“لم أكمل تعليمي بعد انطلاق الثورة، وأمنيتي لكل فتاة أن تكمل تعليمها، فالزواج مسؤولية عمر كامل لا تستطيع طفلة حملها”، بهذه الكلمات عبرت الشابة فاطمة عن ندمها ترك التعليم والزواج بعدها بعدة سنوات.
فاطمة، اسم مستعار لإحدى ضحايا زواج القاصرات في ريف دير الزور، وبالتحديد من الريف الشرقي ببلدة أبو حمام، قالت لعنب بلدي، “اليوم عمري 22 عامًا، تزوجت عام 2016، وانفصلت عن زوجي عام 2021، لأنني لم أتمكن من التفاهم معه”.
درست فاطمة المرحلة الابتدائية، لكنها توقفت عن متابعة دراستها التعليمية مع انطلاق الثورة في سوريا عام 2011.
زواج القاصرات ينتشر كظاهرة اجتماعية في ريف دير الزور، ومن أسبابها الجهل الاجتماعي بعواقب ومخاطر هذا الزواج، وتعدد سلطات الأمر الواقع في سوريا، إذ تفرض قيود على زواج القاصرات دون تطبيقها.
فاطمة أم لثلاثة أطفال لا تستطيع رؤيتهم بعد انفصالها عن طليقها وحصوله على حق الحضانة، وبالرغم من تقديمها شكوى للمحكمة من أجل رؤيتهم ولو ليوم في الأسبوع، لم يأت ذلك بنتيجة، كما لم ينجح والدها بالتفاهم مع طليقها بالتراضي بخصوص الاطفال.
وبحسب قانون الأحوال الشخصية في سوريا، فإن الحضانة في حال الطلاق تبقى للأم ولا تسقط إلا في حالة زواجها، لتصبح من حق الجدة.
ماذا يقول المسؤولون
سنت “الإدارة الذاتية” المسيطرة شمالي شرق سوريا ومن ضمنها مناطق بريف دير الزور، العديد من القوانين للحد من ظاهرة زواج القاصرات، لكن دون إلزام فعلي في تطبيقها، إذ يعترف بعض الأفراد بها ويطبقونها، بينما يرى البعض الآخر أنها “غير فعالة” ويعدونها “مسألة شخصية”.
العاملة في “هيئة المرأة” التابعة “للإدارة الذاتية”، بريف دير الزور الشرقي، غادة زكريا، قالت، إن زواج القاصرات مشكلة اجتماعية لها عدة أسباب، ومن أجل مكافحتها نوجه الاهتمام بمتابعة مرحلة التعليم للأطفال، وتوفير المستلزمات الضرورية للذكور والإناث.
وتشجع “هيئة المرأة” على نشر الوعي بمخاطر زواج القاصرات بين الأهالي من خلال الندوات الحوارية والجلسات التوعوية، وعند وجود شكوى رسمية يجري اتخاذ إجراءات قانونية ضد الأطراف المتورطة في هذا النوع من الزيجات، وفق زكريا.
ونص نظام “الإدارة الذاتية” الصادر عام 2014، على عدد من المبادئ الأساسية والأحكام العامة الخاصة بالمرأة، تتضمن تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في عدة نواح، أبرزها “منع الطلاق بإرادة منفردة”، ومساواة المرأة مع الرجل في قضايا الإرث، كما أنها تمنع تعدّد الزوجات وبعض الأشكال الأخرى من الزواج “كالحيار والشغار”، بالإضافة لمنع زواج القاصرات.
وعلى الرغم من منع “الإدارة الذاتية” لزواج القاصرات، لا تزال الفتيات اللواتي يتزوجن وهن مادون السن القانون، كما في حالة الشابة رهف.
وروت أروى الخالدي (33 عامًا) من ريف دير الزور الغربي لعنب بلدي، مأساة طفلة قريبتها وتدعى رهف العبيد، والتي تزوجت مجبرة بعد قدوم أول عريس لأهلها.
رهف البالغة من العمر 15 عامًا، تعاني من الضرب والإهانة بشكل مستمر من قبل زوجها الذي لم يتجاوز أيضًا 17 عامًا.
وذكرت أروى أن رهف حاولت عدة مرات الانتحار، عن طريق جرح يدها بشفرة حادة، أو عن طريق تناول أدوية بكميات كبيرة، مشيرة إلى أن ما يحدث معها يعود إلى جهل وفقدان التعليم لدى الأهل والأطفال.
بلغت أعداد الدعاوى الواردة إلى “مجلس عدالة المرأة في إقليم الجزيرة” لعام 2020، 334 حالة، منها تسع حالات قتل نساء وأربع حالات شروع به، و35 حالة تزويج قاصرات و181 حالة اعتداء بالضرب.
الدعم النفسي والاثار السلبية
خلات اسماعيل، مرشدة نفسية من مدينة عامودا، تحدثت لعنب بلدي عن مشكلة الزواج المبكر، الذي يعرف بأنه زواج حدث قبل أن يبلغ أحد الطرفين أو كلاهما سن 18 عامًا، ورغم التحذيرات المتعددة من هذا النوع من الزيجات، والتي أصدرتها هيئات حقوق الإنسان ومنظمات مختلفة، لا تزال ظاهرة شائعة في العديد من المجتمعات.
أوضحت المرشدة النفسية، أن الزواج المبكر يؤثر سلبًا على الطرفين من الناحية الصحية الجسدية والنفسية، وذلك بسبب عدم نضوجهما الكافي في سنوات المراهقة (من 13 إلى 18 سنة)، مما يجعلهما غير قادرين على تحمل مسؤوليات الحياة الزوجية والأسرية بشكل كامل، وهو يعرضهما للعديد من المشاكل والتحديات.
وترى اسماعيل أنه للتصدي لهذه المشكلة، يجب توعية الناس بمخاطر زواج القاصرات وتشجيع تأخير الزواج حتى مرحلة النضوج من الناحية العاطفية والعقلية، كما يجب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للفتيات والفتيان لمساعدتهم في التعامل مع هذه المشكلة وتجنبها.
وأضافت المرشدة النفسية أن للزواج المبكر آثارًا نفسية “خطيرة” على الفتاة، تتضمن الحرمان العاطفي من حنان الوالدين، والحرمان من الاستمتاع بمرحلة الطفولة، والذي يؤدي بدوره إلى تعرضها لضغوط وأمراض نفسية مثل الفصام، والاكتئاب، والقلق، واضطرابات الشخصية، واضطرابات في العلاقة الجنسية بين الزوجين نتيجة لعدم فهم الفتاة طبيعة هذه العلاقة.