تتكرر الأنباء عن إزالة نقاط أمنية (حواجز) على أطراف أو داخل المدن السورية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، دون إعلان الأخير عن هذه التحركات أو أسبابها.
في 14 من أيلول الحالي، فككت قوات النظام السوري، آخر الحواجز الأمنية التابعة لها في منطقة درعا البلد ومحيطها جنوبي سوريا، وفق شبكة “تجمع أحرار حوران” المحلية، التي وصفت الخطوة بـ “غير المسبوقة في المنطقة منذ عامين”.
وأنشئت هذه الحواجز عقب التوصل لاتفاق “تسوية” في أيلول 2021، وذلك عقب انتهاء حملة عسكرية أطلقتها قوات الفرقة الرابعة في أحياء مدينة درعا، وعلى الرغم من عدم تعرض هذه الحواجز لأهالي المنطقة خلال العامين الماضيين، وفق الشبكة، لكن غيابها يشكل عامل استقرار أكبر في المنطقة.
وامتدت عمليات سحب الحواجز من درعا إلى مناطق من السويداء، إذ أعد موقع “السويداء 24” المحلي، تقريرًا تحدث عبره عن إخلاء قوات النظام لنقاط عسكرية صغيرة في الريفين الشمالي والغربي للمحافظة، وأعاد تجميعها ضمن مواقع أكثر تحصينًا، بالمنطقة نفسها.
وسحبت قوات النظام أيضًا نقاطًا أخرى من الريف الغربي، إذ أخلت الفرقتان “التاسعة” والـ”15″، نقاطًا صغيرة تتوزع قرب قرى مجادل، عريقة، وقم، الخرسا، وصولًا إلى المجيمر جنوب غربي المحافظة، ثم أعادت تجميع عناصرها وآلياتها في نقاط أخرى وثكنات داخل الريف الغربي.
وفي أيلول الحالي، أزالت السلطات الأمنية في دمشق ثلاثة حواجز على الطريق الدولي الواصل بين محافظة القنيطرة جنوبي سوريا والعاصمة، بينما عززت حواجزها حول بلدة رنكوس في منطقة القلمون بريف دمشق الشمالي الغربي.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن “اللجنة الأمنية في دمشق أزالت عددًا من الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش داخل دمشق ومحيطها، منها الفرع “40” التابع لجهاز أمن الدولة الذي أزال حاجز شارع الملك العادل في حي المزرعة، كما أزال فرع المخابرات الجوية في حرستا حاجز البانوراما على الأوتستراد الدولي، فيما أزال الفرع ذاته حاجز جسر الكبّاس من جهة دويلعة شرق العاصمة”.
وأزالت فروع “فلسطين” والدوريات التابعة لشعبة المخابرات العسكرية، أحد أبرز حواجز محيط مدينة دمشق، الواقع على المتحلق الجنوبي من جهة حي القزاز.
تأثير محدود
تزامنت تحركات إزالة الحواجز في المدن السورية مع زيادة الاحتقان الشعبي الناتج عن تدهور الوضع الاقتصادي من جهة، واستمرار الاحتجاجات الشعبية في السويداء جنوبي سوريا، ضد النظام السوري.
الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إن من أبرز الأسباب المؤدية لإزالة الحواجز، انطلاق الاحتجاجات الشعبية في السويداء، وذلك بهدف “امتصاص بعض الغضب الشعبي”، والترويج لفكرة أن هناك تغييرًا في آليات العمل.
وذكر السيد عمر أن هناك حواجز رئيسة أخرى ما زالت موجودة، كما أن ظاهرة الحواجز المتنقلة (المؤقتة) لم تنته، فالأمر يبدو وكأنه “محاولة سياسية لإقناع السوريين المحتجين بأن هناك تغييرات جذرية بدأت بالحدوث”.
وبالتزامن مع خروج الاحتجاجات في محافظة السويداء، ظهرت عبارات مناهضة للنظام على جدران عدة بلدات بمدينة دمشق وريفها، وبسبب المخاوف من امتداد الاحتجاجات إلى العاصمة وريفها، استقدمت قوات النظام تعزيزات عسكرية من الفرقة السابعة إلى محيط بلدة زاكية في وادي بردى شمال غربي دمشق.
كما نصبت عدد من الحواجز المؤقتة في بلدة رنكوس التابعة لمنطقة قطنا في القلمون جنوب غربي دمشق، بالإضافة إلى تعزيز الانتشار الأمني في بلدة جرمانا جنوبي العاصمة.
فيما يتعلق بأثر قرار إزالة الحواجز على واقع القبضة الأمنية للنظام، يرى السيد عمر أن التأثير “محدود للغاية”، فالدور الأمني للحواجز شبه غائب، فهي تهدف بشكل رئيس إلى جمع الإتاوات، وليس العمل الأمني، الذي تضطلع به أجهزة المخابرات.
وأشار السيد عمر إلى أن قرارات إزالة الحواجز الأمنية لا تنشر بل تبقى “سرية”، وأن جزءًا كبيرًا من الحواجز الأمنية في مناطق سيطرة النظام لا تعود تبعيتها لوزارة الدفاع، بل تعود لمكتب “الأمن الوطني”، و”الفرقة الرابعة”، التي تحقق من خلال هذه الحواجز عدة أهداف، أغلبيتها منافع مالية من خلال الإتاوات المفروضة على الحركة التجارية، أو على الأشخاص.
وكان تقرير لمعهد “الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث” في عام 2021، أكد تحول عناصر “الفرقة الرابعة”، صاحبة النفوذ العسكري الأكبر في سوريا، إلى “جباة أموال” على الطرقات والحواجز العسكرية والمعابر، وأن أغلبية المتطوعين للقتال في صفوفها باتوا من “الهاربين من الجيش أو الأشخاص الذين كانوا مجرمين ومطلوبين جنائيًا، وتمت تسوية ملفاتهم مقابل القتال إلى جانب قوات النظام”.
وضع مسؤولية الأسعار على التجار
خلال مقابلة تلفزيونية على القناة “الإخبارية” السورية الرسمية عام 2021، أقر رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، بمسؤولية حواجز قوات النظام عن رفع أسعار المنتجات والسلع عبر فرضها إتاوات على الصناعيين والتجار.
الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، يعتقد أن أحد أسباب إزالة الحواجز من على الطرق الواصلة بين المدن، هو رمي مسؤولية ارتفاع الأسعار على عاتق التجار، من خلال القول بأن الحواجز أزيلت، ولم يعد هناك إتاوات، فالمسؤول عن ارتفاع الأسعار هم التجار.
أما بما يتعلق بتأثير إزالة الحواجز على الحركة الاقتصادية، يرى السيد عمر أنه من المنطقي أن يتحسن النشاط التجاري وتنخفض الأسعار نتيجة عدم وجود أتاوات أو على الأقل تراجع قيمتها، وقد تصل نسبة انخفاض الأسعار بين 20 و25%.
الخبير في الشؤون المصرفية والمقيم في دمشق، عامر شهدا، نشر عبر حسابه في “فيس بوك”، أن إزالة الحواجز من على الطرقات الرئيسية بين المحافظات سيخفّض الأسعار في الأسواق بنسبة 50%.
وبعد الانتقادات التي وجهت له، حذف شهدا المنشور ونشر آخر تراجع فيه عن كلامه مبررًا أن حديثه عن إزالة الحواجز، أراد به أن ادعاءات “التجار المستغلين” ستنتهي، قبل أن يحذفه لاحقًا أيضًا.
وبشكل مشابه قال الدكتور في كلية الاقتصاد بحلب، حسن حزوري عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك“، إن سحب الحواجز بين المدن السورية سيؤدي إلى تخفيض تكاليف النقل واختصار الزمن، والسماح بانتقال المنتجات والبضائع بين مناطق السيطرة وخارج السيطرة من دون أي ترسيم أو إتاوات أو عرقلة، وعوامل اقتصادية أخرى ستؤدي إلى تخفيض الأسعار بنسب تتراوح بين 20% و50%.
من جهة أخرى، أشار السيد عمر إلى أن عدد الحواجز التي أزيلت “محدود”، كما أن الجهات المنتفعة من الحواجز قد تلجأ لأدوات أخرى، مثل الحواجز “المؤقتة”، وهو ما قد يفقد القرار أي أثر إيجابي له على المستوى الاقتصادي.
كما أن الحواجز الأهم هي التي تقع بالقرب من الحدود، وهي التي لم تجرِ إزالتها، بل إن عددًا منها من الحواجز التي أزيلت نقلت إلى تلك المناطق، لا سيما الحدود مع لبنان، وهي المناطق التي تعد ممرات تجارية رئيسة، خاصة في ظل نشاط التهريب والاعتماد عليه لتوفير احتياجات السوق.
وتنتشر حوادث التهريب من وإلى سوريا، منها ما يعلن عنه في وسائل الإعلام المحلية، وأفادت صحيفة “الوطن” المحلية أن مؤشرات حركة دخول البضائع وخروجها من البلد تدل لارتفاع معدلات التهريب خلال الآونة الأخيرة، بسبب إجراءات خفض المستوردات الحكومية، وتراجع السيطرة في بعض المناطق الحدودية.
ونشرت الصحيفة في 24 من أيلول الحالي، عن مصدر في الجمارك، ضبط السلطات شاحنة خضار قادمة من الحدود الأردنية تحمل أكثر من 90 كرتونة من الموز المهرب، الممنوع استيراده، كما تمكنت الضابطة على طريق جبل الشيخ بريف دمشق من ضبط شاحنة محملة بأكثر من 400 كرتونة دخان مهرب، وذلك على التوازي مع ضبط مركبة نقل قادمة من الحدود اللبنانية محملة بالعديد من المهربات أهمها الأدوات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر.