شروط متبادلة بلا لقاءات.. مسار تقارب أنقرة- دمشق في ثلاثة أشهر
سجل مسار التقارب التركي مع النظام السوري على مدار الأسابيع الماضية تراجعًا عمليًا على الأرض، أبقاه حبيسًا في تصريحات أطراف “الرباعية” (تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري)، إلى جانب توقف اللقاءات السياسية في هذا المسار منذ أكثر من ثلاثة أشهر، رغم حديث متكرر عن تحضيرات للقاء يعيقه تضارب المواعيد بين وزراء خارجية الأطراف الأربعة، وفق ما هو معلن.
في 20 من أيلول الحالي، أوضح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف أن موسكو تعمل حاليًا على تحسين خارطة طريق بشأن العلاقات بين أنقرة ودمشق، مبينًا أن موسكو تدعو إلى عقد اجتماع رباعي حول تطبيع العلاقات التركية مع النظام في أقرب وقت ممكن.
وقال بوغدانوف، “لم يتم تحديد موعد بعد ولكننا نعتقد، وقد قلنا ذلك لأصدقائنا في دمشق وأنقرة وطهران، إنه ليس لدينا وقت لنضيعه وعلينا أن نتحرك في أسرع وقت ممكن، والمضي قدمًا في ذلك”، وفق ما نقلته وكالة “تاس” الروسية.
تتضارب هذه التصريحات مع ما جاء على لسان وزير الدفاع التركي، يشار غولر، لصحيفة “ملييت“، قبل يومين، والتي شدد خلالها على جملة شروط تركية للانسحاب العسكري من الأراضي السورية، تتجلى بإجراء انتخابات في سوريا، والتوصل إلى دستور جديد، وتشكيل حكومة تضم جميع فئات الشعب.
الشروط.. اختلاف صياغة
لا يعتبر وضع أنقرة شروطًا على الأسد جديدًا في هذا السياق، إذ مررت صحيفة “يني شفق” التركية المقربة من الحكومة، في 26 من حزيران الماضي، ما قالت إنها أربعة شروط تركية لتطبيع العلاقات مع دمشق، تمثلت بالتوصل إلى تعديل دستوري، وانتخابات نزيهة في سوريا، وعودة مشرّفة وآمنة للاجئين السوريين، والتعاون في مسألة “مكافحة الإرهاب”، وتحديدًا فيما يتعلق بحزب “العمال الكردستاني” (ترى أنقرة أن “قوات سوريا الديمقراطية” تشكّل امتداده في شمال شرقي سوريا).
الشروط التركية سبقها النظام السوري منذ بداية مسار التقارب، بشرط لا تراه أنقرة ممكنًا في الوقت الراهن، ويتمثل بانسحاب قواتها من شمال غربي سوريا، قبل التوصل لأي تفاهم سياسي مع البلد الجار.
ورغم الاختلاف في صياغة الشروط التركية، فإن القاسم المشترك بينها أنها وردت ككل بعد الانتخابات الرئاسية التركية، التي جرت جولتها الثانية في 28 من أيار الماضي، وحافظ فيها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على منصبه لخمس سنوات مقبلة، خلافًا لتطلعات لرئيس النظام السوري، بشار الأسد.
كما تبع هذه الانتخابات جولة مباحثات يتيمة بين أطراف “الرباعية”، جرت بالتزامن مع الجولة العشرين من مباحثات “أستانة” في 20 و21 من حزيران الماضي.
وحينها، أوضح نائب وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، أن أي نتائج فعلية لمسار “أستانة” يجب أن تستند إلى السحب الفوري للقوات التركية من الأراضي السورية.
كما اعتبر التصريحات التركية حول سيادة سوريا ووحدة أراضيها تتنافى مع استمرار “احتلالها” للأراضي السورية، وتخالف القانون الدولي، وأبسط مقومات العلاقات بين الدول، وفق تعبيره.
وبعد نحو خمسة أسابيع من اللقاء، نقلت وكالة “ريا نوفوستي” في 28 من تموز الماضي، عن مصدر لم تسمه في الدائرة الدبلوماسية الروسية، أن اجتماعًا لوزراء خارجية أطراف “الرباعية” قيد المناقشة حاليًا، لكن جدول أعمالهم يجب أن يتزامن.
المصدر الروسي اعتبر أن العملية (في إشارة إلى التقارب) مستمرة، وأن مسألة اللقاء قيد النقاش، لكن للوصول إلى نتائج من الضروري توافق جداول أعمال الوزراء.
إيران.. لا آلية تنفيذ
في تعليق لإيران التي التحقت فيما بعد بمسار التقارب، وحولته إلى “رباعية”، قال كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، في 18 من أيلول، إن من الأمور التي تجري مناقشتها حاليًا هي كيفية التعاون بين تركيا والنظام السوري، مع مشاركة إيران وروسيا، دون تحديد آلية للتنفيذ.
وأضاف خاجي في مقابلة مع صحيفة “الوفاق” الإيرانية، أن من القضايا المهمة في هذا الاتفاق مسألة مكافحة الإرهاب، وهو مبدأ مشترك يتفق عليه الطرفان، والقضية الأخرى هي عودة اللاجئين السوريين.
المسؤول الإيراني اعتبر أن لتركيا الحق، ومخاوفها مبررة، على اعتبار وجود أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ على أراضيها، مشيرًا إلى أن عودة اللاجئين مسألة خلافية، فعودتهم تتطلب المرافق والبنية التحتية المناسبة، “الآن في سوريا لا بيت ولا ماء ولا طعام ولا مرافق فكيف يعودون”، أضاف خاجي.
بالنظر إلى حالة نشاط اللقاءات التفاوضية بين أطراف “الرباعية” خلال الفترة الأخيرة، تبدو بوضوح حالة الدفع بالمسار التي جرت قبل الانتخابات الرئاسية التركية، فانعقد لقاء لنواب وزراء الخارجية الأربعة، في 4 من نيسان الماضي، ثم لقاء لوزراء الدفاع وقادة الاستخبارات للأطراف ذاتها في 25 من الشهر نفسه، وصولًا إلى لقاء وزراء الخارجية في 10 من أيار، لأول مرة منذ بدء المسار.
حالة التسارع هذه في اللقاءات تبعتها عودة للإيقاع غير المنتظم المألوف، ليأتي اللقاء الأحدث في 20 من حزيران، بعد نحو 40 يومًا على آخر سبقه، كما مضى على لقاء “20 من حزيران” نحو ثلاثة أشهر، دون تحديد موعد لقاء جديد بعد.
في المقابل، فإن ثلاثة لقاءات جرت في أقل من هذه المدة، قبيل الانتخابات التي عززت موقف أنقرة التفاوضي، مزيحة عن الملف ثقله على السياسة الداخلية، بعد انتزاعه من يد المعارضة التركية الداخلية.
جمود بسبب شروط النظام
الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، عزا جمود مسار التقارب إلى طرح النظام السوري شرط وضع جدول زمني لانسحاب القوات التركية من سوريا مقابل المضي في المفاوضات، موضحًا في الوقت نفسه أن المساعي التي تقودها موسكو خلف الكواليس لا تزال مستمرة لإعادة دفع هذا المسار.
وبحسب علوش، فالجهود الروسية تتركز حاليًا على الانتهاء من وضع خارطة طريق لإعادة إصلاح العلاقات “التركية- السورية” والعرض الذي قدمته طهران لأنقرة على هامش اجتماع “أستانة” الأخير يندرج في هذا الإطار.
في 16 من أيلول، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في تصريحات لمجلة “الوفاق” الإيرانية، إنه عرض على تركيا والنظام، سحب القوات التركية مع تقديم ضمانات من النظام السوري بحماية الحدود.
وقدّم عبداللهيان اقتراحه خلال اجتماع “الرباعية” في موسكو، في حزيران الماضي.
إلى جانب ذلك، استبعد الباحث عقد لقاءات جديدة بين أنقرة ودمشق في إطار “الرباعية”، قبل التوصل إلى هذه الخارطة الروسية.
كما بيّن أن أنقرة بعد الانتخابات التركية، لم تعد ترى حاجة لتقديم تنازلات جوهرية للنظام مقابل المضي في المفاوضات، لكنّ ذلك لا يعني أنها لم تعد مهتمة بمسار الحوار بل تسعى لتقوية موقفها التفاوضي.
“اقتراب الانتخابات المحلية في تركيا والحاجة إلى التوصل إلى تفاهمات بشأن إعادة اللاجئين السوريين تضغط على أردوغان لدفع مسار الحوار”، أضاف علوش.
وعند سؤاله عن إمكانية لقاءه بالرئيس التركي، قال الأسد خلال حديث خاص إلى قناة “سكاي نيوز” عربية، في 9 من آب، إن الهدف بالنسبة له هو الانسحاب التركي من الأراضي السورية، بينما هدف أردوغان “شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا”، مشددًا على أن اللقاء لا يمكن أن يتم “تحت شروط أردوغان”، وفق قوله.
الأسد: “الإرهاب صناعة تركية”
ردًا على تصريحات الرئيس التركي التي تشدد على بقاء القوات التركية في سوريا لمحاربة “الإرهاب”، صعد الأسد لهجته ضد أنقرة، معتبرًا أن “الإرهاب الموجود في سورية هو صناعة تركية، جبهة النصرة، أحرار الشام هي تسميات مختلفة لجهة واحدة كلها صناعة تركية وتموّل حتى هذه اللحظة من تركيا، إذاً عن أي إرهاب يتحدث؟ (في إشارة إلى أردوغان)”.
تصريحات الأسد لاقت امتعاضًا تركيًا، إذ استعادت وسائل إعلام تركية هجوم الأسد على تركيا، واصفة تصريحه بـ”الوقح”، كما أن السفير التركي السابق في سوريا، عمر أونهون، وهو آخر سفير تركي في دمشق، اعتبر ما قاله الأسد في لقائه ليس جديدًا، موضحًا أن الأسد كرر ما كان يقوله منذ أشهر، وما تكتبه الصحافة.
وبعد يومين من تصريحات الأسد، قال وزير الدفاع التركي، في 12 من آب، إنه لا يمكن تصور مغادرة سوريا دون ضمان أمن حدود تركيا، معتبرًا أن بلاده لديها “نقاط حساسة” تجاه هذا الموضوع، موضحًا أن بلاده ترغب في إحلال السلام في سوريا، مع الإشارة إلى أن “صياغة دستور جديد لسوريا واعتماده، أهم مرحلة لإحلال السلام هناك”.
اقرأ المزيد: تركيا تتجاهل تصعيد الأسد.. مسار التقارب لم ينقطع
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :