سوق “عزرا”.. مزيج من الثقافات في قلب القامشلي
يعد سوق “عزرا” أو سوق اليهود الواقع في قلب مدينة القامشلي وجهة رئيسة للزوار من جميع الطوائف الاجتماعية في المدينة.
يتميز هذا السوق بتوفر السلع والمواد الضرورية للمنزل مثل العطارة والتوابل والأعشاب والعسل والسمن البلدي.
سوق للعطارة والمكسرات والتوابل
يعد السوق مكانًا تجاريًا حيويًا يلبي احتياجات السكان من الناحية الغذائية والتجارية، ويشكل مركزًا مهمًا للتبادل التجاري والثقافي في المدينة، وتنشط حركة السوق في مواسم إعداد المؤونة.
التقت عنب بلدي خلال جولة في سوق “عزرا”، مع سارة محمد خليل، وهي من سكان مدينة القامشلي، وقالت إنها ترتاد السوق كل شهر لتشتري احتياجاتها المتعددة من توابل وبعض البقوليات التي لا تجدها إلا في هذه المحال التراثية الصغيرة.
وفي موسم إعداد المؤونة تتوجه سارة إلى سوق “عزرا” لشراء الكلس الذي يساعدها في إعداد مربى الباذنجان فهو لا يتوافر إلا في محال العطارة.
“غادرنا العديد من المعارف والأصدقاء الأوفياء الذين كانوا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا في السوق. رحيلهم ترك فراغًا كبيرًا في قلوبنا”، بهذه الكلمات بدأ مطيع العبد الله حديثه لعنب بلدي.
ويعمل مطيع في محل أخيه “غازي” ضمن السوق، وقال إنه يشعر بالحزن لفقدان الجيران والأصدقاء الذين هاجروا من المدينة بسبب الحرب.
ويشتهر “محل غازي” ببيع الحنة اليمنية والعسل والزيت والمكسرات والتوابل والأعشاب الطبيعية الخاصة بالعطارة، وهو محل معروف وسط المدينة ويعد من المحال التراثية.
تاريخ السوق
يمثل السوق وتاريخه تجسيدًا للثقافات المتنوعة والتداخل الاجتماعي في المنطقة.
المؤرخ والكاتب جاسم الهويدي قال لعنب بلدي إن تاجرًا يهوديًا يدعى عزرا هاجر مع عائلته إلى مدينة القامشلي عام 1928، قادمًا من مدينة نصيبين التركية التي كانت تشهد حالة من الاضطرابات السياسية والاضطهاد.
وذكر أن عرزا وعائلته كانوا جزءًا من موجة الهجرة اليهودية في تلك الفترة واستقروا في مدينة القامشلي الجديدة، حيث كانوا من أول من أسهم في تأسيسها.
وأسهم اليهود في بناء العديد من المعالم البارزة في المدينة، بما في ذلك الأسواق المركزية التي أصبحت تعرف باسم “سوق اليهود”.
كان هذا السوق يمتد عبر مركز المدينة بأكمله، من مبنى البلدية إلى الحمام التاريخي المركزي وتحيط بالمحال التجارية اليهودية منازل سكنية تابعة لأبناء الطائفة، وكانت هذه المنازل متكاملة مع بقية أحياء المدينة وسكانها.
وأضاف الهويدي أن محال البيع والشراء في السوق شهدت تغييرات كبيرة مثلما تطور أي شيء، إذ بدأت السوق بصغرها كسوق للعطارة، ومن ثم تطورت إلى مجموعة من المحال الصغيرة المبنية من الطين والحجارة والأبواب الخشبية.
ومع مرور الزمن تطورت هذه المحال وتحولت إلى هياكل معمرة مبنية بالأسمنت والحديد، وجرى تحديث أبوابها لتصبح أكثر عصرية وأمانًا، وفق الهويدي.
وتعكس هذه التغييرات التطور الحضري والتكنولوجي في المنطقة، وفق المؤرخ، حيث جرى تحسين هياكل المحال لتلبية احتياجات الزبائن وضمان الأمان.
ورغم هذه التغييرات فإن السوق لا يزال يحتفظ بسحره وتاريخه الثقافي كمكان حيوي للتجارة والتبادل الاجتماعي في المدينة، وفق الهويدي.
عبد الكريم منصور، رجل ستيني من العائلات الكردية في القامشلي، يقصد سوق “عزرا” بشكل مستمر بهدف التسوق، وله أيضًا أصدقاء فيه.
وقال عبد الكريم لعنب بلدي إن السوق كان في السابق مزيجًا متنوعًا من محال العطارة وبيع القماش، لكنه يقتصر حاليًا على محال العطارة والصرافة وبيع الخردة، بينما نقل محال بيع الأقمشة والأثواب إلى السوق المجاورة.
ذكر تقرير للباحث بالتاريخ الاجتماعي والسياسي مهند الكاطع، بأن عزرا أول من افتتح محلًا في البلدة الناشئة، لذلك سُمي السوق باسمه، وباع الأخشاب والحبال والسمن، قبل أن يتطور إلى بيع التوابل وكل ما له علاقة بالطب البديل.
وبقي عزرا يعمل في حانوته حتى وفاته، ثم تسلم الحانوت بعده ابنه ناحوم، ثم بعد ذلك حفيده ألبير الذي هاجر أخيرًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يُشاع أنه هاجر من هناك إلى تل أبيب في نهاية الثمانينيات.
اقرأ أيضًا: يهود القامشلي.. شهود على فتنة “البعث” في هدم النسيج السوري
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :