أمننة اللجوء السوري
لمى قنوت
يشكّل تصريح وزير الداخلية القبرصي، كونستانتينوس يوانو، بأنه سيحاول إقناع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بإنهاء وضع سوريا كدولة غير آمنة لا يمكن إعادة اللاجئين إليها نموذجًا التفافيًا على واقع الحال في سوريا، ونكرانًا لإجرام وانتهاكات نظامها الحاكم، وتقويضًا لحق اللاجئين واللاجئات في البحث عن الحماية بموجب القانون الدولي، وتلاعبًا في الإطار القانوني الذي ارتكزت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين. كما أن وصف الوزير يوانو لبنان بأنه حاجز، “إذا انهار فستواجه أوروبا بأكملها مشكلة”، وذلك إثر ازدياد دخول سوريين في الأشهر الأخيرة إليه عبر المنافذ البرية والمعابر غير الشرعية، ينم عن عجرفة كولونيالية تجاه دول الجنوب المأزومة سياسيًا واقتصاديًا، بدل الالتزام بتحمل مسؤولية أخلاقية تتمثل بإعادة توطين الفئات الهشة من اللاجئين واللاجئات في دول الشمال.
يرزح السوريون اللاجئون واللاجئات في لبنان تحت سياط خطاب عنصري ضدهم، يؤسطر حجم المساعدات التي يتلقونها من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ويتفنن بتحميلهم أزمات البلاد جميعها، ويتدخل في أرحام النساء وخياراتهن الإنجابية، بتجاهل تام لحقائق وأرقام لم تتوقف المراكز البحثية والمنظمات الحقوقية والأصوات اللبنانية الحرة المناهضة للعنصرية ولخطاب الكراهية والداعمة لحقوق الإنسان عن توضيحها وتفنيدها. تفيد الحقائق التي يتجاهلها العقل التحريضي ضد اللاجئين واللاجئات في لبنان، بأن الحكومة اللبنانية تطلق على اللاجئين السوريين اسم نازحين، على الرغم من أن النزوح يطلق على الأفراد الذين نزحوا داخل وطنهم لا في دول أخرى، وتجاهلت رسميًا منع أو حتى إدانة دخول ميليشيات “حزب الله” إلى سوريا ودعمها للنظام الحاكم، ومشاركتها في قتل وحصار السوريين والسوريات في قراهم ومدنهم، الأمر الذي أجج النزاع المسلح وكثف أعداد اللاجئين واللاجئات، والحكومة اللبنانية هي من طلبت من “مفوضية اللاجئين” إيقاف تسجيل السوريين كلاجئين ولاجئات منذ مطلع عام 2015، وهي من حظرت إقامة مخيمات رسمية للاجئين، فاضطروا إلى الإقامة في أماكن فقيرة ضمن مدن وقرى المجتمع المضيف.
تفيد الوقائع بأنه خلال عام 2020 كان حوالي نصف الأسر السورية اللاجئة في لبنان، وتحديدًا 48% منها، “تعيش في ملاجئ مكتظة، أو لا تتوفر فيها شروط السكن اللائق، أو معرضة لخطر الانهيار”، وأن 86% من عمليات إخلاء اللاجئين السوريين خلال عام 2020 كان بسبب عدم قدرتهم على دفع الإيجار، وأن 90% منهم يعيشون حاليًا في حالة فقر مدقع، بالإضافة إلى أنماط الفساد في وزارة التربية اللبنانية، وهدر وسرقة أموال الدول المانحة المخصصة لتعليم السوريين اللاجئين واللاجئات في لبنان.
منذ بداية نيسان الماضي، بدأ الجيش اللبناني بمداهمات لمنازل يقيم فيها سوريون وسوريات بجميع المناطق اللبنانية، ورحّل معظمهم قسرًا، من ضمنهم أفراد مسجلون في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وأطفال غير مصحوبين بذويهم، وتعرض بعضهم لانتهاكات في أثناء إعادتهم القسرية، مثل الضرب والتهديد والتحرش الجنسي والمعاملة المهينة. استند الجيش في تنفيذ عمليات الترحيل إلى قرار المجلس الأعلى للدفاع في 24 من نيسان 2019، القاضي بترحيل السوريين الذين دخلوا بشكل غير نظامي، وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية، لكن واقع عمليات الترحيل التي حصلت شملت من دخلوا قبل عام 2019.
مؤخرًا، مع تصاعد دخول السوريين عبر المنافذ غير الرسمية، التي تنظمها شبكات تهريب في كل من لبنان وسوريا، وتنخرط فيها “الفرقة الرابعة” التي يديرها ماهر الأسد، تصاعد الخطاب الأمني خلال اللقاء التشاوري الذي عُقد في 11 من أيلول الحالي بمكتب رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، وضم قادة الأجهزة الأمنية و14 وزيرًا، وصف خلاله قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، عمليات تهريب السوريين الأخيرة بأنها “تهديد وجودي“، وقدّر عددهم بـ8000 شخص، 95% منهم من الفئة العمرية الشبابية، وقال إن الجيش قد يضطر للاشتباك معهم، أو أن يقول للجيش: “تحركشوا فيهم ليعتدوا عليكم، ليكون لدينا عذر بأن نقتل بالقانون، رغم قلة العديد”، فأضاف وزير التربية قائلًا: “لا تلتفت إلى القانون وافعل ما يجب فعله”.
في واقع الحال، تتم عمليات الإعادة القسرية لمئات من السوريين اللاجئين في لبنان إلى سوريا، ويتعرض كثير منهم للاحتجاز في “الفرقة الرابعة” أو من قبل المهربين، ويُهدد عديد منهم بتسليمهم للأجهزة الأمنية وسجنهم ما لم يدفعوا لهم مبالغ كبيرة، ومن دفع منهم عاد إلى لبنان مرة أخرى عبر قنوات غير رسمية. هكذا هي حركة التاريخ المتكررة، فحين أعيد اللاجئون الأفغان في أوروبا إلى بلادهم في عام 2017 بحجة انتهاء الحرب وقدرة اللاجئين واللاجئات على إعادة الإعمار، “مع تجاهل البنية التحتية والنسيج الاجتماعي الهشين العاجزين عن تحمل مثل هذه التحركات السكانية الكبيرة”، عاودوا الهجرة هم وغيرهم ممن أعيدوا قسرًا.
يدرك الزعماء في لبنان أن بشار الأسد لا يريد عودة اللاجئين واللاجئات، وأن الأجهزة الأمنية السورية تختار بضعة أسماء للسوريين الذين تسمح لهم بالعودة إلى سوريا وترفض القسم الأكبر من القوائم التي يسلمها الأمن العام اللبناني لها، وتدرك أن سوريا بلد غير آمن حتى الآن، وأن نظام الإجرام الذي اختبروه بأنفسهم لن يتوقف عن ابتزاز المجتمع الدولي بمسألة اللاجئين و”الكبتاجون” مقابل أن يبقى على رأس السلطة، ولا حل دائم يريح الشعب السوري وشعوب دول المنطقة إلا بالخلاص منه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :