لبنى أن دفع 120 ألف ليرة شهريًا، سيشكل عبئًا كبيرًا على عائلتها، خصوصًا أن شقيقها أيضًا سيحتاج أجورًا مشابهة نوعًا ما، فهو يدرس في قسم التاريخ.
وقالت ربما لا يضطر شقيقها إلى الدوام اليومي كون فرعه أدبيًا، ومع ذلك فإن دوامهما الجامعي سيرهق العائلة، فـ”والديّ موظفان ومجموع راتبيهما لا يتجاوز الـ480 ألف ليرة”.
وأضافت لبنى أن عائلتها ادخرت القليل من المال ورصدته لتعليمها وشقيقها، من موسم كرم الزيتون الذي تمتلكه العائلة في قرى ريف جبلة، لافتة إلى أن المشكلة الحقيقية هذا العام تكمن بعدم جودة الموسم، وبالتالي فإن الدراسة العام المقبل مهددة في حال لم تطرأ أي تغييرات على الوضع المعيشي.
داخل اللاذقية ليس سهلًا أيضًا
على الرغم من قلة أجور النقل داخل مدينة اللاذقية، فالحال ليس بأفضل جراء الظروف المعيشية السيئة التي يعانيها معظم السوريين اليوم.
فارس، وهو في السنة الرابعة من كلية الهندسة المعلوماتية، يعيش في سكن الشباب المطل على شارع “الثورة”، ومنزله يبعد نحو كيلومترين عن جامعة “تشرين”، سيضطر لاستخدام حافلة “الدائري الشمالي”، بأجرة 1000 ليرة للذهاب ومثلها للإياب، أي بمعدل 2000 ليرة يوميًا، و40 ألف ليرة شهريًا.
وقال فارس، “ربما يبدو المبلغ قليلًا، لافتًا إلى أن والده موظف ويعمل على بسطة لبيع القهوة بعد الظهر، ويساعده أحيانًا بها في حال لم تكن لديه دروس لتحضيرها.
وتبلغ أجرة حافلة “الدائري الشمالي” 800 ليرة، إلا أن السائق غالبًا لا يعيد الـ200 ليرة، وبحال طلبها الراكب فإن الحجة تكون جاهزة، بعدم وجود “فراطة”.
أجرة مضاعفة
المشكلة الحقيقية تكمن في طريق العودة، خصوصًا بالنسبة لسكان القرى البعيدة، التي لا تتوافر فيها حافلات كافية، حيث يستغل أصحاب “السرافيس” الموقف ويطالبون بأجرة مرتفعة.
هذا ما حدث مع بارعة، وهي طالبة سنة ثالثة في قسم الكيمياء، التي كانت في “الكراج” بانتظار “باص” صلنفة لتصل إلى قريتها، لكن الزحام كان شديدًا ولم يوجد أي “باص”، حتى تقدم أحد “الباصات”، وأخبر السائق الموجودين أنه يوصلهم بشرط أن يدفعوا 16 ألف ليرة.
كانت الساعة حينها تشير إلى الخامسة مساء وأنهك الركاب ومن بينهم لبنى التعب بانتظار “الباص”، فوافقوا، واضطروا لدفع 16 ألف ليرة عوضًا عن 2500 ليرة أجرة “الباص” بالأيام العادية.
داخل الحافلة دار حوار بين الركاب والسائق في محاولة لتخفيض الأجرة، إلا أنه أصرّ عليها، وأخبرهم بأن خط صلنفة ليس خطه، وبالتالي لن تمنحه محطة المحروقات المازوت بسعر 2000 ليرة لليتر الواحد على هذه النقلة، وإنما اشترى الليتر بـ9000 ليرة، لذا فإنه سيضطر لتقاضي الأجرة التي طلبها دون أي نقصان ليوافق الركاب دون اعتراض.
كثير من سائقي “الباصات” يستغلون فترة الذروة والازدحام ليطلبوا أجورًا أكبر، فمثلًا تطلب “باصات” جبلة- اللاذقية بين 3 و5 آلاف ليرة خصوصًا مع اقتراب المساء، في حين تطلب “تكاسي” الأجرة التي تعمل كـ”سرفيس” بين 25 إلى 30 ألف ليرة أجرة للراكب الواحد.
ويستطيع الطالب الجامعي الحصول على قرض طلابي شهري، بقيمة تتراوح بين 50 ألف ليرة لطلاب الكليات والمعاهد وحتى 60 ألف ليرة لطلاب الكليات التطبيقية، إلا أنه لا يكفي معظم الطلاب لقاء سندويشة فلافل يومية، والتي وصل سعرها إلى 5000 ليرة.