حددت “الإدارة الذاتية” سعر الطن الواحد من القطن “المحبوب” بـ800 دولار أمريكي (11 مليون 320 ألف ليرة)، في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا مؤخرًا، دون إعلانها شراء المحصول من المزارعين، مع سماحها بتصديره خارج تلك الأراضي.
قوبل القرار بشكوى وتذمر وسخط من قبل مزارعين في دير الزور والرقة والحسكة، اعتبروا أن السعر لا يتناسب مع التكاليف، وأن عدم الشراء يجعلهم عرضة لاستغلال التجار، ويهدد محصولهم الاستراتيجي، ويكبدهم خسائر فادحة.
قرار تحديد السعر دون شراء كان وفق مزارعين بـ”الضربة القاضية” التي أجهزت على محصولهم بعد تكاليف من محروقات رفعت سعرها “الإدارة الذاتية” منتصف أيلول الماضي، وأسمدة غالية وكلفة تشغيلية مرتفعة، وإصابة المحصول بأمراض وديدان اللوز الشوكية والأمريكية والقرنفلية والخضراء.
دون شراء.. سعر لا يرضي المزارعين
في 23 من أيلول الماضي، قالت “الإدارة الذاتية” إن تصدير مادة القطن المحلوج والمحبوب لعام 2023 مسموح إلى خارج مناطق سيطرتها، ومن جميع المعابر الحدودية مع تقديم التسهيلات، دون أن ينص بيان “الإدارة” على رغبتها بشراء المحصول من المزارعين.
المزارع إبراهيم الحسين، يمتلك خمسة هكتارات مزروعة بالقطن في ريف القامشلي الجنوبي، انتقد قرار تحديد السعر في الوقت الذي ترفض فيه “الإدارة” شراءه، معتبرًا أن المزارعين باتوا ضحية لقرارات غير مدروسة.
وأضاف أن “الإدارة الذاتية” رفعت أسعار المازوت مؤخرًا، ثم قررت عدم شراء المحصول، لافتًا إلى أن المزارعين أصبحوا “متورطين” بزراعة القطن وسيتكبدون خسائر ويصبحون معرضين للتحكم في الأسعار من قبل التجار.
عبود الصالح، مزارع من بلدة درنج في ريف دير الزور الشرقي، قال لعنب بلدي إن زراعة القطن تعد مصدر دخل وتقدّم مردودًا جيدًا للمزارعين، لكن افتقاد المنطقة إلى منافذ لتصريف المحصول مثل المعامل والمحالج والأسواق الخاصة به، يحمّل المزارعين خسائر كبيرة.
التجار غير راضين
ناصر المجحم، تاجر ومالك محلجة للقطن في دير الزور، أعرب عن استيائه من تسعيرة القطن التي اعتبرها غير متوازنة مع مزارعي القطن، وأشار إلى أن “الإدارة الذاتية” تسمح للتجار بتصريف المحصول مع توفير تسهيلات، ولكن هذه التسهيلات تكون مكلفة بسبب “إتاوات” الحواجز العسكرية التي تفرضها على السيارات المحملة.
وأوضح أن تسعيرة القطن مرتفعة على التجار، فإذا أراد التاجر شراء القطن بكميات كبيرة تتجاوز ستة ملايين ليرة سورية، فإنه لا يستطيع تحمل هذه التكاليف حيث يتم حساب نسبة 40% فقط من القطن المحلوج والباقي هو بذور.
وأضاف المجحم أنه في حالة تصدير القطن إلى مناطق سيطرة النظام سيواجه نفس المشكلات مع النظام الذي يطلب التسليم في مدينة حماة، ما يزيد من تكاليف النقل و”الإتاوات” لعناصر قوات النظام على الحواجز المنتشرة على طول الطرق.
وحددت حكومة النظام السوري سعر شراء مادة القطن “المحبوب” من الفلاحين للموسم الحالي إلى عشرة آلاف ليرة سورية للكيلو الواحد (نحو 75 سنتًا)، ويشمل السعر المحدد، سعر الكيلو الواحد من القطن واصل إلى أرض المحالج ومراكز استلام “المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان”.
“مكتب عقاري”.. مخازن ممتلئة
مصدر في شركة التطوير الزراعي بدير الزور التابعة لـ”الإدارة الذاتية” (غير مخوّل له بالتصريح)، قال لعنب بلدي إن تقدير السعر للقطن من قبل “الإدارة الذاتية” يشبه إلى حد كبير دور المكتب العقاري الذي يقوم بتقدير قيمة الأراضي أو المنازل دون شرائها.
وذكر المصدر أن تحديد سعر القطن وعدم شرائه يعد تفريطًا بالمحصول، لافتًا إلى أن “الإدارة الذاتية” تكبدت خسائر كبيرة من خلال شراء كميات كبيرة من محصول القمح، لأنه أكثر أهمية واستراتيجية بالنسبة لـ”الإدارة”، معتبرًا أنه السبب في تفضيلها لشراء القمح على حساب القطن.
وأشار إلى أن مخازن الشركة مليئة بالقطن من العام الماضي بسبب عدم وجود قنوات تصريف كافية وضعف معامل الإنتاج في المنطقة، وهذا يعني أن محصول القطن يمكن أن يستغرق وقتًا طويلًا للبيع، إذ يمكن أن يكون محصول سنة واحدة كافيًا لثلاث سنوات، وفق المصدر.
مشكلات تفاقم الخسائر
إضافة إلى تحديد سعر القطن دون شرائه، واجه مزارعو محصول القطن شمال شرقي سوريا مشكلات عديدة تهدد بانخفاض إنتاجية الموسم الحالي، وتكبدهم المزيد من الخسائر.
أبرز المشكلات صعوبة كانت تأمين المحروقات، رغم تعهد “الإدارة الذاتية”، بتوفير مادة المازوت بأسعار “مناسبة” طوال فترة حياة المحصول.
ودفع نقص المحروقات “المدعومة” الموزعة من قبل “الإدارة الذاتية” المزارعين لشراء المازوت من السوق السوداء بسعر نحو 3000 ليرة سورية لليتر الواحد، ووصل سعر الليتر بعد رفع المحروقات منتصف أيلول الماضي إلى 4600 ليرة.
ويُفترض أن تؤمّنه “الإدارة” بسعر 525 ليرة لكل ليتر، وهي لم تقدم إلا خمس دفعات من المحروقات، إضافة إلى ارتفاع أسعار السماد لنحو 700 دولار للطن الواحد، ما يزيد من تكاليف الزراعة على الفلاحين.
واشتكى مزارعون في الحسكة من إصابة محصول القطن بديدان اللوز الشوكية والأمريكية والقرنفلية والخضراء.
وقالت مديرية الزراعة والري التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، في 23 آب الماضي، إن مقدار الإصابة بديدان اللوز في حقول القطن بمنطقة تل حميس بلغ 80%، وإنها أعطت الإرشادات اللازمة في بعض الحقول التي كانت نسبة إصابتها أقل، دون ذكر تفاصيل إضافية حول سبب الإصابة أو التطرق لاحتياجات المزارعين.
وفي حديث سابق مع عنب بلدي، قال المهندس الزراعي المقيم في مدينة الحسكة إسماعيل إسكان، إن حالة موسم القطن الحالي تتراوح بين الضعيفة والمتوسطة، بسبب عدم توفر المحروقات، ما يجبر الفلاح على شرائها بأسعار مرتفعة، وكذلك غلاء الأسمدة والمبيدات التي تباع بالدولار في ظل تدهور قيمة الليرة السورية، والإصابات بمختلف الآفات الحشرية.
وكانت “الإدارة الذاتية” حددت أسعار شراء القطن من الفلاحين العام الماضي بـ4300 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد (كان يعادل دولارًا واحدًا)، ولكن تدهور قيمة الليرة منذ قرار تحديد السعر عرّض المزارعين لخسائر كبيرة.
ويصل سعر صرف الدولار إلى 13800 ليرة سورية في الحسكة، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ