“قاضي الموت” على منبر الجمعية العامة
إبراهيم العلوش
تجاهل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الشأن السوري في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 19 من أيلول الحالي، واكتفى بإعادة تسويق مجرم الحرب قاسم سليماني.
الرئيس الإيراني، الملقب بـ”قاضي الموت”، بدأ كلمته على منبر الجمعية العامة في نيويورك بالادعاء بأن إيران تسعى إلى الحرية وتساند قضايا الحرية، في الوقت الذي تمر فيه الذكرى السنوية لمقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني في 16 من أيلول قبل عام، حين قامت السلطات الإيرانية باعتقال آلاف النساء، وقمعت الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران، ضد شرطة الأخلاق التي توصف بالمعاملة غير الأخلاقية للمعتقلات والمعتقلين، وانتشرت مقاطع فيديو وصور الاحتجاجات ومناظر القمع وإطلاق النار، وقد وصل الأمر إلى الإصابات الغامضة بشبهة الغازات الكيماوية، حيث ترفض السلطات الإيرانية التحقيق في هذه الانتهاكات.
وفي نفس الوقت الذي يدّعي فيه رئيسي التعاون الإيراني على حفظ الأمن والسلام في المنطقة، فإن 88 مسيّرة إيرانية قامت بمحاولات تهريب “الكبتاجون” والسلاح من سوريا إلى الأردن منذ مطلع هذا العام، حسب المصادر الأردنية. وتنتشر ميليشيات “الحرس الثوري الإيراني” في البوكمال والميادين وحلب والساحل السوري ودمشق، في استمرار لدورها التخريبي في سوريا ودعم الدكتاتور فيها، وقد كلف ذلك تهجير نصف الشعب السوري على يد الميليشيات التي تديرها إيران وتحميها الطائرات الروسية.
ويشكّل قاسم سليماني، الذي يمدحه رئيسي على منبر الأمم المتحدة، إعادة لسيرة تيمورلنك وجنكيز خان في تاريخ المنطقة، فجرائمه لن تنسى في تاريخ سوريا، اعتبارًا من جريمة تدمير مدينة القصير، حيث تسبب بمقتل 3000 مدني، وتجوله في حلب الشرقية المدمرة، الذي شبهه موقع “نون بوست” بتجول أرييل شارون بعد مذابح صبرا وشاتيلا في بيروت، بالإضافة إلى تجويع مضايا وحصارات ريف دمشق التي كان يرعاها مع “حزب الله” اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية الطائفية.
عن أي حرية يتكلم إبراهيم رئيسي الذي تقوم حكومته بأعمال وحشية لا تنقطع ضد الإيرانيين والإيرانيات، وتقوم قوات بلاده بحماية نظام الأسد وتساعده على إبقاء حوالي 200 ألف معتقل سوري كرهائن مقابل إعادة الاعتراف باستمرار عائلة الأسد في الحكم، وتأمين المصالح الإيرانية العسكرية والمخابراتية والسياسية، بالإضافة إلى الهيمنة الاقتصادية التي تحلم بها، مع هيمنة الميليشيات الطائفية التي ترعاها، في محاولة لإعادة هندسة الجغرافيا السورية بما يتناسب وأفكار ولاية الفقيه، التي تجمع التطرف الطائفي مع التطرف القومي الفارسي.
إبراهيم رئيسي هو نفسه يحمل لقب “قاضي الموت”، إذ حكم على أكثر من 5000 إيراني عام 1988 بالموت بسبب احتجاجهم ضد القمع والهيمنة الدينية على الدولة الإيرانية، وتقوم عدة جهات دولية بمحاولة جلبه إلى القضاء لمساءلته عن الجرائم التي ارتكبها، وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها، “ما زلنا ندعو إلى إجراء تحقيق مع إبراهيم رئيسي لتورطه في جرائم، سابقة وجارية، بموجب القانون الدولي، بما في ذلك أن تجري التحقيق الدول التي تمارس الولاية القضائية العالمية”، إذ كان رئيسي يشغل مناصب عالية في مؤسسة القضاء الإيراني، وتحوّل القضاء برئاسته إلى جهاز ملحق بأجهزة المخابرات.
وعلى عكس كلام الرئيس الإيراني، الذي يدّعي الحفاظ على السلام وعدم الانحياز في الحرب الروسية- الأوكرانية، فإن آلاف الطائرات المسيّرة الانتحارية تستوردها روسيا من إيران وتدمر بها البنية التحتية الأوكرانية، من كهرباء وشبكة غاز وطرق وسكك حديد، وتهجر الأوكرانيين كما فعلت إيران مع السوريين، وتقوم بتصنيع هذه المسيّرات في روسيا باتفاق معها مقابل استمرار دعم وجودها في سوريا وتطوير تكنولوجيا نووية وصاروخية في إيران.
ومن أهم النقاط التي طرحها الرئيس الإيراني على منبر الأمم المتحدة، المطالبة بإعادة اللاجئين في أوروبا وأمريكا، والطلب بعدم قبول اللاجئين لأنهم “إرهابيون”، وهذا يمهد لمطالبة نظام الأسد، حليف إيران، بإعادة المهاجرين ومحاسبتهم من مختلف أنحاء العالم.
كلمة الرئيس الإيراني أمام الأمم المتحدة تأتي وسط الجرائم التي ترتكبها إيران في كل من سوريا ولبنان واليمن والعراق، وتعبر عن لا مبالاة العالم، وعن قبول مجرم ارتكب بنفسه الجرائم بحق الإيرانيين وبحق السوريين، خاصة أنه زار قبل أشهر بشار الأسد وأيّد جرائمه ضد الإنسانية، وتجاهل مشاعر الشعب السوري المنكوب، متنكرًا لكل القيم الإنسانية والقانون الدولي بصراحة لا يعوزها الاستفزاز.
رغم كل ادعاءات الرئيس الإيراني عن نشر السلام في المنطقة ومناصرة الحرية والقيم القرآنية، فإن جرائم إيران لا يمكن أن ينساها السوريون ولا العالم، وقد لخص هذه الحقيقة أحد كبار ضباط “الحرس الثوري الإيراني” في تقرير مسرب قبل موته، عندما قال، “السوريون لا يحبوننا بمن فيهم العلويون، وحده بشار الأسد يركع أمامنا”.
العالم كله لن ينسى الاضطرابات الطائفية والغزوات التي شنتها إيران على شعوب المنطقة منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ولعل الشعب الإيراني من أكثر المظلومين بهذه الطغمة الطائفية والعسكرية الشبيهة بنظام الأسد، الذي لا يفكر إلا بالاستمرار مهما كان حجم الضحايا، ومهما كان حجم التعديات على حقوق الإنسان وعلى القانون الدولي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :