عنب بلدي – حسن إبراهيم
مضى أكثر من 50 يومًا على إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية” اعتقال المتحدث باسم التنظيم “أبو عمر المهاجر” على يد “هيئة تحرير الشام” في مناطق سيطرتها بإدلب، ولا يزال الغموض يكتنف قضيته دون أي حديث عنه من قبل “الهيئة”.
إعلان التنظيم يشير إلى أن إدلب كانت آخر محطة لـ”أبو عمر المهاجر”، وهو المتحدث الرابع لـ”الدولة الإسلامية”، وسبق أن شهدت المنطقة مقتل ثلاثة “خلفاء” للتنظيم من أصل أربعة جرى استهدافهم.
وتعاقب على منصب المتحدث أو الناطق الرسمي باسم تنظيم “الدولة الإسلامية” خمس شخصيات، ثلاثة قُتلوا وكان “أبو عمر المهاجر” رابعهم، قبل تعيين المتحدث الجديد الحالي “أبو حذيفة الأنصاري”.
تسيطر “الهيئة” على إدلب، وتملك تاريخًا طويلًا في قتال “الدولة الإسلامية” على مدار تسع سنوات سابقة بعد أن كانا حليفين في التنظيم نفسه، ما فتح الباب أمام تساؤلات عن الأسباب التي أبقت قيادات وعناصر التنظيم في منطقة خاضعة لقبضة أمنية محكمة، وعدم اختيارهم أرياف حلب كونها منطقة واسعة لكي يتجنبوا الوقوع “صيدًا للهيئة”.
اتهامات قوبلت بنفي
في 3 من آب الماضي، اتهم المتحدث الجديد للتنظيم، “أبو حذيفة الأنصاري“، “تحرير الشام” بقتل زعيم “الدولة الإسلامية”، “أبو الحسين الحسيني القرشي” قائلًا، إنه قُتل بعد مواجهة مباشرة مع ما أسماها “هيئة الردة والعمالة” في إحدى بلدات ريف إدلب إثر محاولتها أسره وهو على رأس عمله، فاشتبك معها بسلاحه حتى قُتل متأثرًا بجروحه، وفق المتحدث.
وأضاف “الأنصاري” خلال كلمة صوتية له، أن عناصر “الهيئة” ترصدوا في مكان قريب لمتحدث التنظيم “أبو عمر المهاجر” مع بعض إخوانه، بينما كانوا “يسيّرون بعض المهام، ومكروا به وأثبتوه أسيرًا، وأسروا الحرائر وساوموهم على بعض الملفات والأسرار خدمة لأردوغان واستجداء له”.
وذكر “الأنصاري” أن “الهيئة” سلمت “أبو الحسين” إلى الحكومة التركية “قربان وفاء وولاء” إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتمنحه إنجازًا في حملته الانتخابية.
في المقابل، نفى المتحدث باسم “جهاز الأمن العام” العامل في إدلب، ضياء العمر، صحة ادعاء تنظيم “الدولة” بأن “تحرير الشام” مسؤولة عن استهداف “أبو الحسين” وتسليمه للجانب التركي، “جملة وتفصيلًا”.
وقال العمر في تصريح نشره في 4 من آب الماضي، إنه لو قُتل “خليفة” التنظيم على يد “الأمن العام” لكان “بشّر بذلك المسلمين وأعلنه مباشرة”، دون أن يذكر العمر أي معلومات عن أسر “تحرير الشام” للمتحدث الرسمي لتنظيم “الدولة”، “أبو عمر المهاجر”، في إدلب.
إدلب مخبأ لـ”خلفاء” التنظيم
رغم وجود خصومة وعداء وقتال بين تنظيم “الدولة” و”تحرير الشام” التي خرجت من رحم “القاعدة” وأعلنت انفصالها لاحقًا عن أي تشكيل، لجأ أول “خليفة” للتنظيم، “أبو بكر البغدادي”، إلى مدينة إدلب، وقُتل بعملية إنزال جوي نفذتها القوات الأمريكية في منطقة باريشا بريف إدلب الشمالي، في 27 من تشرين الأول 2019.
وأسفرت العملية عن مقتل سبعة أشخاص مدنيين (ثلاثة رجال وثلاث نساء وطفلة).
وقُتل الزعيم الثاني عبد الله قرداش (أبو إبراهيم القرشي) في 3 من شباط 2022، بعملية إنزال جوي أمريكية على منزل في قرية أطمة الحدودية، أسفرت عن مقتل 13 شخصًا على الأقل بينهم ستة أطفال وأربع نساء.
واتهم تنظيم “الدولة”، في آب الماضي، “تحرير الشام” بقتل زعيمه الرابع “أبو الحسين القرشي” رغم نفي “الهيئة” لذلك، في حين قُتل “أبو الحسن القرشي” ثالث “خليفة” بعملية لـ”الجيش السوري الحر” بمحافظة درعا جنوبي سوريا، في تشرين الأول 2022، وفقًا للمتحدث باسم القيادة المركزية للقوات الأمريكية (سينتكوم)، جو بوتشينو.
الباحث في معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” آرون زيلين، المختص في شؤون الجماعات “الجهادية” بشمال إفريقيا وسوريا، قال لعنب بلدي، إن تنظيم “الدولة” يعتقد (من وجهة نظره) بأن مناطق سيطرة “تحرير الشام” أكثر أمانًا لنشاطه، وملاذ آمن بالمقارنة مع مناطق سيطرة “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا.
ورجّح زيلين بأن يكون سبب البقاء في إدلب هو وجود شبكات علاقات تاريخية أقوى في محافظة إدلب من محافظة حلب، كما أن استهداف ثلاثة زعماء للتنظيم في إدلب، يدفع المرء للاعتقاد بأن التنظيم سيعيد التفكير في هذه الاستراتيجية لأن الواضح أنها غير ناجحة، خاصة أن هجمات “الهيئة” لم تستهدف شخصيات من مستويات عليا في التنظيم وحسب، بل أيضًا العديد من الخلايا والعناصر من المستوى المتوسط إلى الأدنى أيضًا، بمعنى أن التنظيم يخالف التوقعات.
“المهاجر” ورقة “إحراج”
تعلن “هيئة تحرير الشام” أو “جهاز الأمن العام” العامل في مناطق سيطرتها بشكل متكرر عن القبض على “خلايا” وعناصر يتبعون لتنظيم “الدولة” في مناطق إدلب، دون الحديث بعدها عن مصيرهم أو محاكماتهم التي تبقى غامضة ولا تظهر للعلن.
وتقتصر بيانات “الأمن العام” على بعض التوضيحات، منها ما نشره في حزيران 2022، عن تفاصيل عملية إلقاء القبض على عدد من الأشخاص ممن يتبعون لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وقال المتحدث الرسمي باسم “الأمن العام“، ضياء العمر، حينها، إن من بين المقبوض عليهم مسؤولين وقياديين يتبعون لما يعرف بـ”ولاية الشام”، ويتقلدون مناصب حساسة أهمها تأمين الطرق والإمدادات.
وعُثر بحوزتهم على أحزمة ناسفة وأسلحة وذخائر من بينها بنادق ومسدسات من عيارات مختلفة، وأجهزة حاسوب (لابتوب) وغيرها، دون تفاصيل أخرى عن مصيرهم أو طرق محاكمتهم أو العقوبات التي تطالهم.
ويحمل اعتقال “أبو عمر المهاجر” خصوصية مختلفة عن بقية العناصر، كون الرسائل والبيانات تمر من خلاله، وربما الخطط وحتى التواصلات وأماكن وجود العناصر و”الخلايا”، ما فتح الحديث عن إمكانية استفادة “تحرير الشام” من وجوده في قبضتها، أو احتمالية استخدامه ورقة مع إحدى الجهات أو الدول التي تحارب التنظيم.
الباحث في الجماعات “الجهادية” عرابي عرابي، قال لعنب بلدي، إن التنظيم يستطيع أن يتلافى ويتدارك المعلومات التي يمتلكها “أبو عمر المهاجر” مهما كانت، لافتًا إلى أنه قد يمتلك معلومات ذات تأثير “بسيط” ومؤثرة على التنظيم ضمن نطاق محلي على مستوى إدلب، وربما عن مكان وجود العناصر بالمنطقة.
ويرى عرابي أن اعتقال “أبو عمر” في حال تم فإنه ضربة معنوية لتنظيم “الدولة” إن صح التعبير، وربما التنظيم لا يراها كذلك لأنه هو من اعترف باعتقاله، ولولا إعلانه لما سمع أحد بالأمر، لافتًا إلى أن لـ”تحرير الشام” مصلحة في إخفاء عديد المعتقلين عن الواجهة الإعلامية أو الحديث عنهم.
ويعتقد عرابي بأن التنظيم تعمد أن يشير إلى اعتقال “أبو عمر المهاجر” حتى يضع “هيئة تحرير الشام” بوضع محرج، ويبعث رسالة بأن تنظيم “الدولة” لا يكترث، أو أن اعتقال “أبو عمر” لا يؤثر على مسار عمل الجماعة ولا يهدد عملياتها.
ولفت عرابي إلى أن تأخير إعلان تنظيم “الدولة” عن مقتل “الخليفة” الرابع واعتقال “أبو عمر المهاجر” (أكثر من ثلاثة أشهر) يشير إلى أن التنظيم كان في مرحلة بناء توازنات داخلية، وأخذ الموافقات من قبل مجلس الشورى من أجل التوافق على شخصية معينة.
من جهته، الباحث آرون زيلين رجّح إمكانية أن تكون هناك مناقشات خفية (سرية) حول استخدام “المهاجر” مع إحدى الدول، دون تقديرات لحجم المكاسب التي ستحصل عليها “تحرير الشام” مقابل المتحدث، باستثناء ربما الدفع لها نقدًا مقابل الوصول الى هذا الشخص.
وفي الوقت نفسه، يرى زيلين أن مقابلة “المهاجر” قد لا تثير اهتمام الأمريكيين هذه الفترة مع تركيزهم بقوة على نشاط التنظيم في سوريا، وقتل واعتقال عديد من القياديين الآخرين في وقت سابق من هذا العام.
ولم يسبق لـ”تحرير الشام” أن أعلنت عن مفاوضات لتسليم قياديين أو عناصر في تنظيم “الدولة” إلى جهات أو دول أخرى، في حين كان لها تاريخ في مفاوضات لتسليم أشخاص مختطفين ضمن مناطق سيطرتها، مع دفع فدية مالية مقابل ذلك، تكتمت عنها الأخيرة في حين كشفتها تقارير وتحقيقات صحفية.
ورصدت عنب بلدي، في وقت سابق، صفقات للإفراج عن ناشطين ومقاتلين سوريين من خاطفين يتبعون لفصائل متشددة، قُدّرت قيمتها وسطيًا بـ100 ألف دولار لكل شخص.
ثلاثة ناطقين قتلى
يعد “أبو محمد العدناني”، واسمه طه صبحي فلاحة، أول متحدث رسمي باسم التنظيم.
ولد “العدناني” في مدينة بنش بريف إدلب عام 1977، والتحق بتنظيم “دولة العراق الإسلامية” بزعامة “أبو مصعب الزرقاوي” إبان الغزو الأمريكي للعراق.
وعُيّن “العدناني” متحدثًا باسم تنظيم “الدولة” لدى دخوله إلى سوريا منتصف عام 2013، وكان يعتبر الرجل الثاني في التنظيم، بعد “أبو بكر البغدادي” حينها.
في 30 من آب 2016، أعلنت التنظيم مقتل “العدناني” في محافظة حلب، خلال “تفقده صد الحملات على حلب”، وتبنت روسيا عملية قتله، إلا أن أمريكا وصفت التصريحات الروسية بالمضحكة، ونسبت الاستهداف لها.
وفي كانون الأول 2016، أعلن التنظيم أن “أبو الحسن المهاجر” هو المتحدث الجديد خلفًا لـ”العدناني”، ولم يُعرف الكثير عن هويته الحقيقية، لكن اسمه الحركي أشار إلى أنه لم يكن سوريًا، وفق باحثين في الحركات “الجهادية”.
في 2019، أعلن قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، مقتل المتحدث “أبو حسن المهاجر”، في غارة جوية بعد ساعات قليلة من مقتل زعيم “الدولة الإسلامية”، “أبو بكر البغدادي”.
وبعد أيام من إعلان عبدي، ظهر المتحدث الثالث للتنظيم، “أبو حمزة القرشي”، عبر كلمة صوتية، نعى فيها زعيم التنظيم “أبو بكر البغدادي”، والمتحدث السابق “أبو الحسن المهاجر”، وقال إن الأخير ينحدر من “جزيرة محمد عليه السلام”، أي أنه سعودي الجنسية.
ولفت إلى أن “أبو الحسن المهاجر” من أوائل من قدم لقتال الأمريكيين في العراق، بعد الغزو عام 2004.
استمرت فترة المتحدث الثالث للتنظيم، “أبو حمزة القرشي”، ثلاث سنوات، ولم يعلن التنظيم عن مقتله، لكن رجّح باحثون أنه قُتل مع الزعيم الرابع للتنظيم في إنزال جوي أمريكي بأطمة شمالي إدلب، لأن المتحدث الرابع “أبو عمر المهاجر” نشر كلمة صوتية لأول مرة في 10 من آذار أعلن فيها مقتل “عبد الله قرداش”.
كان آخر حديث للمتحدث الرابع “أبو عمر المهاجر” في 3 من تشرين الثاني 2022، حين أعلن مقتل الزعيم الثالث لـ”الدولة” الملقب بـ”أبو الحسن الهاشمي القرشي”، وتعيين “أبو الحسين الهاشمي القرشي” خلفًا له.