عنب بلدي – ريم حمود
تسبب بيان صادر عن إدارة الهجرة التركية، منتصف تموز الماضي، بحالة من القلق بين اللاجئين السوريين المخالفين في اسطنبول، أعطت الهجرة بموجبه مهلة قدرها شهران للاجئين المسجلين في ولايات أخرى، لمغادرة اسطنبول قبل 24 من أيلول الحالي.
واعتبر محامون وناشطون المهلة المحددة “إنذارًا قانونيًا” لعودة اللاجئين من تلقاء أنفسهم إلى ولاياتهم دون التعرض للترحيل خارج الحدود التركية عبر المعابر البرية مع تركيا نحو الشمال السوري.
وأتبعت رئاسة الهجرة بيانها الأول بآخر، في 18 من أيلول الحالي، أوضحت عبره مصير المخالفين بعد انتهاء المهلة، إذ قالت إن عمليات التفتيش التي ستجريها السلطات اعتبارًا من 24 من أيلول، ستفرض عقوبات إدارية على الأجانب من الجنسية السورية الخاضعين لـ”الحماية المؤقتة”، والذين يتبين أنهم لم يغادروا اسطنبول في نهاية المدة الممنوحة لهم.
تواصلت عنب بلدي مع عائلات سورية مخالفة للوضع القانوني تعيش في اسطنبول، إذ بدأت بالبحث عن خيارات أخرى، اختلفت نظرًا إلى ما هو متاح أمام كل منها.
خوف يلاحق سوريين
الحملات الأمنية الأخيرة المعلن عنها تباعًا من قبل السلطات التركية سببت خوفًا لدى اللاجئين السوريين المقيمين على الأراضي التركية، ما جعلهم يتوجهون لحلول تحميهم من قرار ترحيل محتمل إلى مناطق الشمال السوري.
“خلدون”، اسم وهمي لشاب سوري، قال لعنب بلدي، إنه يحمل بطاقة “الحماية المؤقتة” (كملك) المسجلة في ولاية بورصة، ولكنه يقيم في منطقة الفاتح باسطنبول منذ خمسة أعوام، وتُعتبر من أكثر النقاط حيوية للاجئين السوريين في المدينة.
الشاب الذي تحفظ على ذكر اسمه الحقيقي لمخاوف أمنية، ذكر أنه لا يجد حلًا لحالته، وتجبره ظروفه على البقاء في اسطنبول، ورغم محاولاته المستمرة بالعثور على منزل في مدينة بورصة للعيش بطريقة قانونية، لم يجد من يؤجره منزلًا كونه شابًا عازبًا.
يعمل خلدون مصورًا في شركة لبيع “الإكسسوارات” تبعد عن مكان إقامته دقائق قليلة سيرًا على الأقدام، ما تسبب بانعزاله عن المجتمع المحيط لنحو أربعة أشهر، إذ لم يخرج خلال تلك المدة سوى للعمل تفاديًا لدوريات الشرطة المنتشرة في الأزقة، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وسبق للشاب، بحسب قوله، أن تعرض للسجن في تشرين الثاني 2022، بسبب إقامته في ولاية اسطنبول بشكل غير قانوني، وانتهاء “إذن السفر” الذي سبق أن استخرجه.
ويمنع السوريون منذ عام 2016 في تركيا من مغادرة الولايات المسجلين فيها، أو الإقامة في ولايات أخرى من دون “إذن سفر” صادر عن إدارة الهجرة التركية.
ويجد السوريون المقيمون في تركيا، وخاصة في الولايات الحدودية الجنوبية، صعوبة بالغة في الحصول على “إذن سفر”، وخاصة إلى ولاية اسطنبول التي تحاول السلطات التركية تخفيف وجود السوريين فيها.
لا كيان يحمي السوريين
القانوني السوري غزوان قرنقل، قال لعنب بلدي، إن “تجمع المحامين السوريين في تركيا” غير قادر على وضع أي خطة لمواكبة حملات الترحيل التي تحصل في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد المهلة الممنوحة للاجئين السوريين المخالفين في اسطنبول.
وأرجع قرنفل عدم قدرة السوريين على تأسيس كيان يدافع عن حقوقهم في تركيا إلى عدة أسباب، أهمها غياب الموارد المالية والبشرية للقيام بتنظيم هذا الكيان.
وأضاف أن 97% من أعضاء “تجمع المحامين” هم بالأصل خاضعون لنظام “الحماية المؤقتة”، وليسوا قادرين على المغامرة بمواقف أو تصريحات قد تُحسب عليهم بأنهم يعادون الدولة التركية، ما يعرضهم أيضًا لخطر الترحيل إلى شمال غربي سوريا.
ويرى قرنفل أن الأشخاص الذين يقيمون في اسطنبول يستطيعون استخراج إذن للعمل وقوننة أوضاعهم، ما يؤهلهم لنقل بطاقة “الكملك” إلى الولاية نفسها، وهذه إحدى الطرق التي تحد من الترحيل.
رهف الحميدي، تحمل بطاقة “الحماية المؤقتة” الصادرة عن ولاية يوزغات، حالها حال أفراد عائلتها، قالت لعنب بلدي، إن العائلة وجدت خيار البقاء في اسطنبول يهددها بالترحيل المباشر إلى سوريا، ما دفعها للتفكير بالعودة إلى ولاية يوزغات لتفادي هذا الاحتمال.
وبحسب ما قالته رهف، فإن العائلة عرضت مفروشات منزلها باسطنبول للبيع بعد اتخاذها قرار المغادرة، وبدأت بالبحث عن منزل جديد في يوزغات للانتقال إليه في 22 من أيلول، أي قبل انتهاء المهلة بيومين.
وخلال إعداد هذا التقرير، حزمت رهف أمتعتها باتجاه ولاية يوزغات، هربًا من التضييق الأمني الذي بدأ يشتد في اسطنبول مع مرور الوقت.
وبلغ عدد اللاجئين السوريين تحت “الحماية المؤقتة” في تركيا ثلاثة ملايين و288 ألفًا و755 لاجئًا، ويقيم القسم الأكبر منهم في مدينة اسطنبول، إذ وصل عددهم إلى 532 ألفًا و235 شخصًا، بحسب أحدث الإحصائيات الواردة في الموقع الرسمي لإدارة الهجرة التركية.
المرحلة المقبلة “أخطر”
الناشط في مجال حقوق اللاجئين طه الغازي، قال لعنب بلدي، إن الناشطين ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية التركية غير الحكومية، يلعبون دورًا أساسيًا ومؤثرًا في تغيير منحى قرارات الهجرة التركية في المرحلة المقبلة.
ويرى طه الغازي أن الدور الأهم لهذه المنظمات والهيئات الحقوقية يكمن في التنسيق والتواصل مع مختلف الأحزاب والتيارات التركية من المعارضة والحكومة أيضًا.
وقال الغازي، إن الحملة الأمنية ستتركز في مدينة اسطنبول، مرجعًا ذلك إلى اقتراب انتخابات البلديات في تركيا، لكسب أصوات الناخب التركي، عبر إيصال رسالة غير مباشرة بأن الحكومة تقاوم الهجرة “غير الشرعية” وتعيد اللاجئين إلى بلادهم.
الناشط طه الغازي أضاف أن ترحيل السوريين إلى سوريا مباشرة مخالف لنظام “الحماية المؤقتة”، وقانون “الحماية الدولية”، واتفاقية “جنيف” التي وقعت عليها تركيا عام 1951.
الاستشاري القانوني علي كايا، يرى من جانبه أن المرحلة المقبلة من الترحيل ستكون “أكثر خطورة وضخامة” بالنسبة للاجئين السوريين في تركيا.
وقال كايا لعنب بلدي، إن الحملة ستبدأ من اسطنبول لتتوسع إلى بقية المحافظات، ومن الممكن أن تشمل لاحقًا المتضررين من الزلزال الذي ضرب تركيا في 6 من شباط الماضي.
وأُجبر سوريون مقيمون في الجنوب التركي على تغيير مدنهم والانتقال إلى ولايات لم يدمرها الزلزال، ما أدى إلى مضاعفة معاناتهم والصعوبات المعيشية التي واجهوها في تركيا.
ويرى الاستشاري أن المخالفين الذين لا يحملون أي أوراق ثبوتية، يحق للدولة التركية ترحيلهم، أما من يخالف بالانتقال إلى ولاية أخرى للعمل أو العيش فهذا حق طبيعي.
وانتقد كايا عدم السماح للاجئين السوريين المقيمين تحت “الحماية المؤقتة” بالتنقل بشكل حر في تركيا، مؤكدًا عدم وجود بند في قانون “الحماية الدولية” يفرض على اللاجئ الالتزام بمدينة معينة، إلا في حال أراد الذهاب إلى مناطق تعرض حياته للخطر.
ووفق ما ترجمته عنب بلدي، تنص المادة الثالثة من قانون العقوبات التركي رقم “5237“، على أنه “لا يجوز التمييز بين الأفراد من حيث العرق أو اللغة أو الدين أو الطائفة أو الجنسية أو اللون أو الجنس أو الأصل القومي أو الاجتماعي”.
اقرأ أيضًا: ترحيل السوريين من تركيا “طوعًا” على الورق.. “قسرًا” على الأرض
السلطات التركية ترحّل اللاجئين السوريين بطريقة تعسفية عبر إجبارهم على التوقيع على أوراق (العودة الطوعية)، ولكن الصور المنتشرة بتقييد أيدي المرحلين تظهر حقيقة الواقع التي تحاول السلطات إخفاءه.
غزوان قرنفل – محامٍ وناشط حقوقي |
عودة اللاجئين
الغرامات المالية والترحيل القسري يخالفان الحقوق الأساسية للاجئين السوريين، بحسب ما رأته منظمات حقوقية ودولية، إذ أصبح خيار “العودة الطوعية” إلى الأراضي السورية من قرار الشخص نفسه منفذًا محتملًا نتيجة للتضييق لا لتحسن الأوضاع في سوريا.
وبموجب “القانون الدولي العرفي”، يمنع مبدأ “عدم الإعادة القسرية” أي دولة مضيفة من إعادة أي شخص إلى بلده، سواء كان طالب لجوء أو حاصلًا على اللجوء، دون الأخذ بعين الاعتبار إن كان قد دخل إلى هذه الدولة بشكل قانوني أو غير قانوني.
وبناء على القانون الدولي، تُعتبر عملية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم انتهاكًا للقانون الدولي، ولاتفاقية اللاجئين لعام 1951 التي تعد الدولة التركية طرفًا فيها.
عبد الرحمن الحمادي، شاب سوري كان يقيم في اسطنبول، وينحدر من بلدة قاح بريف إدلب الشمالي، قال لعنب بلدي، إنه لم يجد أمامه سوى العودة إلى شمال غربي سوريا، مدفوعًا بالتضييق القانوني، وهو ما تطلق عليه تركيا اسم “العودة الطوعية”.
وكان عبد الرحمن يحمل “كملك” صادرًا عن ولاية جناق قلعة شمال غربي تركيا وأقام في اسطنبول، إذ كان معرضًا للترحيل القسري في أي لحظة خلال الحملات الأمنية المتكررة التي شهدتها المدينة.
عبد الرحمن أضاف أن ما وصفه بـ”المعاملة العنصرية” ضد اللاجئين السوريين في تركيا من الأسباب الرئيسة التي دفعته للتفكير بالعودة، إذ تعرض في الفترات الأخيرة لصدامات مع زملائه في مكان عمله، وزادت قرارات رئاسة الهجرة التركية الضغط النفسي عليه وضاعفت رغبته بالعودة إلى شمال غربي سوريا.
واحتجزت الشرطة التركية، في 8 من أيار الماضي، مجموعة من العائلات السورية اللاجئة والمقيمة في العاصمة أنقرة يقدّر عددهم بـ120 شخصًا معظمهم يحملون أوراقًا ثبوتية قانونية، دون أسباب واضحة، بحسب ما نشره ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
انتقادات
وفي 24 من تشرين الأول 2022، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا قالت فيه، إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز من العام نفسه.
وذكر التقرير أن تركيا ملزمة بموجب المعاهدات والقانون الدولي العرفي باحترام مبدأ “عدم الإعادة القسرية”، الذي يمنع من خلاله إعادة أي شخص إلى مكان يواجه فيه خطرًا حقيقيًا على حياته بالاضطهاد أو التعذيب وغيرها من المخاطر.
وجمعت المنظمة في تقريرها شهادات لعديد من المرحلين إلى سوريا “بشكل قسري”، تؤكد إجبارهم على توقيع “استمارات العودة الطوعية” إلى الشمال السوري تحت العنف والتهديد بمراكز الترحيل في عديد من الولايات التركية.
عرّفت رئاسة الهجرة التركية قانون “الحماية المؤقتة” الذي يعيش بموجبه السوريون في تركيا، على أنه شكل من أشكال “الحماية”، طورته تركيا لإيجاد حلول فورية في حالات التدفق الجماعي للاجئين، ومن أبرز بنود القانون “عدم الإعادة القسرية”، وهو البند الذي يُخرق بشكل متكرر منذ أكثر من عام.
ما مهلة 24 من أيلول؟
نشرت رئاسة الهجرة التركية بيانًا نبهت فيه اللاجئين السوريين المخالفين في ولاية اسطنبول إلى ضرورة مغادرة الولاية والعودة إلى الولايات المسجلين فيها قبل 24 من أيلول الحالي.
وأكدت رئاسة الهجرة التركية، في 18 من أيلول، قرراها السابق بشأن المخالفين، مشيرة إلى أنها ستنقلهم إلى مراكز “الإيواء المؤقتة” وتفرزهم منها إلى الولايات المسجلين فيها، وبحسب القانون رقم “6458” ستفرض عليهم عقوبات ضمن قانون “الأجانب” و”الحماية الدولية” و”الحماية المؤقتة”.
وشدد القرار على أن المدة المحددة لن يتم تمديدها، إذ ستبدأ الجهات المختصة بعمليات التفتيش من 24 من أيلول إلى أجل غير مسمى.
ومنذ بدء الحملة الأمنية، مطلع تموز الماضي، انعكست على حركة السوريين وتنقلهم بين أماكن سكنهم ومقار عملهم، خاصة في مدينة اسطنبول.
ومع نهاية تموز الماضي، قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، إنه أصدر تعليمات بشأن ملاحقة المهاجرين “غير النظاميين” الذين يقيمون بشكل غير قانوني في عموم البلاد، وليس في اسطنبول وحدها.
وشملت الحملة الأمنية السوريين من أصحاب “الكملك” المخالف لأماكن إقامتهم المفترضة.
الوزير التركي تحدث في تصريحات سابقة نُشرت في 13 من أيلول، عن أن السلطات ألقت القبض على أكثر من 75 ألفًا و442 شخصًا من المهاجرين غير النظاميين والمخالفين خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ورحّلت منهم نحو 33 ألفًا خارج الأراضي التركية.
وصرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 18 من أيلول، عن عودة نحو 600 ألف سوري إلى وطنهم “عودة طوعية”، “ومع إتمام بناء المساكن الدائمة في شمالي سوريا سيضاف إليهم مليون شخص”.