النظام وإسرائيل.. ما ذكره الشرع وأثبتته الوثائق السرية
نشرت مجلة “المجلة” السعودية في 18 من أيلول الماضي، ما قالت إنه محاضر ووثائق المفاوضات السورية- الإسرائيلية في عهد رئيس النظام السابق، حافظ الأسد، والتي مثله فيها، وزير الخارجية حينها، فاروق الشرع.
وتتضمن الوثائق المنشورة، محاضر الاجتماعات والاتفاقات التي عقدت برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، في منتجع “كامب ديفيد”.
الشرع، الذي اختفى عن الساحة السياسية السورية منذ مؤتمر “سميراميس” في دمشق 2011، بعد أشهر قليلة على اندلاع الثورة السورية، أفرد ضمن مذكراته المنشورة عام 2015 والتي حملت عنوان “الرواية المفقودة”، فصولًا مطولة وتفاصيل عديدة للمفاوضات بين الطرفين.
وبدأت أول مفاوضات بين الطرفين بعد أن فشلت القوات العربية في منع إقامة الاحتلال الإسرائيلي لدولته على أرض فلسطين في عام 1948، ووقعت الحكومة السورية مع الاحتلال اتفاق هدنة عام 1949.
ومنذ ذلك العام وحتى عام 2008، شهدت طاولة المفاوضات جولات طويلة بين الجانبين، لم تسفر في النهاية عن أي اتفاق للسلام بينهما، كما لم تحصل أيضًا أي اشتباكات مباشرة بين إسرائيل وسوريا على جبهة الجولان المحتل، منذ العام 1974، عندما وقع الطرفان اتفاق فض الاشتباك.
وما بين عامي 1949 و2008، شهدت عملية المفاوضات بين سوريا إسرائيل محطتين رئيسيتين في تسعينات القرن الـ20، مفاوضات “مؤتمر مدريد” 1991، ومفاوضات “كامب ديفيد”، وكلاهما تكللتا بالفشل ولم تصلا إلى نتيجة.
الأسد ومؤتمر مدريد
انتهت حرب الخليج الثانية عام 1991 بخروج القوات العراقية من الكويت، وسرعان ما أعلن الرئيس الأمريكي حينها، جورج بوش الأب، أمام “الكونجرس” الأمريكي، بدء العمل على “سلام شامل” في الشرق الأوسط وفق قراري مجلس الأمن “242” و”338″.
ووفق كتاب “سوريا وإسرائيل من الحرب إلى صناعة السلام” من تأليف موشيه معوز، سعى الأسد منذ عام 1988 لمنح الأولوية للدبلوماسية بدلًا من الحرب وبدت مستعدة لعقد اتفاق سلام، وبالتزامن مع هذا الاستعداد، ازدادت الروابط بين الأسد وإيران وفصائل فلسطينية و”حزب الله”.
مع انتهاء حرب الخليج التي شاركت فيها قوات سورية بشكل رمزي، يرى معوز أن الأسد كان مستعدًا للسلام مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1991.
في آذار من ذلك العام، اجتمع فاروق الشرع مع وزير الخارجية الأمريكي حينها، جيمس بيكر، وأخبره أنه عمل مع كل من مصر وإسرائيل لـ14 شهرًا لإجراء محادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وطالبه بعقد مؤتمر إقليمي، فردّ الشرع، وفق مذكراته، بأن يكون المؤتمر دوليًا.
هدفت إسرائيل وفق الشرع، حينها، إلى تعاون اقتصادي مع العرب، وزار بيكر الأسد في دمشق واستمر الاجتماع لثلاث ساعات، وعاد مجددًا في نيسان 1991، وعقد اجتماعًا مع الأسد امتد لتسع ساعات.
واستمرت جولات بيكر بين دول المنطقة حتى تشرين الأول 1991، ضمن مفاوضات معقدة، حتى عقد المؤتمر في مدريد في تشرين الأول 1991.
وفي كتابه، اتهم فاروق الشرع إسرائيل، بالتعنت، واستمرت المفاوضات حتى بعد خسارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق شامير، في الانتخابات، ووصول إسحاق رابين إلى السلطة.
بعد أشهر من المفاوضات لم تصل الوفود إلى حل للسلام، إلا أن المؤتمر أدى فيما بعد إلى اتفاقية “أوسلو”، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في العام 1993، وفي تلك الفترة، نشأ مصطلح “وديعة رابين” التي تمسكت بها سوريا في مفاوضات “كامب ديفيد”، قبل وفاة حافظ الأسد.
ووفق كتاب “السلام الداني” لرضوان زيادة، الصادر في عام 2006، فإن عامًا كاملًا من المفاوضات بين الطرفين لم يف إلى أي اتفاق.
وتنص “وديعة رابين” على انسحاب الاحتلال الإسرائيلي حتى خطوط 4 من حزيران 1967 (تاريخ احتلال الجولان)، مقابل تقديم سوريا لضمانات أمنية وتفهمًا لحاجات إسرائيل في قضايا أخرى.
وذكرت مجلة “المجلة” أن اللقاءات شملت رئيسي الأركان لدى النظام السوري والاحتلال الإسرائيلي، سرًا وعلانية بين عامي 1994 و1995. وكما المفاوضات السياسية، لم ينجح التفاوض العسكري على نقاط جغرافية أمنية، وفق الشرع.
وذكر الشرع في مذكراته، أن الجانب السوري حقق نقطتين مهمتين، هما ترسيخ الانسحاب الإسرائيلي من الجولان كأساس للسلام، واعتبار الترتيبات الأمنية عنصرًا مهمًا للسلام بين الطرفين.
وتفرع عن مؤتمر مدريد لقاءات ثنائية بين إسرائيل من جهة، والأردن والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، وبالإضافة إلى اتفاق “أوسلو”، عقدت إسرائيل اتفاقية “وادي عربة” مع الأردن، ووقعتا اتفاق سلام عام 1994.
في حين توقفت المفاوضات بين إسرائيل والأسد في عام 1996 وعادت في 1999.
نهاية دون سلام
رغم أن جولات المفاوضات بين الطرفين استمرت لأعوام، إلا أنها لم تنقطع تمامًا، وعادت الوفود للتواصل وعقد الاجتماعات في الولايات المتحدة الأمريكية في 1999.
وفق وثائق “المجلة”، كان السلام قريبًا بين الطرفين، وبدأ بمسار تصاعدي وفق مصطلح “أرجل الطاولة الأربع”، وهي العناصر الأربعة التي تشكل اتفاق السلام بينهما.
وتتكون من الانسحاب الإسرائيلي من كامل الجولان، وترتيبات أمنية بين الطرفين، تطبيع العلاقات، وجدول زمني للتنفيذ.
التقى الشرع في عام 1999 رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إيهود باراك، ووزيرة الخارجية الأمريكية، مادلين أولبرايت في أمريكا، وأكدا على “رغبة عميقة” في تحقيق السلام.
وجاء اللقاء بعد اتصالات بين الرئيس الأمريكي حينها، بيل كلينتون، مع حافظ الأسد وإيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي في تلك الفترة.
سبق اللقاءات الرسمية، بحسب الشرع، لقاءات بين خبراء وبشكل سري في أماكن منعزلة، قبل الإعلان عن استئناف المفاوضات، ولم تكن المفاوضات مباشرة، باستثناء جلسة واحدة.
وفي هذه الجلسات، حاول الوفد الإسرائيلي التنصل من “وديعة رابين” وفق الشرع، وحصلت جدالات متكررة حول حدود خط الرابع من حزيران.
ثم التقى الشرع مع كلينتون وأولبرايت في العاصمة الأمريكية واشنطن، ونقل كلينتون كلام الإسرائيليين حول بحرية طبرية وعدم إمكانية سيطرة سوريا عليها، وفق مذكرات الشرع.
استمر الجدال بين الطرفين، وعاد الشرع للقاء كلينتون مجددًا في صيف 1999، ثم مع باراك لبدء عملية السلام في كانون الثاني 2000.
وفق وثائق “المجلة”، تشكلت أربع لجان لمناقشة الترتيبات الأمنية المتكافئة، والعلاقات السلمية، والثالثة للمياه، والرابعة لترسيم الحدود.
وتضمن الاتفاق سحب القوات إلى خطوط الرابع من حزيران وإقامة سلام وأمن في نطاق الحدود المعترف بها، وتتوقف حالة الحرب.
وشهدت المفاوضات بين الطرفين خلافات حول الخطوط الحدودية التاريخية لخط “الرابع من حزيران”، ويمكن استكشاف عمق الخلاف من خلال الجدال الطويل الذي دار حول هذه النقطة، إلى جانب حدود بحيرة طبرية وإمكانية وصول السوريين إليها، من خلال التفاصيل التي ذكرها الشرع في كتابه.
وطالب الإسرائيليون بعدم اقتراب السوريين من حدود بحيرة طبرية، وبقائها تحت سيطرة الجانب الإسرائيلي، كذلك لم يصلا إلى اتفاق نهائي حول الحدود.
ووفق الشرع، قدمت كندا عرضًا للأسد يتضمن تحويل جميع الأراضي المحيطة ببحيرة طبرية إلى محميات طبيعية، وهو ما رفضه الأسد.
طوال عام 1999، لم تصل الوفود إلى نتيجة نهائية للمفاوضات تؤدي إلى توقيع اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، حتى مع لقاء الأسد بالرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في ذلك العام.
بعد ستة أشهر من آخر محاولة لإقامة اتفاق سلام بين الأسد وإسرائيل، أعلن عن وفاة حافظ الأسد في دمشق، ثم تولى ابنه الثاني، بشار الأسد، منصب الرئيس بعد تعديل دستوري خفض سن الرئاسة من 40 عامًا حينها إلى 34 عامًا، وسط اتهامات بتمرير عملية التوريث دون عملية انتقال سياسي حقيقية في سوريا.
ولا يمكن معرفة الحقيقة كاملة من خلال كتاب الشرع، الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد الأسد الأب ثم الابن لفترة وجيزة، لكن يمكن الاستدلال من خلاله على مرحلة من تاريخ سوريا ومقاطعتها مع وثائق أخرى للمفاوضات، أو مذكرات لسياسيين لم تظهر بعد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :