حاول سليم (39 عامًا)، مساء 21 من أيلول الحالي، عبثًا قبض راتب والدته المتقاعدة من الصراف الآلي التابع للمصرف العقاري بالقرب من جامعة “تشرين” في اللاذقية، ليكون الفشل الثالث من نوعه ذلك اليوم في رحلته للحصول على راتب لا يتجاوز 170 ألف ليرة سورية (12 دولارًا أمريكيًا).
حاول سليم ثلاث مرات ذلك اليوم، الأولى صباحًا قبل توجهه إلى عمله في مؤسسة حكومية، حيث كان الصراف خارج الخدمة، والثانية عقب انتهاء عمله بعد الظهر، وكان أمامه طابور من الناس، والمرة الثالثة كانت مساء، حيث عاد إليه في نهاية عمله الثاني الذي يمارسه بعد دوامه الحكومي.
قال سليم، إنه اعتاد تلك المعاناة كل شهر، فوالدته كبيرة بالسن ولا تقوى على مثل هذه “الشنططة”، لذلك هو من يقبض لها ويحمل المعاناة عوضًا عنها.
وزار سليم صرافًا آليًا بجوار الفرع الثاني للمصرف العقاري في “تشرين”، وليس صرافًا ثانويًا في ضواحي المدينة أو شوارعها، أي أن تغذيته بالنقود لن تتطلب أي تحديات نقل أو أي صعوبات أخرى.
“شبح” خارج الخدمة
لزمن طويل عانت ربا (35 عامًا) التي تعمل في مديرية التربية، من شبح “عذرًا الصراف خارج الخدمة”، حيث كانت تتوجه من صراف لآخر على أمل أن تجد واحدًا تقبض منه راتبها من وظيفتها في إحدى الدوائر الرسمية بالمدينة، وبعد كثير من المعاناة وصلت إلى حل تتبعه منذ نحو عامين.
وقالت إنها كانت تأخذ سيارة أجرة وتدور بها على الصرافات، لكن مع ارتفاع أجور المواصلات لدرجة قد تدفع نصف راتبها، قررت أن تذهب فورًا إلى الصراف الآلي التابع للفرع الرئيس ويدعى فرع “الكاملية” بالقرب من شارع “الأميركان” وسط اللاذقية.
وضمنت ربا أن تحصل على راتبها دون أن تواجه مشكلة “لا توجد خدمة”، إلا أنها تتكبد مشقة طويلة، فهي بحاجة إلى استخدام النقل الداخلي من حي الزراعة والانتظار فيه نحو ثلث ساعة أو أكثر ريثما تصل، كونها تذهب لقبض راتبها فقط وليس لها أي عمل آخر.
ويوجد في مدينة اللاذقية نحو 19 صرافًا آليًا تتبع للبنك العقاري تستخدمها أغلبية موظفي الدولة في توطين رواتبهم، نحو ستة منها موجودة في الفرع الرئيس بالقرب من شارع “الأميركان”، وواحد في فرع تشرين، وما تبقى موزعة في المدينة إلا أنها دائمًا خارج الخدمة.
السبب الرئيس لتوقف الصرافات يكمن بانقطاع التيار الكهربائي، ونظرًا إلى ذلك فإن تغذيتها بالنقود يكون قليلًا قياسًا بتغذية الصرافات قرب فرع البنك نفسه، حيث لا توجد مشكلات بالكهرباء.
المشكلة الأخرى التي يعانيها الموظفون هي أنهم لا يستطيعون الحصول على كشف حساب، فإما ليس هناك حبر أو ليست هناك أوراق، وبالتالي عملية السحب تتم “على التوكل”، كما قالت فاديا (41 عامًا) وهي موظفة في القطاع الخدمي الحكومي، مضيفة أنها لا تذكر متى آخر مرة علمت كم يوجد في رصيدها.
وذكرت لعنب بلدي أنها مثلًا تطلب أولًا سحب 150 ألف ليرة، “وهي وحظها”، فإن كانت النقود من فئة الـ2000 ليرة سيرفض الصراف طلبها، وإن كانت من فئة الـ5000 ليرة تتم العملية، التي تعيدها مرتين بعد ذلك، مرة بطلب 25 ألفًا ومرة أخرى بطلب 15 ألف ليرة، وغالبًا المرة الأخيرة لا تنجح لأن رصيدها لا يغطي هذا المبلغ.
في إحدى المرات كان الزحام كبيرًا على الصرفات الآلية أمام الفرع الرئيس للمصرف، فقررت فاديا الدخول والحصول على راتبها من داخله بعملية سحب اعتيادية، وانتظرت ريثما حان دورها لمدة تتجاوز الـ20 دقيقة، لكن على الأقل كانت وهي جالسة تحت المكيف داخل المصرف وليس في الحر خارجه.
المفاجأة أن الموظفة رفضت تلبية طلبها، وأخبرتها أن تخرج وتنتظر أمام الصراف لأنه يعمل وليس به أي مشكلات، مطالبة إياها بعدم “هدر وقت المراجعين”، لتتلاسن معها قليلًا ثم تضطر للخروج والانتظار.
صرافات “التجاري” ليست أفضل
الموظفون الذين يستخدمون الصرافات الآلية التابعة للمصرف التجاري لا تقل معاناتهم عن زملائهم الذين وطنوا رواتبهم لدى المصرف العقاري.
ووصف فادي (28 عامًا)، موظف بالقطاع الخاص، العملية بـ”الإذلال”، قائلًا إنه يعاني هذا الإذلال مرة شهريًا، كلما ذهب لقبض راتب والده المتقاعد.
وأوضح أن طابورًا طويلًا يبدأ أمام الصراف مع دخول اليوم الـ20 من كل شهر، موعد قبض المتقاعدين لرواتبهم، وذكر أنه في كل مرة ينتظر ما لا يقل عن ساعة تقريبًا، سواء تحت المطر أو الحر، مضيفًا “أكثر ما يزيد من الغضب، هو حين تنتهي النقود أو يخرج الصراف عن الخدمة عندما يقترب دوري”.
مطلع العام الحالي، أعلن وزير المالية، كنان ياغي، أن حامل بطاقة صراف البنك العقاري يستطيع أن يسحب راتبه من جميع صرافات البنوك الأخرى في سوريا، مثل “بيبلوس” و”التوفير” و”بيمو” و”الشرق”، إضافة إلى “العربي” و”فرنسبنك” و”الأردن سوريا” و”قطر الوطني”، كونها باتت شبكة واحدة.
لكن هذا لم يحدث أبدًا، وأكد كل من التقتهم عنب بلدي ضمن التقرير أنهم جربوا استخدام صرافات أخرى إلا أنهم لم ينجحوا أبدًا، وحين سألوا موظفي تلك البنوك عن الأمر، أخبروهم أن لا معلومات لديهم أبدًا عن الموضوع.
يبلغ الحد الأدنى للرواتب في مناطق سيطرة النظام 186 ألف ليرة سورية، ما يقابل تقريبًا 13.3 دولار أمريكي فقط.
–