شهد ريف دير الزور الشرقي في الأيام الماضية موجة نزوح نتيجة للاشتباكات التي وقعت بين مقاتلين من العشائر العربية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، شرق نهر الفرات واستمرت لأيام، ولا تزال تداعياتها تخيم على المنطقة.
وبينما يكافح المدنيون من سكان المنطقة لعبور نهر الفرات باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري غرب الفرات، يعاني الواصلون منهم من تضييق أمني تفرضه الأفرع الأمنية بالمنطقة.
ويحاول المهربون المشرفون على المعابر المائية غير الشرعية بين ضفتي النهر، تحصيل مرابح مادية من رحلة البحث عن الأمان بالنسبة للنازحين بين الضفتين.
مخاطر العبور
بسبب الدمار الذي أُلحق بالجسور الواصلة بين ضفتي النهر نتيجة المعارك العسكرية التي شهدتها المنطقة على مدار السنوات العشر الماضية، يستخدم النازحون قوارب خشبية صغيرة للوصول نحو الضفة المقابلة.
بلال الجلال، نازح وصل إلى مناطق سيطرة النظام السوري حديثًا، قال لعنب بلدي إن مخاطر عديدة واجهها النازحون خلال محاولتهم العبور من مناطق سيطرة “قسد” عبر نهر الفرات إلى الضفة الغربية التي تخضع لسيطرة النظام السوري، وأودت هذه المخاطر بحياة مدنيين خلال رحلة النزوح.
وأضاف أن عناصر من “قسد” أطلقوا النار ما تسبب بقتل الشاب عبود المنسي في بلدة الصبحة شرقي دير الزور وجرح آخرين، وذبك قس أثناء النزوح عبر نهر الفرات، معتبرًا هذا جزءًا من هذه المخاطر، عدا عن صعوبة عبور النهر عبر القوارب الصغيرة التي لا تتسع لأعداد النازحين.
كان محمد (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لمخاوفه الأمنية) يعمل تاجرًا للخضار في سوق ذيبان بريف دير الزور الشرقي، قبل نشوب المعارك واضطراره للنزوح مع عائلته نحو الضفة الغربية لنهر الفرات، إذ اضطر لدفع مبلغ مالي لإجلاء عائلته من منطقة المواجهات.
محمد الذي يسكن اليوم في مدينة الميادين (أحد معاقل الميليشيات الإيرانية شرقي دير الزور) قال لعنب بلدي إنه عبر مع عائلته نهر الفرات مطلع أيلول الحالي، وكاد أن يفقد أحد أطفاله عندما سقط من القارب الخشبي في النهر.
مع تصاعد المعارك والقصف الذي نفذته الطائرات المسيّرة التابعة لـ “قسد” في المنطقة، قرر العديد من أهالي منطقة ذيبان النزوح عبر نهر الفرات بشكل جماعي وعبر مجموعات صغيرة، للحفاظ على حياتهم وسلامتهم من الهجمات والقصف.
وبعد انتهاء العمليات العسكرية رسميًا، في 9 من أيلول الحالي، نزحت بعض العائلات مؤقتًا لتجنب الاعتقالات التي شرعت “قسد” بتنفيذها في المناطق التي دخلت إليها حينها.
طرقات مغلقة
الاشتباكات بين (قسد) وقوات العشائر العربية أدت إلى إغلاق المعابر والطرق الرئيسية التي تعتمد مناطق “الإدارة الذاتية” عليها لتوفير المواد الأساسية للمنطقة، ما أثر بشكل كبير على إمدادات المواد التموينية في الأسواق.
وبدت معظم الأسواق فارغة بسبب زيادة الطلب على هذه المواد، ما رفع أسعار بعض السلع بشكل كبير، بحسب ما قاله سكان من المنطقة وأكده مراسل عنب بلدي في دير الزور.
ومع الأثر السلبي لارتفاع الأسعار ونقص إمدادات المواد الأساسية ظهرت دوافع إضافية لبعض السكان للنزوح، نتيجة الظروف الصعبة في تلبية احتياجاتهم اليومية.
تضييق على النازحين
بعد نزوح أهالي من بلدة ذيبان إلى مناطق سيطرة النظام، ضيّقت حواجز النظام الأمنية على عبورهم، إذ رفعت الإتاوت التي كانت تتقاضاها من المدنيين للعبور بشكل سليم.
بلال الجلال قال لعنب بلدي، إنه عند محاولته عبور حواجز النظام، اضطر لدفع 25 ألف ليرة سورية للحواجز، للسماه له بإكمال طريقه نحو مركز مدينة دير الزور ونفس المبلغ لطريق العودة عن كل فرد من أفراد العائلة.
وأضاف أنه في السابق، كانت تكلفة العبور تبلغ 2000 ليرة سورية عن كل فرد، لكن ازدياد أعداد العابرين رفعت من تسعيرة إتاوات العبور.
وأضاف الجلال أن بعض الحواجز تمنع النازحين من التنقل في المنطقة وتقيد حركة المدنيين بين مدينتي الميادين والبوكمال في شرق دير الزور، إذ لا يسمح لهم بالانتقال إلى مناطق أخرى باستثناء المدنيتين.
ومنذ 27 من آب الماضي، شهد ريف دير الزور الشرقي والشمالي معارك مسلحة بين مقاتلين من “مجلس دير الزور العسكري” مدعومًا بالعشائر العربية وبين ”قسد”، لكن مع مرور الوقت اختفى اسم “المجلس” عن الساحة، وبقي مقاتلو العشائر في وجه “قسد”.
وبدأت المواجهات، في 28 من آب الماضي، غداة اعتقال “قسد“ لقائد “مجلس دير الزور العسكري”، أحمد الخبيل، إثر خلاف بين الجانبين دام أكثر من شهرين.
وأسفرت المعارك عن حوالي 70 قتيلًا ونحو 100 جريح، بحسب ما وثقته جهات تابعة للأمم المتحدة مستندة إلى تقارير.
وشهدت بعض قرى وبلدات شمالي دير الزور وشرقيها، ارتفاعًا بالغًا بأسعار المواد الأساسية تزامنًا مع حظر للتجوال فرضته “قسد” على السكان بعد سيطرتها على المنطقة على حساب مقاتلين محليين ينتمون لعشائر دير الزور.